أبرز ملاحظة على الإنتخابات النيابية التي حصلت يوم أمس في منطقة المتن في لبنان هو أنها تذكّر هذه الأمة المترامية الأطراف، والممتدة “من الخليج إلى المحيط”، أو من السعودية إلى المغرب، أن لبنان يظلّ البلد العربي الوحيد الذي يمارس شعبه نوعاً من الديمقراطية الحديثة.. على كلّ علاتها.
وإذا بدا للمشاهد العربي للقنوات الفضائية أن هذه الإنتخابات وما رافقها من إنفعالات واتهامات وصراعات هي نوع من “الطرفة” اللبنانية، فإن على هذا “المشاهد” أن يتذكر أنه، سواءً كان مواطنا سعودياً أو ليبياً أو يمنياً، أو مصرياً، أو سورياً، ما يزال محروماً من حق ممارسة هذا النوع من الديمقراطية الحديثة الذي باتت تتمتّع به معظم شعوب الأرض.
ولا بأس إذا شعر “المشاهد” العربي بشيء من الخجل لأن هذه القارة العربية ما تزال قارة الإستبداد بدون منازع! ولا بأس كذلك إذا تساءل “المشاهد” العربي عن مغزى أن تكون مطالبة قوى أساسية في المعارضات العربية، ونقصد بها المعارضات “الأصولية”، سواء تمثّلت بـ”الإخوان المسلمين” أو بـ”بالسلفيين” على أنواعهم أو بـ”الوهّابيين” أو جماعة “ولاية الفقيه”، هي مزيد من “إحكام” الإستبداد الذي يضرب أطنابه في المنطقة العربية!
بالنسبة للبنان، فمن الطبيعي أن يذكر لبنانيون كثيرون أن معركة المتن ومعركة بيروت كانت نتيجة إغتيال نائبين “لبنانيين”، هما بيار الجميل ووليد عيدو، على يد النظام البعثي الذي يحتلّ سوريا منذ 37 عاماً.
ما هي دروس معركة الأحد؟
أولاً، لا مفرّ من ملاحظة أن أسطورة تمثيل “الجنرال” عون لـ70 بالمئة من المسيحيين قد انتهت! ففارق بضع مئات من الأصوات لم يعد يسمح لميشال عون بمثل هذا الزعم، خصوصاً أن منطقة المتن كانت منطقته الإنتخابية الرئيسية. وهذا، بحدّ ذاته، نتيجة إيجابية لأن الحديث عن تمثيل ساحق للمسيحيين لا يذكّر سوى بفترات مظلمة في تاريخ لبنان الحديث. وحينما كان بوسع “القوات اللبنانية”، قبل أكثر من 20 عاماً، تزعم تمثيل الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، فذلك كان في ظروف حروب أهلية إقليمية بشعة طوى اللبنانيون صفحتها الآن. وهذا عدا أن مزاعن الـ70 بالمئة تبدو وكأنها تمتّ بقرابة روحية إلى مزاعم المستبدّين العرب الذين “يحلو لهم” أن يعلنوا فوزهم في “إستفتاءات” مزوّرة بنسبة لا تقل عن 95 بالمئة وتصل (قبل أسابيع في سوريا) إلى 97،68 بالمئة!
جيّد، إذاً، أن تكون نتائج المتن قريبة من 50 بالمئة، لأن مثل هذه النسبة أقرب إلى الديمقراطية الحديثة في كل بلدان العالم، في حين لا تنتمي ظاهرة “الزعيم” سوى إلى ماضٍ إقطاعي أو إلى حداثة “فاشية”.
بالنسبة للجنرال عون، فلا تستطيع “ماكنته الإعلامية” أن تخفي أن نجاحه تحقّق بفضل قوى بعضها يرتبط بالنظام البعثي في سوريا. ومع أنه يحتمل أن كثيراً من قدامى “الحزب القومي السوري” لم يشاركوا أو لم يصوّتوا لمرشح عون، فالمؤكّد أن “قوميي أسعد حردان” (الذي لا يخفى على قدامى “القوميين” ماضيه وحاضره المافيوي) قد أمّنوا لمرشح عون ما يكفي من الأصوات لإنجاحه. وقد يشعر بعض “العونيين” بغصّة لأن الفضل في نجاح مرشّحهم يعود إلى.. أسعد حردان!
ولا مفرّ من الإقرار بأن معركة عون كان معركة “إعادة تأهيل” لأحد رموز الإحتلال البعثي، والفساد في لبنان، ونقصد به “دولة الرئيس ميشال المرّ” الملقّب بـ”طابق المرّ”. فهل سيقترح الجنرال عون تعيين ميشال المرّ وزيراً للعدل مثلاً للتحقيق في “الفساد” الذي يتّهم به جماعة 14 آذار! في معركة 2005، كان العونيون يتحدثون عن “تنسيق” خجول مع المرّ. تبدّلت الأحوال، وبدا ميشال المر المنتصر الأكبر في المعركة المتنية!
