كعادتنا حين يطل أول أربعاء من الشهر نتوجه إلى كافامينوس فنستمع أو نلقي الشعر ونطرب مع الشعار خصوصاً في ترداد أغاني الشيخ العائدة بقوة مؤخراً رغم رحيله.
هذه المرة كنا نترقب البيان رقم 2 من د. سامر أحد قادة “شماليون ضد الطائفية”، خصوصاً أن الشهر الفاصل بين سهرتين كان مليئاً بالأحداث، داخلياً حيث برزت بعض الأحداث الأمنية والسياسية والإجتماعية، وخارجياً حيث امتدت الثورات العربية(أو بتعبير أدق الإنتفاضات التي تتحول إلى ثورات)إلى الجارة الشقيقة التي يقبض عليها، ظاهرياً على الأقل، حزب “علمناوي” ذلك أنه منذ قدومه ازدادت حدة الخلافات المذهبية والإتنية خصوصا بتنصيب نفسه حاميا للأقليات (أو قاهر الأكثريات)، ربما لهذا ركز المنتفضون على شعارات الوحدة الوطنية، “لا إخوان ولا سلفية وحدة وحدة وطنية” “اسلام ومسيحية، دروز، أكراد وعلوية” في الوقت الذي هدد فيه “أصحاب النظام” بتوسيع هوة التشققات الأهلية بالترافق مع القمع العنيف الذي يشبه قمع بقية الأنظمة المنتفضة شعوبها، ويفيض عنه هولا وعنفا وقساوة.
في لبنان أيضاً كان الشهر مليئاً بنشاطات وتحركات كبيرة بينها عودة جماهير 14 آذار لملء ساحة الحرية بشعارات تشبه الإنطلاقة في 2005 وإن بمزيد من الإلتباسات الطائفية والمذهبية بعد سنوات من الأحداث والغضب والغليان، خصوصاً مع تفاقم الخلاف الإيراني العربي، الخليجي والسعودي تحديداً وتداعياته في البحرين ولبنان وغيرهما.
كما شهد شهرا آذار ونيسان تكثيفاً ملحوظاً لحركة شباب لا طائفي، وصل ذروته في مظاهرة انطلقت من الأشرفية وضمت حوالي عشرين ألفاً، إلا أنها كانت على ما يبدو بداية مشاكل هذه الحركة التي بدا ممسكا ببعض مفاصلها قوى معينة، بعضها من قوى 8 آذار وبعضها من احزاب الشيوعي والقومي والشعب، وقد شكل الخصام مع حركة14 آذار القاسم المشترك لهذه القوى مما وضع أمام المستقلين الفعليين، والشباب الفيسبوكي خصوصا، عراقيل جدية، لم ينفع معها قرار الذهاب إلى المناطق لتجديد الزخم، إذ أن التلبية كانت ضعيفة نسبياً، سواء في عمشيت وجبيل، سواء في صيدا التي جرى استدراج شبابها إلى مواجهة عبثية مع السفيرة الأميركية. طرابلسياً شكلت التظاهرة مشكلة مزدوجة، فمن جهة كانت ضعيفة بالنسبة لقوة وأصالة ومساحة العمل الديمقراطي في المدينة العريقة ومن جهة ثانية بدا وكأنها ترافقت مع اتفاق ضمني مع قوى إسلامية هامشية والتي وضعت ملصقات ويافطات ضد الطائفية السياسية والعلمانية معاً، فوقع المنظمون في فخ هذه القوى، ذلك أن هذا الشعار يزيد منسوب القلق عند المسيحيين كما العلمنة تزيد منسوب القلق عند المسلمين، وإذا أضفنا إلى هذه الشعارات مسألة الخلط في موضوع المقاومة والسلاح نرى أن إستقلالية الحركة تعرضت لإمتحان قاس، ويبدو أنها تاثرت سلباً ما يفسر، جزئياً على الأقل، حجم التراجع الكبير في المشاركة، النوعية منها خصوصا، لهذا تطرح تساؤلات جديه حول قدرتها على الإستمرار الفعلي. وربما على الفئات المبادرة والمنظمة البدء بإستخلاص العبر، خصوصا أنها بدت متجهة للمراجعة بعد التراجعات والتشققات والإلتباسات التي طالتها، لذا نطرح الملاحظات والإستنتاجات التالية.
