ماذا تفعل لو كنت تلعب فى فريق كرة قدم وأثناء المباراة وجدت الحكم منحازا بشكل فاضح للفريق المنافس؟!.. ماذا تفعل لو رأيت الحكم يلغى أهدافا صحيحة لصالح فريقك، بينما يفعل كل شىء حتى يفوز الفريق المنافس بلا وجه حق؟! .. هل تكمل المباراة وأنت تعلم أن الحكم لن يسمح لك بالفوز أبدا وأنه سيمنح الفوز لمنافسك بالتزوير، أم تعلن احتجاجك على هذا الحكم الظالم وتنسحب من المباراة؟!
هذا هو الاختيار الذى يواجه الثورة المصرية اليوم.. لقد وثقت الثورة فى المجلس العسكرى وعهدت إليه بإدارة المرحلة الانتقالية حتى يحقق أهداف الثورة ويُعد البلاد لديمقراطية حقيقية، لكن المجلس العسكرى حافظ على نظام مبارك ودعمه بكل قوة حتى يقضى على الثورة. وقد نفذ نظام مبارك مخططاً دقيقاً لإجهاض الثورة وإعادة عصابات مبارك إلى السلطة: بدءاً من تشويه الثوار واتهامهم بالعمالة، ثم استهداف شباب مصر بمذابح بشعة تم خلالها قتل مئات المواطنين وفقء عيونهم بالخرطوش وهتك أعراض بنات مصر.. إلى اصطناع انفلات أمنى وأزمات مفتعلة تضغط على المواطنين حتى يكرهوا الثورة، وانتهى الأمر بدفع أحمد شفيق إلى الرئاسة ليعيد كل شىء إلى ما كان عليه قبل الثورة، ثم كانت آخر ضربة وجهها نظام مبارك إلى الثورة عندما حكم القاضى أحمد رفعت بانقضاء الدعوى ضد جمال وعلاء مبارك وبراءة جميع مساعدى وزير الداخلية العادلى المسؤولين عن قتل وإصابة آلاف المصريين.. الآن وقد تم تنفيذ المخطط بدقة نجد أنفسنا أمام جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية بين اختيارين: إما أحمد شفيق، رجل مبارك المخلص، أو محمد مرسى، مرشح الإخوان المسلمين.. فى وسط هذا المشهد الضبابى عزيزى القارئ وقبل أن تدلى بصوتك فى انتخابات الإعادة علينا أن نتذكر بعض الحقائق:
أولاً: إن المادة 28 تمنح اللجنة العليا للانتخابات الحصانة، فتحرم المواطن من حقه فى التقاضى والاعتراض على قراراتها. هذه المادة من تراث الاستبداد، كما وصفتها محكمة القضاء الإدارى، كما أنها مخالفة للمنطق والقانون، بل هى مخالفة للإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى الذى يمنع تحصين القرارات الادارية ضد الطعن مهما تكن الأسباب.. يقول ترزية القوانين الذين يعملون فى خدمة المجلس العسكرى إن المادة 28 تم الاستفتاء عليها ولا يجوز إلغاؤها إلا باستفتاء، وهذا القول مردود عليه بأن المصريين قد صوتوا فى الاستفتاء الشهير على 9 تعديلات فى دستور 1971، ثم قام المجلس العسكرى بإهدار نتيجة الاستفتاء وأصدر إعلانا دستوريا من 63 مادة فرضه على المصريين بغير أن يستشيرهم. كما أنه مد حالة الطوارئ دون عمل استفتاء عليها كما جاء فى التعديلات الدستورية. المجلس العسكرى يستعد الآن لإصدار إعلان دستورى مكمل سيفرضه على المصريين. المجلس العسكرى خالف القانون مراراً وتكراراً حتى ينفذ ما يريد، ولو أنه أراد إلغاء المادة 28 لفعل، لكنه يريد الإبقاء على هذه المادة حتى يستطيع فى ظلها أن يدفع بأحمد شفيق إلى رئاسة الجمهورية.