ويصعب أن يصدّق أحد أن “المجنّسين” الذي “جنّسهم” وزير داخلية الإحتلال البعثي، السيّد ميشال المرّ نفسه، قد اقترعوا لصالح أمين الجميّل، كما يزعم الجنرال!
وعدا أن هذا الزعم لا يقنع، فهو ينبغي أن يدفع الجنرال إلى التنبّه إلى أن إستمراره في نفس الخط سيجبره على مزيد من التنازلات للجماعات المرتبطة بالنظام البعثي. وهذه نقطة يجدر بـ”العونيين” التأمل بها. ولا بأس من الإشارة إلى أن “التغطية العونية” هي التي سمحت لسليمان فرنجية “الزغير” بأن يشبّه ثورة الأرز بـ”ثورة القرنبيط”! (هل نسي سليمان “الزغير” أن سليمان “الكبير” لم يستسلم إلا بعد أن قصف حافظ الأسد القصر الجمهوري بالمدفعية الثقيلة؟)
في الطرف المقابل، فاستخدام سلاح “الخطر على المسيحيين” من جانب الرئيس السابق أمين الجميّل (مقابل سلاح “تهميش المسيحيين” الذي استخدمه ميشال عون) أثار إستهجان كثير من اللبنانيين. خصوصاً تصريحه قبل أسابيع بأن “فتح الإسلام” تشكل خطراً على المسيحيين! ألا تشكل ظاهرة “فتح الإسلام” خطراً على المسلمين السنّة، والشيعة، والدروز.. والملحدين!
وكيف ينسجم هذا التركيز على “مسيحية” المعركة مع شعار “ثورة الإستقلال”؟
وهل يمثّل الرئيس السابق، رغم ما يكنّه معظم اللبنانيون من تعاطف واحترام لاستشهاد نجله بيار الجميل الذي بات شهيداً “لبنانياً” بامتياز، المرشّح المثالي لمجتمع “متني” يتميّز بارتفاع المستوى التعليمي، ومستوى “التسييس”، لأبنائه؟ من هذه الزاوية، لا مفرّ من الإقرار بأن “الناخب المتني” لم يبدُ مقتنعاً بترشيح الشيخ أمين الجميّل، الذي لا يستطيع بدوره، مثل الجنرال، أن يزعم تمثيل “الأغلبية المسيحية” في المتن. وهذه نتيجة حسنة. فاللبنانيون ليسوا قطيعاً يمثّله هذا الزعيم أو ذاك، والتنوّع هو دليل الديمقراطية التي يقول مسيحيو لبنان (وكنيستهم) أنهم أصلب المدافعين عنها. ولا بأس إذا كانت منطقة المتن سبّاقة، في المستقبل القريب، إلى ترشيح شخصيات حديثة أكثر تمثيلاً لطابعها الإجتماعي المتقدّم الذي تغلب فيه الطبقة الوسطى المتعلّمة!
وكلمة أخيرة حول إنتخابات بيروت. لقد كانت المعركة “محسومة” لأنصار سعد الحريري وتيّار المستقبل. لكن نسبة المشاركة التي قاربت 18 بالمئة ينبغي أن تدعو للتأمّل. لقد استهجن كل البيروتيين، مثل كل اللبنانيين، عملية إغتيال النائب البيروتي الشهيد وليد عيدو. فلماذا لم يشارك البيروتيون بكثافة في انتخاب خلف له من نفس الخط الإستقلالي؟
هل يتحمّل سعد الحريري وتيّاره، وممارسات “المبايعة” غير المألوفة في مدينة حضارية مثل بيروت، واستخدام المال السياسي، مسؤولية في هذه اللامبالاة الشعبية بمعركة بيروت الإنتخابية؟ وهل يرغب أهل بيروت في قيادة سياسية حديثة بدلاً من “زعامة” سياسية-مالية لا تتناسب مع تركيبة هذه المدينة المسيّسة والراقية إجتماعياً، مدينة الصحافة العربية، والكتاب العربي، والجامعات المتنوّعة؟ ألم تحن الوقت، بعد، لكي يدرك سعد الحريري أنه لن يظل قادراً على تمثيل الأغلبية البيروتية بجهاز من “الموظّفين” و”المنتفعين”؟
لقد رفض المتنيّون “تكريس زعامة” ميشال عون للمسيحيين!! واختار البيروتيون مرشّح الحريري.. بتحفّظ! فهل يشير ذلك مجدّداً إلى أن “شعب 14 آذار” أكبر من “سياسيّي 14 آذار”. وكما يرفض معظم اللبنانيون الزعامة “الإلهية” التي يزعمها لنفسه حسن نصرالله وحزبه الفاشي، فالأكثرية اللبنانية، وجيلها الشاب، لم تتخلّ عن شعارات “إنتفاضة الإستقلال” ولكنها تطمح إلى تمثيل سياسي أرقى من كل ما تمثّله قوى 14 آذار الحالية، تمثيل سياسي “لبناني”، وليس تمثيلاً “مسيحياً” أو “سنّياً” أو “شيعيا”ً أو “درزياً”.
في هذه الأثناء، متى يتحوّل “المشاهد العربي” إلى “مواطن” يحقّ له إختيار نوّابه من السعودية.. إلى المغرب؟ ومتى تتحوّل “الطرفة اللبنانية” إلى طرفة عربية يمارسها المواطن العربي كل 4 سنوات مثل كل شعوب الأرض الراقية؟
webmaster@metransparent.com
في سقوط أسطورة “الزعيم” في المتن وبيروت وفي الإستبداد الراسخ في القارة العربية المترامية الأطرافللاسف الشديد، لم تستطع ايها الكاتب ان تقنعنا بشيء لانك بدوت “كالكاذب الذي يصدق كذبته” ولو كان المتنيون يصدقون أكاذيب اصحاب السلطة لما كانوا صوتوا لمرشح التيارـ ثم ليس الجنرال من قال عن نفسه انه زعيم بل نتائج الانتخابات الديمقراطية ولو كان غيره مثلا اخذ نفس نسبة الاصوات كان ليقال عنه نفس الشيء ـ ثم زعمك ان الجنرال ربح باصوات قوميي اسعد حردان هذا لا يدل سوى عن ضعفك ورياءك وكذبك وهذا الامر لا يقنعنا نحن العقلاء ابداً بل يزيدنا ثباتاً وصدقني لولا وجود شهيد ومال… قراءة المزيد ..
في سقوط أسطورة “الزعيم” في المتن وبيروت وفي الإستبداد الراسخ في القارة العربية المترامية الأطرافالى الذين ينتقدون التفاهم بين التيار الوطني الحر والحزب في حملاتهم الانتخابية الفرعية: لماذا قبلتوا الحلف الرباعي ابان الانتخابات النيابية عام 2005؟ وبأصوات من فاز النواب العشرة في دائرة بعبدا – عاليه؟ وكيف نجح نواب البقاع الغربي؟ أليس بفضل اصوات المتحالفين في الحلف الرباعي؟ أليس بفضل اصوات المقترعين في الضاحية الجنوبية وفي البقاع الغربي؟” اذا تعيبون على التيار الوطني الحر تفاهمه مع حزب الله، فلماذا لا تقدمون استقالة نوابكم في دائرة بعبدا – عاليه؟ وان لم تفعلوا ذلك وتنسجموا مع انفسكم فأنتم استغلاليون. ولماذا في الفترة… قراءة المزيد ..
في سقوط أسطورة “الزعيم” في المتن وبيروت وفي الإستبداد الراسخ في القارة العربية المترامية الأطرافيا سيد عقل: كان يمكنك أن تكون أقل “شوفينية” لو نظرت قليلاً إلى فلسطين لترى أن الديمقراطية هناك كانت أكثر تطوراً من الديمقراطية التي مازالت تقوم على طوائف يتربع على كل منها “عائلة” تؤكد أن لها حقاً “إلهياً” بالقبض على رؤوس العباد ممن تصنفهم ـ عكس كل حقوق الإنسان ـ كأبناء طائفة أولاً، وقبل أي انتماء سياسي، أو فكري، أو… “حضاري” آخر. ما هذه الديمقراطية التي تنتشي بالحديث العنصري عنها إن كنت أنت في مقالك تقول: “لقد رفض المتنيّون “تكريس زعامة” ميشال عون للمسيحيين” لماذا هذا… قراءة المزيد ..
مثىىىىىىىىىىىىىىىى؟نتساءل مع كاتب المقال: متىىىىىىىىىىى؟ إن السلطات العربية الحاكمة: الملكية والجمهوملكية والعسكرتاجمهوملكية والعشائرملكية …إلى باقي إبداعات العرب الأخيرة، في قاموس أسماء أشكال الحكم الفردي المتخلف والشرس، ومعها أحزاب المعارضة العربية على وزن أمر: ” محلَّك سر” منحت لمناسبات الانتخابات، ناخبين مفصلين على المقاس.. فهم موالون عشائريون في أفضل الأحوال، أو فقراء معوزون جهلة يُشترون بالمال.. أو مجبولون على الخوف من الأحزاب الحاكمة أبا عن جد.. إن الكارثة الانتخابية العربية مُعممة، والمرشحون للعب أدوار ” طلائعية ” رهيبة في هذا المشهد السوريالي العربي، هم الاسلاميون الذين يعدون ناخبيهم الفقراء الجهلة بجنة ال..جحيم. تحتاج النخب العربية من المحيط إلى الخليج، وأكثر من… قراءة المزيد ..