في سالف العصر والزمان كان هناك “إخوان”

0

لا أخلع قميصا ألبسنيه ألله

عثمان بن عفان لما طالبوه بالتنحي اتقاء للفتنة

اضر “الإخوان” بأنفسهم وبقضيتهم والحقوا بالشعوب التي حكموها أفدح الضرر وأجهضوا بغبائهم مسيرة الديمقراطية فى مصر وأعلنوا فشل الثورة وساهموا فى خلق ديكتاتور جديد يعيد مصر إلى أيام عبد الناصر ويستنسخ لها زعيما جديدا يزحف إلى السلطة ويعيد تكرار الحقبة الناصرية بكل أدواتها القمعية! وما نراه الان فى مصر تكرار بكل تفاصيله الدقيقة لما كان يحدث فى سنة 1954 عندما انقلب عبدالناصر على “الاخوان” فحل التنظيم وقتل زعماءهم وزج بأعضائه فى السجون.

بعد الانقلاب الناصري فى سنة 1952 حكم العسكر مصر وتواروا الي الظل بعد هزيمة 67 وحلت الاجهزة الامنية ممثلة فى الاستخبارات ومباحث الدولة محلهم. وبقى الجيش يراقب الامور عن بعد فى عهد السادات وعهد مبارك الى ان اندلعت مظاهرات 25 يناير 2011، فعاد ليحكم مصر من جديد، وكان هو القوة الحقيقية التي أجبرت مبارك على التنحي.

ولان الوضع الدولي الحاضر وظروف مصر الاقتصادية الصعبة وارتباطها بالدول الدمقراطية لا يسمح للجنرالات بممارسة السلطة بطريقة مباشرة، استغل الجيش سذاجة إعدائه القدامى “الإخوان المسلمين” ونهمهم للحكم ووضعهم فى الواجهة لانهم الجهة الوحيدة المنظمة التي تمتعت بشعبية كاسحة يحكم من خلالهم لتكوين نظام ظاهره الديمقراطية وباطنه الدكتاتورية المطلقة.

استغل “الإخوان” الفرصة التي لاحت أمامهم وغرهم النصر وظنوا ان كفاح وجهاد أكثر من ثمانين عاما يطرح الان ثمره. وحسبوا أنهم أقوى من الجيش وأقوى من الجميع، فتخلوا عن حلفاءهم واستولوا على جميع المناصب المهمة فى الدولة وانفردوا بالحكم وأعلنوا قيام دولة الاسلام وغيبوا خطاب الازهر من الساحة وأقصوا دعاته المعتدلين واستوردوا دعاةً وهابيين وغلاة الدعاة المصريين، وأطلت الوجوه الغاضبة من ذوى اللحى والعمائم على شاشات التلفزيون يطرحون فكرهم بتعالٍ وغطرسة وجهالة، فنشروا الفتنة الطائفية وحاربوا الشيعة والمسيحيين وقسموا المصريين إلى مؤمن وكافر.

و شنوا حربا شاملة على مؤسسات الدولة القضاء والاعلام والازهر والشرطة ومؤسسات المجتمع المدني، ثم غرهم النصر وظنوا أن لحظة تصفية الحساب مع الجيش، عدوهم القديم، قد حانت فحلوا المجلس العسكري وعزلوا قياداته وبدأ زعماؤهم فى التطاول على القوات المسلحة والسخرية من تاريخها ونبش ماضيها وتذكيرها بهزائم 48 و 56 و67 و 73.

وفى خلال انشغالهم بتثبيت أركان دولتهم نسوا المهمة الاصلية وأنهم وصلوا الى السلطة من أجل اصلاح حال المواطن وحل المشكلات الاقتصادية وتوفير الطعام وفرص العمل وتحقيق العدالة. ولم يفوا بالوعود التي قطعوها على أنفسهم لان مشكلات المواطن لم تكن تعنيهم فى شئ. كان لديهم قناعة بأنهم على حق وأن الله ناصرهم وأن المعجزات ستتوالى، ويكفى أن نعلن أن “الاسلام هو الحل” حتى تحل المسائل المستعصية وتعم المحبة ويسود الارض السلام! وبناء عليه تعهد الرئيس مرسى بحل كل المشكلات الاقتصادية المعقدة المزمنة فى خلال ثلاثة شهور، وعندما سألته صحافية بريطانية عن مشكلة المرور فى القاهرة قال إنها ستحل عند تطبيق الشريعة!
والاقتصاد فى مصر منهك لا يحتمل المغامرة أو التجريب أو المخاطرة ومصادر الدخل تعتمد على العمل اليومي الدؤوب، وتصرف الادارة الجديدة فى شئون البلاد الاقتصادية كان سيئا لم يأخذ معاناة المواطن المصري فى اعتباره ولم يستمع إلى نصح الناصحين.

وكانت نتيجة غرورهم وخيمة. تقلصت فرص العمل وأغلقت المصانع أبوابها وحاربوا السياحة وخلقوا مناخا مضطربا منع الشركات الكبرى من العمل فى مصر ودفع برؤوس الاموال الي الهرب للخارج وقلت فرص العمل وازداد الفقر.

وتكاتف الجميع ضدهم وتحركوا وفق خطة دقيقة التفاصيل للإطاحة بهم – لاحظ حكما مسبقا بالتحقيق مع مرسي فى قضية هروبه من السجن والحكم النهائي على رئيس الوزراء بالسجن بسبب عدم تنفيذ حكم قضائي، ولاحظ كيف حلت ازمة المحروقات التي استمرت عدة شهور فى اليوم التالي لعزل مرسي.