ثانياً: وفقا لما أعلنه المستشار زكريا عبدالعزيز، نائب رئيس محكمة النقض، فقد ارتكبت اللجنة العليا خطأ قانونياً جسيماً عندما سمحت لأحمد شفيق بالترشح للرئاسة. لقد كان واجبها أن تطبق على «شفيق» قانون العزل الذى أقره البرلمان، لكنها امتنعت بغير وجه حق عن تنفيذ قانون العزل وأحالته إلى المحكمة الدستورية لتبت فيه، وسمحت فى الوقت نفسه لـ«شفيق» بالترشح.. وهنا نكتشف أن الأخطاء القانونية تحيط باللجنة العليا من كل جانب.. لأنها بالرغم من تشكيلها من قضاة فإنها لجنة إدارية ليس من حقها إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية إطلاقا.. وإذا افترضنا – جدلا – أن اللجنة العليا للانتخابات لجنة قضائية فقد ارتكبت خطأ قانونيا جسيماً آخر: فقد كان من واجبها أن توقف الانتخابات حتى تبت المحكمة الدستورية فى قانون العزل. لكنها سمحت لـ«شفيق» بالاستمرار فى الترشح للرئاسة، بينما وضعه القانونى مهدد بقرار من المحكمة الدستورية.. هذا الخطأ جعل منصب رئيس الجمهورية فى مهب الريح.. فلو فاز شفيق بالرئاسة وأقرت المحكمة الدستورية قانون العزل سيتحتم عندئذ خلع شفيق من منصبه وإعادة الانتخابات. ولو خسر شفيق فى الإعادة وفاز محمد مرسى ثم تم إقرار قانون العزل فسوف يتحتم أيضا عزل مرسى من منصب الرئيس وإعادة الانتخابات، لأن الأصوات التى حصل عليها شفيق أثناء ترشحه غير القانونى كان من الممكن أن تذهب لمنافسيه مما يحتم إعادة انتخابات الرئاسة. من هنا يطالب المستشار زكريا عبدالعزيز بإلغاء الانتخابات برمتها لأن نتيجتها ستكون غير شرعية ولا دستورية فى كل الأحوال.
ثالثاً: لأول مرة فى تاريخ مصر يترشح مواطن لمنصب رئيس الجمهورية، بينما تلاحقه بلاغات فساد بلغ عددها 35 بلاغاً لم يحقق فيها أحد وظلت تتأرجح بين مكتب النائب العام والقضاء العسكرى لمدة عام ونصف العام، وفى النهاية تم تجاهلها حماية لـ«شفيق» وإصراراً من المجلس العسكرى على الدفع به للرئاسة. إن اتهاما واحدا بالفساد فى الدول الديمقراطية كفيل بالإطاحة برئيس الجمهورية، أما فى مصر فإن 35 اتهاما بالفساد تم دفنها تحقيقاً لرغبة المجلس العسكرى فى تنصيب أحمد شفيق رئيسا لمصر.. السؤال الآن: ماذا يحدث لو فاز شفيق بالرئاسة ثم تمت ادانته فى قضايا الفساد وحكم عليه بالسجن؟ هل سيمارس مهامه كرئيس للجمهورية من محبسه أم سننتظر حتى تنتهى فترة ولايته كرئيس ليخرج من القصر الجمهورى إلى السجن مباشرة؟! هذه المهزلة وحدها كفيلة بنزع الشرعية عن أى انتخابات فى أى دولة.
رابعاًَ: الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة شابتها مخالفات جسيمة ووقائع تزوير فاحش. أرجو هنا ألا نعول كثيرا على المراقبين الدوليين لأن كثيرين منهم يعملون وفقا لمصالح الدول الكبرى. قبل الانتخابات بأيام دعانى الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر إلى لقائه مع مجموعة من المثقفين هم: الأستاذ الدكتور جلال أمين والأستاذة راجية عمران والدكتور خالد فهمى.. تحاورنا معه حول نشاط المنظمة التى يرأسها فى مراقبة الانتخابات، خلال هذا اللقاء ترسخ عندى انطباع بأن السيد «كارتر» قد جاء إلى مصر لا ليراقب الانتخابات وإنما لكى يشهد بنزاهتها. أذكر أننى قلت له إن بعض مرشحى الرئاسة يشترون أصوات الفقراء بالمال والزيت والسكر وإن وقائع شراء الأصوات بهذه الطريقة موثقة فى تسجيلات فيديو موجودة على الإنترنت.. هنا ابتسم السيد «كارتر» وقال:
– أنا أعتبر هذه طريقة لمساعدة الفقراء، وهى تحدث فى بلاد كثيرة.