أولاً: لقد أوجدت حركة شباب لا طائفي حراكا سياسياً حول قضية النظام السياسي الطائفي في لبنان، أدى فيما أدى لتجديد نقاش وإن بدا سطحيا في بنى النظام اللبناني، والتأكيد على أنه مولد أو مساعد في توليد الأزمات، فضلاً عن أعطابه لجهة سهولة استدراج فئاته لصب الماء في طاحونة الصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية، خصوصاً أن لبنان يقع بين عدو مغتصب وعنصري وشقيق لا يتورع نظامه القمعي عن فعل أي شيء دفاعاً عن مصالح فئاته، فضلاً عن عدم إيمانه أصلاً بإستقلال الكيان اللبناني.
ثانياً: إيجاد مساحة حوارية مشتركة بين مكونات متنوعة، خصوصا عن طريق شبكات التواصل الإجتماعي محولين إياها من شبكات تسلية إلى أدوات تواصل وحوار، فضلاً عن وسائل اتصال لتنسيق النشاطات المختلفة.
ثالثاً: الزج بالشباب اللبناني بنشاطات مدنية متنوعة أهمها المسيرات والإعتصامات والندوات.
رابعاً: إعادة الإعتبار لبعض المواضيع، منها ما يرتبط بالنظام السياسي، خصوصاً في قضية التمثيل ومنها ما يرتبط بالأحوال الشخصية كالزواج المدني وغيره من القضايا المدنية الأخرى، فضلا عن الشعارات ذات المنابت اليسارية العائدة إلى ما قبل الحرب الأهلية، وتزداد أهمية ذلك بمناسبة ذكرى انفجار العنف الأهلي المسلح في 13 نيسان.
ومع ذلك لا بد من تسجيل الملاحظات والإستنتاجات السلبية التالية:
أولاً: تركيزها على الجانب السياسي من النظام الطائفي، خصوصاً مسألة الغاء الطائفية السياسية أكثر من تركيزها على الجانب البنيوي والقضية الطائفية ككل وارتباطها بالبنى المجتمعية المتداخلة عضويا في النسيج التكويني اللبناني.
ثانياً: استطراداً، تغييب أزمة الكيان والخطر المحدق عليه ككيان متنوع وبالتالي التغاضي عن الخطر الرئيسي الذي يتعرض له الوطن، خصوصاً في مرحلة التغيرات الكبرى. فالحرية والحداثة والديمقراطية التي يتمتع بها اللبنانيون، خصوصا بعد انتفاضة 14آذار وخروج الوصاية المباشرة، شكلت مع كل التباساتها، أهدافا للشعوب العربية التي خرجت الى الشوارع وكسرت حاجز الخوف من أجلها، ويحاول البعض إحتواء هذه المكاسب، مع اشتداد حدة الإصطفافات وإصرار حزب الله وحلفائه على ربط البلد بمحور اقليمي غير عربي ما يؤثر أيضاً على المصالح المباشرة للبنانيين في أماكن مختلفة.
ثالثاً: نفاذ بعض الجهات إلى قلب الحركة وعقلها، منها الحزبي المذهبي ومنها الحزبي العلماني ولكن الغير الديمقراطي، ما جعل الحركة تبتعد عن شعارات السيادة والحرية والعدالة الضرورية لأي نظام قبل أن ننظر إلى مكوناته وربما لهذا سهل استدراجها.
تجدر الإشارة إلى أن الحركة المستقلة من أجل نظام غير طائفي ليست وليدة السنة، حيث يظن البعض أنه قد يؤدي إلى حراك سياسي شبيه بما يحصل في غير كيان عربي. فلبنان لطالما شهد حركات كبيرة من أجل نظام علماني ديمقراطي، ذلك أن هناك قناعات واسعة ليست عند أصحاب السوابق اليسارية فقط، بل في صفوف فئات واسعة ممن انتفضوا في 14 آذار 2005 وأعطوا أملاً للبنانيين ولجميع العرب، بأنه لا آفاق للبنان إلا في رحاب نظام علماني ديمقراطي، علماً أن لبنان، ورغم تكويناته كمجموعة طوائف تحكم أحوالها الشخصية قوانين خاصة، فإن قوانينه الأخرى هي مدنية ومع ذلك فالأداء السياسي يقوم على المحاصصة والزبائنية والإلتفاف على الدستور والقوانين.
