ممثّل منظمة التحرير الفلسطينية، السيّد عبّاس زكي، الذي ألقى اليوم كلمة التاريخية في الذكرى الـ43 لانطلاقة الثورة الفلسطينية، تحت عنوان “إعلان فلسطين في لبنان”، كان حتماً أكثر “لبنانية”، من ممثّلي الأحزاب والشخصيات “اللبنانية” الذين سبقوه بالكلام. أسوأ الخطب، بدون منازع، كان خطاب ممثّل “دولة الرئيس نبيه برّي” الذي استخرج من خزائنه القديمة كلاماً غير قابل للصرف (إلا في سوريا الأسد) من نوع “فماذا أنتم فاعلون وأنتم تملكون في نفطكم وفي أموالكم وفي تاريخ العرب والمسلمين، ما يكفي لطرد المحتل من الأرض، وما يكفي لبناء حضارة الانسان الحقيقية..”!! حتى حسبنا أن “دولة الرئيس” قد تخلّى عن ثروته الطائلة (200 مليون دولار، حسب مصادر متعددة) وتحوّل إلى تشي غيفارا عربي يرفع سلاحه ضد النفط وأصحاب النفط!
“دولة الرئيس” (أو ممثّله) لم يتورّع عن كشف ما وراء “غيفاريته” في إشارته إلى الفلسطينيين: “شعب نشترك وإياه بأنه خط الدفاع الأول عن كل قضايانا..”، وهنا بيت القصيد. وهذا ما يخشاه عبّاس زكي تحديداً: أن يظلّ شعب فلسطين “خط الدفاع الأول” لهذه الـ”قضايانا” التي يبشّر بها دولة رئيس مجلس النوّاب “اللبناني”، والتي كان آخر فصولها مأساة مخيّم نهر البارد.
ماذا قال ممثّل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان؟
عن الماضي
– في “نوع” غير مألوف في الكلام السياسي العربي، قدّم عبّاس زكي “نقداً ذاتياً فلسطينياً” عن حقبة ابتدأت قبل العام 1975 انتهت بتدمير لبنان وتهجير شعبه، وإفقاده إستقلاله: “الإنصاف يقتضي القول أن الوجود الفلسطيني في لبنان، بحجمه البشري والسياسي والعسكري، أثقل كثيراً على هذا البلد الشقيق ورتّب عليه أعباء فوق طاقته واحتماله، وبالتأكيد فوق نصيبه المعلوم من واجب المساهمة في نصرة القضية الفلسطينية.. الأمر الذي أصاب دولته واقتصاده واجتماعه الإنساني وصيغة عيشه إصابات بالغة..”.
“لا نقول هذا تنصلا، ولا من قبيل نسبة ما جرى إلى “المؤامرة”، بل رفقا بالضحيتين، وفتحا لباب المراجعة، ومساعدة لأنفسنا جميعا على تنقية الذاكرة. وأيا ما كان الأمر، فإننا من جانبنا نبادر إلى الاعتذار عن أي ضرر ألحقناه بلبنان العزيز، بوعي أو من غير وعي. وهذا الاعتذار غير مشروط باعتذار مقابل.”
هذا كلام شجاع كان لا بدّ منه بعد مآسي 30 عاماً كلّفت الشعبين الأفضل تعليماً في المنطقة العربية (أو “الضحيّتين”) 200 ألف قتيل على الأقل، ومآس وترحيلاً وهجرات لم تنته فصولها بعد. وكان لا بد من هذا الكلام لأن حياة أجيال عدة من اللبنانيين والفلسطينيين دُمِّرَت في حروب عبثية، ولأن معظم هؤلاء الضحايا أو أهلهم أو أبناءهم ما يزالون على قيد الحياة.
ولا مفرّ من القول بأن هذا “النقد الذاتي” ينطبق ليس على الفلسطينيين وحدهم، بل يشمل لبنانيين كثيرين لم يدركوا أن دعمهم للعمل الفلسطيني المسلّح في لبنان بدون تمييز “أصاب دولته واقتصاده واجتماعه الإنساني وصيغة عيشه إصابات بالغة..”!
وفي إشارة لا تخفى إلى أن الإحتلال البعثي للبنان كان إحتلالاً للشعب الفلسطيني أيضاً، قال عبّاس زكي أنه ” كان مأمولا أن يشكل التحول الكبير فرصة تاريخية لتصحيح العلاقات اللبنانية الفلسطينية اعتبارا من العام 1990… بيد أن ظروفا وتطورات حالت دون ذلك؛ إذ بقيت منظمة التحرير مقصية عن شؤون الفلسطينيين في لبنان، وتحول الشأن الفلسطيني إلى ملف أمني الأمر الذي راكم تعقيدات وفاقم مشكلات كان من نتائجها المأساوية أحداث مخيم نهر البارد الأخيرة”!! بكلام آخر، لم يكن لبنان وحده محتلاً من قوّات “سوريا الأسد”، بل إن شعب فلسطين في لبنان كان خاضعاً للإحتلال مثله مثل اللبنانيين، وتحوّلت مأساته إلى “ملفّ أمني” من نوع الملفات الأمنية المتكدّسة في خزائن أجهزة الإستخبارات السورية.
وبعد هذا النقد الذاتي الشجاع أعلن عبّاس زكي “أن الشعب الفلسطيني ما عاد يفكّر، لا إختياراً ولا إضطراراً، في أي مشروع سياسي أو أمني في لبنان أو إنطلاقاً منه”. وأعلن أن “السلاح الفلسطيني في لبنان ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها وفقاً لمتقضيات الأمن الوطني اللبناني..” وأن حقوق الفلسطينيين “كلاجئين فسراً وموقتاً في لبنان”.. غير مشروطة بقضية السلاح، ولا نفكّر في أي معالجة بأسلوب المبادلة”. وهذا الكلام يسحب البساط الفلسطيني من تحت أقدام أحمد جبريل ومنظمته المرتبطة بالمخابرات السورية.
في المستقبل وخصوصاً القريب
أخطر ما في وثيقة منظمة التحرير الفلسطينية هو أنها تقول صراحةً أن لبنان وطن اللبنانيين وأن قضية فلسطين هي قضية الرجال والنساء والأطفال الذين تجمعهم تسمية “شعب فلسطين”. أي أن لبنان، وفلسطينييه، ليس “ساحة” وليس “بؤرة ثورية”، وليس “قطراً” بعثياً، وليست “ورقة” يلعبها أمير قطر ضد السعوديين، وبالأحرى فإنه ليس “ساحة تكليف شرعي” لهزيمة “قوى الإستكبار” من حيفا إلى.. ألاسكا!
وأخطر ما في كلام ممثّل منظّمة التحرير قوله أن “السلاح الفلسطيني في لبنان، ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقا لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تعرفه وترعاه السلطات الشرعية”. وحينما يصدر هذا كلام عن الشعب الذي يملك قضية فلسطين، فبالأحرى أن حزب الله لا يستطيع أن يتذرّع سواء بـ”مزارع شبعا” أو بـ”تحرير فلسطين” لفرض وجود “دولة مسلّحة ضمن الدولة” في لبنان.
في مقال “الفلسطيني” نبيل عودة المنشور أدناه تحت عنوان “ملك طائفة جديد.. قريبا في بيروت” يرد كلام يرتبط بخطاب عبّاس زكي: “عزمي بشاره سيستقر في بيروت، ليبدأ بتشكيل حركة عربية جديدة، ربما بدعم المنتصر الألهي وقم ودمشق، تقوم على الدمج بين القوميين من جهة والاسلامويين على اشكالهم المتعددة والمختلفة.. ويبدو ان حزب الله هو الإشراقة التي تمد عزمي بتفاصيل مشروعه، الذي آمل ان لا يزيده اشراقا لدرجة منافسة الشيخ حسن نصرالله قوميا واسلاميا أيضا. خاصة بعد اختياره بيروت لانطلاق مشروعه، اذ يكفي لبنان وبيروت حسن واحد.!!”
أي أن السيّد عزمي بشاره (“المثقّف” الذي كتب قبل أسابيع مقالاً يبرّر فيه إغتيال الرئيس الحريري بموجب رواية سورية تم الترويج لها قبل شهرين أو ثلاثة مفادها أن تصفية الحريري كانت إستباقاً لانقلاب كان يحضّر له الحريري مع خدام وغازي كنعان) يستعدّ لاستخدام لبنان، وفلسطينيي لبنان، كـ”قطر بعثي” و”وبؤرة ثورية” و”ساحة تكليف إلهي” معاً. ونحن نفترض أن منظمة التحرير الفلسطينية تملك معلومات أكثر دقّة عما يتمّ التحضير له في دمشق وطهران لاستخدام فلسطينيي لبنان كـ”خط دفاع أول” حسب تعبير الرئيس نبيه برّي (صاحب “حرب المخيّمات” الشهيرة).
*
إنتفاضة الإستقلال الثاني مستمرة. والنظام البعثي ما يزال يحلم بالعودة إلى لبنان لحماية نظامه المهتزّ في دمشق، والنظام الإيراني يخطّط لاستخدام لبنان (وشيعته) كورقة ضغط في “الملفّ” النووي الإيراني. لكن من المهمّ جدّاً أن يشعر اللبنانيون أن الفلسطينيين يقفون إلى جانبهم هذه المرة في معركة الإستقلال، وهي نفسها معركة التمدّن والإنفتاح والديمقراطية والرخاء للشعبين، ولشعوب المنطقة.
في ما بين النقد الذاتي الفلسطيني وانتفاضة الإستقلال المهدّدةقرأت المقالتين في النهار وفي الشفاف. (لا أشك بقيمة ثروة بري يكفي أن تستمع لكلام الناس لتقدر) اوافقك الرأي تماماً فيما يخص المسألة الفلسطينية، ولا شكّ لدي بأن الوجود الفلسطيني البشري والعسكري الكبير المدعوم على الساحة الإسلامية واليسارية آنذاك قد أثمر نتائج قاتلة على لبنان وصيغته وما زلنا ندفع ثمنها حتى الآن، وقد نستمر بدفع هذا الثمن حتى تنتهي التجربة الإلهية لحزب الله. على كل الإعتذار لا بدّ منه، خصوصاً أنه قادم من منظمة فتح على الرغم أنها آيلة بالأفول مع صعود الحركات الإسلامية التي تسيطر على عقول الجميع وتنتظر الوقت المناسب… قراءة المزيد ..
في ما بين النقد الذاتي الفلسطيني وانتفاضة الإستقلال المهدّدة
ان التاريخ والله سيسالك يا بوش ويا اسرائيل وغيرهم عن المحرقة الفلسطينية التي نتجت عن تهجير والتنكيل بالشعب الفلسطيني المسالم عن ارضه والفيتو الظالم واللاديمقراطي ضد الشعب الفلسطيني