يمر سنة بعد أخرى، يومك يا حواء، قلائل يتذكرون أن لك يوم، والكثيرون ينسون، منهم يغفلون، وأخرون لا يتذكرون، تغرق بحار النسيان ذواكرهم الصغيرة، الكل منهمك في حياته، والحياة تقسى عليهم يوماً بعد يوم. أيتها الحواء، يتذكرك دائماً كل الآباء والأبناء، ويبقى للعشاق في ذكراك قصائد وأشعار كثيرة، فيهدونك أجمل ما خطت أيديهم من كلمات الحب وعبارات العشق، إنهم يتلون في محرابك صلوات الهيام والغرام.
في يومك يا حواء، أكتب إلى النساء اللائي خرجن في الثامن من آذار سنة 1908 للتظاهر في شوارع مدينة نيويورك، وهن يحملن قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود.
في يومك يا حواء، أكتب لأمي، تلك الأصيلة كالكحيلة، الرقيقة كفراشة، والطيبة مثل غصن الزيزفون، إليك أمي أكتب دائماً، وإلى أخواتي، عن قلبك المليء بالدفء والحنان، وأهديك في يومك، كل طاعتي وامتناني، وأدعو القادر أن يعمرك بقربي دائماً، كدالية عنب أتظلل بفيئها، تنير دربي بطيب كلامها وعبير دعائها.
في يومك يا حواء، أكتب لحبيبتي، تلك التي انتظرها دائماً، اكتب رسائلي لها برحيق الجوري، وعبير النسرين، تلك الأنثى التي تبتسم الشمس لضيائها، ويركع القمر عندما يرمقها، تلك الأنثى التي كتب لها الحجل كل القصائد، وغنى لها الدوري كل الأشعار، إنها أجمل قصائد الشوق التي نقشت بماء الحياة ورسمت بألوان الكلام.
في يومك يا حواء، اكتب إلى أميرة المعتقلات، أسيرة الكلمات والآراء، الطبيبة فداء الحوراني، التي داوت الناس في عيائها، إلى التي تنتظر مضي أشهر عدة، لتكسر قضبان صدئة، وتغرد مرة أخرى خارج أقفاص الخوف، إلى اليمامة التي تحمل بين إصبعيها غصن زيتون، لتعطيها لسجانيها، وتقول نحن نحمل رسالة حب وسلام.
في يومك يا حواء، اكتب إلى ندا أغا سلطان، شهيدة الانتفاضة الخضراء، اكتب لها رسالة من شوارع طهران التي امتلأت بألوان الصنوبر ورائحة الصندل، إلى ندا التي ذرفت دماً، على إسفلت أسود، وهي تحمل في يدها وردة، وتصرخ بأعلى صوتها، أين صوتي؟ أين صوتي؟ سأكتب إلى ندا التي قتلت وهي تطالب بالحرية والديمقراطية لوطنها الأسير.
في يومك يا حواء، اكتب إلى ليلى قاسم، تلك الكردية الأصيلة التي اغتصب الأوغاد روحها وجسدها، اكتب إليك يا ليلى وأنت في محرابك هناك، في بغداد، انظري لقد اعدموا من سفك دماء أخواتك وإخوانك في العراق، إلى ليلى اقرأ قصيدة عن الحب والفداء وعشق الوطن.
في يومك يا حواء، أكتب إلى النساء اللائي ضحين بنفيس حياتهن من أجل قضايا عادلة، أكتب إلى ليلى زانا، وشيلان كوباني، والشهيدة روزا، إلى الشاعرة القديرة ديا جوان، إلى كل رفاق الدرب الطويل، إليكن أكتب يا من منحتن للحياة أسماءكن وأعماركن فداء الحرية والكرامة الإنسانية.
في يومك يا حواء، أكتب إليك أيتها المليكة فيروز، إلى صوتك وكلماتك وأغانيك التي دخلت القلوب بدون استئذان، اكتب إليك يا من تغنيت بالحب والصباح وحكايا الطفولة، اكتب إلى كل أحبائك هناك.
في يومك يا حواء، اكتب إلى سوريات قدمن وما زلن يقدمن أجمل أيام أعمارهن في سبيل أن ينعم الوطن بالحب والكرامة، بالمساواة والإنسانية، إلى رغدة الحسن، وطل الملوحي، وسهير الأتاسي، ورزان زيتونة، والكثيرات، إلى كل من لهن الحياة رسالة يكتبونها بأثمن الأحبار، ويرسلونها بدون طوابع إلى كل مكان، يقولون فيها، سنستمر حتى تشرق الشمس دائماً، وتنقشع كل الظلمات.
في يومك يا حواء، سأكتب إلى كل النساء اللائي يحاربن بالقلم والسلاح، يكتبن عن الحب والأحلام والسجون، سأكتب للنساء اللائي يغنين لأطفالهن في المهاد، إلى الأمهات اللائي يمنحن كل العطاء والحنان ليكبر أبنائهن، سأكتب إلى الأمهات اللائي فقدن فلذات أكبادهن هناك، سنزرع معهن وردة تحمل بين بتلاتها عبق الحب وعبير الاشتياق، سأكتب إلى كل الحبيبات اللائي ينتظرن قدوم أحبابهن، يذرفن الكثير من العبرات، ويشعلن آلاف الشموع لينرن دروبهم. سأكتب في يومك يا حواء، عن الحب والعشق، والقليل من الآلام والكثير من الأحلام.
akkopress@gmail.com
* سوريا