بعد هذا الكلام أنا لا أعتبر شهادة كارتر على الانتخابات المصرية ملزمة لى ولا أعتد بها أبدا.. إن الانتخابات الرئاسية شابتها وقائع تزوير عديدة كلها مسجلة وموثقة بدءا من تصويت المتوفين إلى تصويت العسكريين لصالح شفيق بالمخالفة للقانون الذى يمنعهم من التصويت، إلى ترك صناديق الانتخابات ليلة كاملة وحدها، ومنع مندوبى المرشحين من حراستها، إلى ترك صناديق الانتخابات التى تحمل أصوات المصريين فى الخارج لمدة أسبوع كامل فى القنصليات دون رقابة ولا حراسة. أستدعى هنا شهادة المستشار وليد شرابى «عضو جمعية قضاة من أجل مصر» الذى أكد أن أعداد الناخبين قد تم التلاعب فيها بشكل فاضح من أجل تسهيل التزوير.. فقد تمت زيادة عدد الناخبين المصريين منذ الاستفتاء فى مارس 2011 وحتى الانتخابات الرئاسية بواقع 5 ملايين و874 ألفاً و525 ناخبا، تمت إضافتهم خلال 14 شهراً فقط.. الأمر الذى لا يمكن تفسيره بطريقة طبيعية، حيث إن المواطنين الذين بلغوا سن الانتخاب «18 عاما» هذا العام عددهم أقل من مليون مواطن، مما يؤكد أن الإضافة لهذا العدد الكبير من الناخبين جاءت فى سياق تزوير متعمد للانتخابات، الأمر الذى جعل المستشار وليد شرابى يدعو المصريين إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، لأنها باطلة ومزورة، ويطالب بإلغائها بالكامل وإعادتها بعد تغيير أعضاء اللجنة العليا للانتخابات.
إن أكبر خطأ يقع فيه المصريون أن يعتبروا جولة الإعادة انتخابات حقيقية بين مرشح «الإخوان» محمد مرسى ومرشح «العسكرى» أحمد شفيق. إن الإعادة إذا جرت فى ظل هذا العوار فسوف تدفع بـ«شفيق» إلى الرئاسة حتماً وبلا أى احتمال آخر. لو ارتفع الإخوان المسلمون إلى مستوى المسؤولية الوطنية لكان لزاماً عليهم أن يطالبوا هم أنفسهم بإلغاء الانتخابات وإعادتها بعد عزل شفيق ومحاكمته. لكن للأسف فإن الإخوان يكررون أخطاءهم بحذافيرها، وما إن تلوح أمامهم فرصة لتولى السلطة حتى تعميهم عن أى اعتبار آخر مهما تكن أهميته.
إن انتخابات الإعادة غير شرعية وسوف يتم تزويرها، كما تم تزوير الجولة الأولى، من أجل تولى شفيق الرئاسة.. وإذا اعترض المصريون على التزوير بعد أن يتولى شفيق الرئاسة فسوف يتم قمعهم بشدة. هكذا أكد المجلس العسكرى فى صفحته الخاصة على «فيس بوك» عندما كتب: «من يعترض على نتيجة الإعادة سوف نقطع يده، لأنه يريد أن يفسد عرس الديمقراطية».. هذا التهديد ذاته كرره أحمد شفيق فى لقاء مع أعضاء غرفة التجارة الأمريكية نقلت وقائعه جريدة «نيويورك تايمز» فى عدد 27 مايو .. قال شفيق بالحرف:
« إذا توليت الرئاسة سأستعيد الأمن فى شهر واحد وسأستعمل القوة الوحشية والإعدامات».. لعلها المرة الأولى فى التاريخ التى يهدد فيها مرشح للرئاسة مواطنيه بإعدامهم ثم يطلب منهم انتخابه فى الوقت نفسه.
عزيزى القارئ.. إذا ذهبت لتدلى بصوتك فى الإعادة فأنت تمنح شفيق رئاسة مصر، لا شرعية لانتخابات الإعادة إلا بعد تطبيق قانون العزل على شفيق ومحاكمته على قضايا الفساد والتحقيق فى وقائع التزوير وإلغاء المادة 28، ثم إعادة الانتخابات.
إذا لم تتحقق هذه المطالب المشروعة فلن أشترك فى مسرحية الإعادة. سأذهب يوم الانتخابات وأبطل صوتى، وإذا أبطل عدد كبير من الناخبين أصواتهم ستكون تلك رسالة قوية لتأكيد عدم شرعية الانتخابات.. أى شرعية لرئيس جاء إلى منصبه عبر كل هذه المخالفات الجسيمة، وأى شرعية لرئيس سيكون عدد الأصوات الباطلة أكثر من أصوات مؤيديه؟!.. الثورة مستمرة حتى نضغط على المجلس العسكرى من أجل إجراء انتخابات عادلة سليمة تستحقها مصر بعد الثورة.
الديمقراطية هى الحل.
قبل أن تدلى بصوتك فى الإعادة
مع احترامى للاستاذ علاء الاسوانى . وكلامه صحيح . بس فى حاجه عايز اوضحها , لو قاطعنا الانتخابات سينجح شفيق 100% والمره دى الشرعيه معاه (شرعيه الصندوق ) والشعب اللى اختاره ، ومين اصلا اللى قالك ان قانون العزل سيطبق بعد كده . الفرصه الوحيد لاستكمال ثورتنا هى نجاح محمد المرسى صدقنى حتى لو اختلفنا مع الاخوان فهم مننا