(الصورة: عدد قديم من “الدومري” المحظورة عن قانون مطبوعات “جديد”.. في حينه!)
*
أية حرية أعطاها قانون الإعلام الجديد في سوريا للصحافة والرأي والتعبير؟
سؤال أساسي وبديهي خاصة أن ما نفقده ونطالب به في سوريا هو الحرية. هل حقا كما يشاع أن مشروع القانون منع حبس الصحفي؟ أم هو تلاعب على الألفاظ والمواد القانونية لذر الرماد في العيون!
هل أعطى استقلالية لوسائل الإعلام حقا؟
في قراءة أولية لمشروع القانون المعروض على مجلس الوزراء نلاحظ ما يلي:
أولا: شكلت المادة / 64 / المجلس الوطني للإعلام من تسعة أعضاء ثلاثة يعينهم رئيس الجمهورية، وثلاثة يعينهم مجلس الوزراء المعين أساسا من قبل رئيس الجمهورية، وثلاثة يعينهم مجلس الشعب الذي ما يزال حتى بعد قانون الانتخابات الجديد يعيَّن معظمه من قبل رئيس الجمهورية. ولا ندري حقيقة ما الذي يميز المجموعات الثلاث، وما التفسير المنطقي لإنشاء هذا المجلس سوى التلاعب على الألفاظ والتنويعات لإعطاء وَهَم أن هناك جهات مختلفة تسمي أعضاء المجلس، في محاولة لمنحه مسحة مصداقية أو استقلالية وهمية. والحقيقة أن جهة واحدة تعين معظم أعضاء المجلس، إن لم نقل كلهم، وهي رئيس الجمهورية.
كما لم يحدد مشروع القانون ما هي مواصفات أو مؤهلات أعضاء المجلس، بما لا يترك مجالا للشك ولو للحظة أن يكون المجلس مستقلا أو مؤهلا للترخيص لوسائل الإعلام وإعطائها حريتها الموعودة. وبالتالي لا يوجد أي مبرر لإحداثه، طالما أنه يمثل قرار الرئيس أو وزير الإعلام، اللهم إيجاد طريقة لتنفيع بعض الأشخاص المقربين ونفقات إضافية على الدولة ووسيلة لتغطية الوجود الأمني المباشر والقانوني في المؤسسة الإعلامية.
ثانيا: حددت المادة /3/ في الفقرة /11/ مبادئ العمل الإعلامي بالالتزام بالمبادئ القومية! أي قومية..؟ .. العربية؟ والنهوض باللغة العربية! مما يؤدي لمنع التداول بالثقافات واللغات القومية الأخرى في سوريا ومنعها من التواجد الإعلامي.
ثالثا: حظرت المادة 17 في فقرتها /4/ نشر أية مقالات أو أخبار أو معلومات عن الجيش والقوات المسلحة أو قوى الأمن الداخلي، باستثناء ما يُسمح بنشره. وحظرت بالفقرة /5/ نشر ما يمس رموز الدولة، دون تحديد ما هي هذه الرموز، أو ما هي الأمور التي تُعتبر مساسا برموز الدولة. وحظرت الفقرة /10/ نشر صورة أي شخص مقيد أو معتقل من قبل السلطات!!
كل هذه الفقرات جاءت لإسباغ الحماية على الممارسات الخاطئة، والتغطية عل سوء استخدام السلطة وانتهاكات حقوق الإنسان التي قد يرتكبها المسؤولين في الدولة والجيش والأمن من النشر والتشهير الإعلامي بعد أن أعطتهم القوانين الأخرى الحماية من المساءلة القضائية والمحاكمة أما القضاء عن مثل هذه الجرائم.
وجاءت الفقرة /6/ لمنع نشر كل المذكرات والمستندات والتسجيلات العائدة لأي من الجهات العامة والمصنفة سرية في محاولة لحماية رموز وصفقات الفساد والنهب والهدر للمال العام من الكشف والفضح أمام الرأي العام.
رابعا: ولعل الأخطر في القانون هو المادة / 92/. فقد روجت السلطات أن مشروع القانون قد منع حبس الصحفي في قضايا النشر. وهذا غير صحيح بتاتا، لأنه وإن كان مشروع القانون لم ينص في مواده على عقوبة الحبس ولكنه حوّل الجرائم المرتكبة بواسطة وسائل الإعلام مع اختلاف أنواعها، والتي لم تذكر بهذا القانون، إلى قانون العقوبات العام والقوانين النافذة. وحيث أن قانون العقوبات العام يعاقِب أساسا بالسجن على جرم ذم وقدح رئيس الجمهورية، وذم وقدح الإدارات والمؤسسات العامة المرتكبة بالنشر ووسائل الإعلام، كما يعاقب بالسجن على نشر الأنباء الكاذبة التي من شأنها إضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة ونشر التفرقة الطائفية أو المذهبية وإضعاف الثقة بالاقتصاد الوطني ومحاولة تغيير الدستور ومناهضة أهداف الثورة، وغيرها من الجرائم التي تصل عقوبتها في بعض الأحيان للسجن أكثر من عشر سنوات، وبوجود المادة /92/، فإن للنيابة العامة الخيار أن تحرك دعوى الحق العام على الصحفي إما على قانون الإعلام فتنقذه من السجن أو على قانون العقوبات العام فتصل مدة حكمه بالسجن لسنوات. إن وجود هذه المادة لا معنى له سوى إبقاء السيف مسلطا بالسجن على رقاب الصحفيين تحت مسميات قانونية مختلفة. فطالما أن قانون الإعلام حدد كل المخالفات التي قد ترتكبها الوسيلة الإعلامية وحدد مبالغ الغرامة المقابلة لكل مخالفة فلا مبرر لوجود المادة /92/.
هذا إذا تجاوزنا المبالغ الكبيرة المفروضة كغرامات على المخالفات والتي تصل في بعض الأحيان إلى مليوني ليرة عدا عن التعويض.
إن كل ذلك يؤكد أن مشروع القانون ما هو إلا محاولة لتجميل وجه القمع وكم الأفواه البشع. وإنه قد صيغ بنفس العقلية التي لا تؤمن بترك أي تفصيل أو مفصل خارج السيطرة. وأن كل محاولات التمويه بادعاء الإصلاح ساقطة وغير جدية. وأن الأساس هو تعديل الدستور بما يؤدي إلى انتخاب هيئة تشريعية تمثل الشعب بشكل حقيقي وهي من ستقوم بإنتاج منظومة قانونية جديدة لإعادة تأسيس المجتمع على أسس الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
المحامي أنور البني
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية
Facebook/المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية