الصورة أعلاه: الجزء الشرقي من مدينة حلب، 20 يناير 2017، في أعقاب الإستعادة الدموية للأحياء التي كانت بأيدي المجموعات المسلحة من طرف الجيش النظامي السوري. في تقريرها الأخير الصادر يوم 1 مارس 2017، وثقت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية التجاوزات الخطيرة المرتكبة من الطرفين، والإنتهاكات التي قامت بها القوات التابعة لبشار الأسد بوجه خاص.
swissinfo.ch: تُعرب (السلطات الجديدة) في غامبيا عن رغبتها بمحاكمة وزير الداخلية السابق، ما رأيك؟
فيليب غرانت: إذا استطاعت العدالة أن تأخذ مجراها في ظروف جيدة، بالقرب من مسرح الجريمة والضحايا، فهذه هي الصيغة الأفضل. بالنسبة لغامبيا، التي تطوي الصفحة على نظام قمعي للغاية، يُمكن لهذا النوع من المحاكمات أن يُحقِّقَ الكثير لكل ضحية ولإعادة بناء دولة القانون في هذا البلد. ولكن في هذه المرحلة، يبدو أن الأمر هو مجرد رغبة أكثر منه طلباً حقيقياً. وسوف تحتاج السلطات الغامبية الجديدة لوقت طويل لتستطيع تقديم طلب رسمي لسويسرا بتسليمهرابط خارجي.
من ناحية أخرى، وكما سبق وأن أشار المدعي العام الفدراليرابط خارجي، يجب ألّا يتعرض المُتهم لأي خطر بالحكم عليه بالإعدام ويجب حتماً أن تكون محاكمته عادلة. إذا كنا نريد أن نعطي القيمة التربوية لهذه المحكمة، يجب أن تُحترم المعايير الدولية مع المتهمين كما مع الضحايا وأن تظهر الحقيقة.
وطالما أن غامبيا لم تتقدم بطلب لتسليمه، تتمتع سويسرا بالكفاءة وعليها أن تمضي قُدماً في هذه القضية.
swissinfo.ch: هل يُمكن تعميم مبدإ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح لسويسرا بالعمل في هذه الحالة؟
فيليب غرانت: هذا المبدأ رابط خارجيهو ثمرة اتفاقيات مختلفة، كاتفاقية مناهضة التعذيب. فالمادة 6 منها تلزم الدول الموقعة بالتحقيق والإعتقال وإذا لزم الأمر بملاحقة شخص متهم بالتعذيب إن كان متواجدا فوق أراضيها. وهذا ما فعلته سويسرا في حالة غامبيا.
وعادة، تُطَبَّق الولاية القضائية العالمية من قبل جميع الدول التي صادقت على هذه الإتفاقيات المتعلقة بالجرائم الدولية (بما في ذلك اتفاقيات جنيف)، أي جميع الدول. ولكن يجب على الدول المعنية نقل هذه الإتفاقيات إلى نظمها القانونية المحلية وتحديد الشروط التي يمكن أن يُمارس فيها هذا المبدأ العالمي. وهنا تكمُن المشكلة، على الرغم من أن مائة دولة قامت بفعل ذلك، على الأقل على الورق.
في أوروبا، يتم تطبيق هذا المبدإ من قبل عدد كبير من الدول تقريباً كل أسبوع. كما رأينا أيضاً أنَّ الأرجنتين طبقته في محاكمة بعض الحالات المرتبطة بنظام الدكتاتور الإسباني فرانكو.
في أفريقيا أيضاً، الأمور تسير نحو التغيير، كما اتضح من خلال محاكمة الرئيس التشادي السابق حسين حبري في السنغال. كما شرعت جنوب افريقيا في تطوير الأحكام القضائية المتعلقة بزيمبابويرابط خارجي، التي لا يزال يحكمها روبرت موغابي بيد من حديد. في المقابل، لا زال الأمر أكثر تعقيداً في كلٍ من آسيا والعالم العربي.
swissinfo.ch: في نفس الوقت، أعلنت دولة مثل جنوب أفريقيا عن رغبتها في الإنسحاب من المحكمة الجنائية الدولية..
فيليب غرانت: في جنوب أفريقيا، قضت المحكمة العليا بأن الحكومة لا تملك الحق في الخروج من المحكمة الجنائية الدوليةرابط خارجي كما تشاء. ومن جانبه، أعلن النظام الغامبي الجديد عن إلغاء قرار الحكومة السابقة بالإنسحاب من المحكمة الجنائية الدولية. وفي القارة الإفريقية، لم نشهد تداعيات متتالية (لهذا القرار) حتى الآن، فالبوروندي هي الدولة الوحيدة التي انسحبت حتى الآن.
ولا يزال بناء نظام قانوني دولي يسمح بمكافحة الإفلات من العقاب صعباً في ظل تقدم وتراجع. فقد رأينا كل شيء، من الحصانة التامة إلى إنشاء محاكم رائعة يُنظر إليها على أنها الحل لكل شيء إلى تطبيق الولاية القضائية العالمية، التي ذهبت بعيداً جداً في بعض الحالات بالنسبة للبعض، كما هو الحال في اسبانيا وبلجيكا، قبل الحد من نفوذها.
في الوقت الحالي، يتبنى العاملون في هذه المعركة ضد الإفلات من العقاب، ولا سيما المنظمات غير الحكومية كمنظمتنا، نهجاً قتالياً ولكنه معقول. فلم نعد نعتقد، على سبيل المثال، أنه من الممكن حالياً محاكمة جورج بوش الابن عن الإنتهاكات المرتكبة باسم محاربة الإرهاب. ولكن، ومن خلال التركيز على عدد معين من الملفات، وبالتقدم خطوة خطوة، يمكننا تحديد المبادئ الكبرى والقواعد التي يمكنها أن تطال يوماً شخصية مثل جورج بوش الابن.
من جهة أخرى، قامت البرتغال مؤخراً باعتقال عميلة تابعة لوكالة المخابرات المركزية، كان قد تمَّ الحكم عليها غيابياً في إيطاليا بسبب اختطاف إمام (مصري) في إطار برنامج سري وضعته الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وبالتالي ينبغي تسليمها إلى إيطاليا.
swissinfo.ch: هل تتقدم العدالة الدولية بشكل حتمي، مع هذه الصيغ المختلفة، وعلى الرغم من المُقاومة؟
فيليب غرانت: بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، بوروندي هي الدولة الوحيدة التي انسحبت منها. وبذلك فنحن بعيدون عن النزيف. ولكن هناك انسحابات أخرى مُحتَمَلَة مثل الفليبين التي يحكمها الرئيس المضطرب عقلياً ـ رودريغو دي تيرتي ـ الذي يُمكن استهدافه من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
أما بالنسبة للعودة بقوة إلى تفعيل الولاية القضائية العالمية في عدد من الدول، فتعود على الأرجح إلى الإحباط الذي أصاب العديد من القضاة الذين يلاحظون أنه بسبب تعطيل روسيا والصين لمجلس الأمن في هيئة الأمم المتحدة، لن تتمكن المحكمة الجنائية الدولية مطلقاً من محاكمة الفظائع التي تُرتَكَب في سوريا.
فقد قررت مجموعة من الدول الأوروبية، وخصوصا تلك التي استضافت لاجئين من هذا البلد، أن تنشط في هذه المسألة. بحسب ما صرح لنا عدد من المُدّعين الأوروبيين، فعملهم يأتي تلبية لحاجة حقيقية لتحقيق العدالة الأساسية.
ومع ذلك، لا يزال هناك نقص في التنسيق الفعلي بين مختلف الدعاوى المتعلقة بسوريا: ويجب على المُدّعين المعنيين تبادل معلوماتهم بشكل أكبر، وبذلك يمكن للعديد من المبادرات التي أُطلقت لتوثيق الجرائم المُرتكبة في سورية أن تُستغل بشكل أفضل.
وللحيلولة دون تعطيل مجلس الأمن، وكَرَدَّةِ فعل منها، قامت الجمعية العمومية للأمم المتحدة، هي الأخرى، بتبني قرار في شهر ديسمبر الماضي لإنشاء آلية لمساعدة التحقيقات حول أخطر الجرائم المرتكبة في سوريا. ومن المنتظر أن ترى النور في غضون عدة أسابيع في جنيف، تحت رعاية المفوضية السامية لحقوق الانسان.
وكلما ظهرت عقبة، تتقدم المبادرات للتصدي لها. وفي نهاية المطاف، سيزداد عدد الضحايا الذين سيُمسكون بجلاديهم شيئاً فشيئاً.