ومع أنه من الواضح أن الأمل معقود على إيجاد الأرضية المناسبة لإلغاء الطائفية وبناء مواطنة فعلية، إلا أنه من المفيد التذكير بأن لبنان لطالما امتاز بنسبة معقولة من الحرية والحداثة ولعب دور الجسر بين حضارتين كبيرتين بسبب تاريخه الخاص المستند على تنوع طائفي أساساً، حتى أن موقعه وطبيعته ساعدته على أن يكون ملاذاً لمجموعات كثيرة، وهذا ما يجب أن ينتبه له شباب لا طائفي لأن في هذه الميزات جاذب للشباب العربي.
أن هذه الميزات مستهدفة من فئات وأنظمة شمولية عربية وغير عربية، كما من العدو الصهيوني الساعي لتكريس يهودية الدولية الإسرائيلية المدعوم من بلاد العم السام التي للمفارقة تحتضن تنوعاً ديمقراطياً أوصل أسوداً من اصول مسلمة الى البيت الأبيض.
طبعا لا نضمر القول أن حركة الشباب عبثية ولكن نرى أن أمامها احتمالان.
أولا: أن تستطيع القوى المخترقة، الطائفية أو “العلمانوية”، أن تضع جدول أعمالها عملياً عن طريق استدراجها شعاراتيا ما يعرضها للتبدد وربما الإندثار، ومع أن الشباب هم الرديف الرئيسي للتغيير أعتقد أن عليهم التبصر ملياً بما يجمعهم مع بقية الشباب العرب، وما يفرقهم، فما يحصل خارج لبنان سيكون له تأثير كبير على البلد، خصوصا ما يحصل في الشقيقة سوريا حيث يتعرض الشباب المنتفض لقمع وحشي مستحضر من عصر همجي مضى، ما يطرح على شباب لا طائفي سؤالا، أخلاقيا على الأقل، حول موقفهم من القمع السوري العاري والمؤيد من حلفاء النظام الذين وللمناسبة تتقاطع مواقفهم وقلقهم على النظام السوري مع قلق معظم “الكبار” في الشرق والغرب بسبب من تداعيات انهياره في كل اتجاه حيث تحضر ملائكته المتحالفة مع الشيطان، كما تتوافق مع قلق معظم القادة الإسرائيلين الذين يرون في النظام السوري الضعيف ضمانة لهدوء جبهة الجولان من بين ضمانات كثيرة. ولا تخفيف لقلق هؤلاء جميعا لأنه يمكن إرجاع عقارب ساعة يد او ساعة حائط إلى الوراء ولكن لايمكن إرجاع عقارب الزمن، خصوصا زمننا العربي الجيد وإن المصحوب بآلام مخاض فظيعة.
ثانيا: أن تبقى حركة مستقلة وهذا يطرح عليها أسئلة تتعلق بموقفها من القضايا التي طرحناها والمتعلقة أساساً بمسألة الدولة والكيان والقدرة على تعزيز الدستور والنظام والقانون قبل البحث بتغييره، وهذا يجعلها تتلمس مساحات مشتركة واسعة مع حركة 14آذار مما يعزز القوى المستقلة والغير طائفية ضمن هذه الحركة والتي يجمع مكوناتها الثوابت الأساسية في الكيان. وفي تعزيز المستقلين ضمن الحركة الإستقلالية، يمكن طرح قضايا كثيرة خارج الثوابت وتتعلق بالتقدم باتجاه المواطنة الفعلية، كما يمكن مقاربة قضايا التضامن الفعلي مع الشعوب المنتفضة والمقموعة بعنف عار، دون مراعاة مبالغ فيها للحساسيات التي تصل لحدود الإبتزاز و التهويل والتهديد من قوى حولت المقاومة والممانعة إلى تعاويذ باتت تمجد القتل والإرهاب على طريقة”Apocalypse now” .
khawaja_talal@hotmail.com
طرابلس- لبنان