وهبت الريح تنذر بعواقب وخيمة ولم يكترث الاخوان لكل مؤشرات التململ، وخرجت الجماهير التي تحركها قوى خفية إلى الشوارع فى أعداد مليونيه فى تظاهرات كبرى تطالب الاخوان بالرحيل. ولم تفهم الجماعة الدرس وقررت أن تقاتل “الفئة الباغية” وأوشكت البلاد أن تدخل فى حرب اهلية بعد ان هدد الاخوان باستخدام القوة للدفاع عن مقراتهم وظنوا أن النصر لهم فى آخر النهار “فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”.

وتدخل الجيش مرة ثانية وبقوة أكبر مدعوما برغبة شعبية ومظاهرات عارمة لإنقاذ مصر من مصير أسود كان ينتظرها أعادها إلى ما كانت عليه منذ ستين عاما. دولة يحكمها العسكر ممثلة فى شخصية شبيهة بعبد الناصر وجدت فيها الجماهير الاب الحنون الذى ستلوذ بحماه “ليملأ الارض عدلا ورحمة”! ولسان حالها يقول دكتاتورية الجيش خير من ديمقراطية الاسلام، وعلى الثورة السلام ومتأسفين يا ريس!

خرج “الإخوان” من المعركة خاسرين لكنهم ما زالوا يمنون النفس بنصر قريب ومن المقبول أن تتوقع أنهم لن يقبلوا الهزيمة بسهولة، وقد يبدون مقاومة عنيفة وقد تنتظر منهم تصرفات انتحارية بلهاء كتظاهرهم أمام مسجد رابعة العدوية فى مدينة نصر بالقاهرة، وإصرار راشد الغنوشي فى تونس علي البقاء فى السلطة بأي ثمن ولو باستخدام السلاح لقمع معارضيه حيث تتدفق أسلحة وميليشيات ليبية إلى تونس استعدادا لخوض المعركة الكبرى، ومحاولاتهم المستمرة في ليبيا لقتل كل صوت يخالفهم ويفضح ضحالة أفكارهم وتخلفهم.

ويا حبذا لو تمعنوا فى الدروس المستفادة من المعركة وتنبهوا إلى خطاياهم.

أول خطاياهم هي الغرور – فعندما اكتسحوا انتخابات البرلمان والنقابات المهنية توهموا أنهم القوة الوحيدة الفاعلة فى الساحة المصرية، وتناسوا أن الانتخابات ليست “كارت بلانش” وأن الجماهير تهمها مصلحتها وقوت يومها. ولا تهمها المبادئ والشعارات.

واعتقدت الجماعة أن الناخب يختار مرشحيها إيمانا بفكر الجماعة وليس لشخص المرشح (“لو رشحنا كلب ميت الناس تنتخبه”)، فاختاروا الرئيس محمد مرسي. ولم يكن الرئيس الحقيقي للبلاد ولم يتم اختياره لكفاءته وإنما لطاعته المطلقة للمرشد الذى تولى نيابة عنه اتخاذ القرارات وكتابة خطاباته وتشكيل مجلس وزرائه. وكان مرسى خطأ فادحا سخر المصريون من تصرفاته وكلماته العفوية ولغة الجسد التي قدم بها نفسه كشخص يفتقد إلى الذوق وحسن التصرف، وتبارت المحطات التليفزيونية فى تصيد اخطائه ومقارنة خطاباته بخطابات سابقة وإظهار التناقض فى كلامه.

وكانت خطيئتهم أنهم اندفعوا للسلطة كما يندفع الفأر للجبن فى المصيدة. تخلوا عن حيطتهم السابقة وكشفوا كل أوراقهم وتشكيلاتهم الظاهرة والخفية والنائمة وظنوا أنهم تملكوا السلطة إلى الابد وأن مسار التاريخ سيعود إلى الخلف وأن دولة الاسلام قادمة وأن الله ناصرهم! لكن الله، لسبب أو لأخر، تخلى عنهم فلم ينظر إليهم ولم يمدهم بجنوده.

وكانت خطيئتهم أنهم لم يفوا لناخبيهم بما عاهدوهم بل انصرفوا لمهمة كبرى هي تثبيت دعائم الحكم والدفع بأعضاء الجماعة الى المناصب السيادية فى مفاصل الدولة وإقصاء التيارات الاخرى وتصرفوا كجماعة ماسونية سرية هدفها مصلحتها وليس مصلحة الناخبين الذين اختاروهم. وأساءوا قراءة الواقع ولم يلتفتوا لمطالب معارضيهم ولم يستمعوا لصوت الناقد أو الناصح ومارسوا سياسة الجلد السميك ( صحة الوجه).

وكانت خطيئتهم أنهم استهانوا بقوة أعدائهم وغابوا عن قراءة الواقع. وفى حين اندفعت الملايين تملا الشوارع، قدروا عددهم بعدة ألاف قالوا أنهم سوف يتركون الميدان فى اليوم التالي وتعود الامور إلى ما كانت عليه. ولم يقرأوا الموقف قراءة صحيحة. ولم يدركوا إلا فى نهاية المطاف انهم كانوا ضحايا لقوى معادية للديمقراطية استغلتهم لتحقيق اهدافها فضربت الثورة وضربت الاتجاه الديني فى وقت واحد.

ولا تقف أثار الهزيمة على كونهم تركوا السلطة أو أخرجوا منها وبإمكانهم العودة لها مرة ثانية عبر صندوق الانتخاب ولو بعد حين كما يحدث فى الديمقراطيات الاخرى. بل هم تركوها إن لم يكن إلى الابد فإلى مئة عام قادمة!

ولا تقف أثار الهزيمة عندهم، بل ستشمل انهيار فكرة الاسلام السياسي فى العالم العربي وسقوط فكرة الخلافة وانقشاع الوهم بأننا يمكن أن نطبق على الحاضر فكر السلف القديم وحكم الشريعة، وتبدد الحلم بدولة يحكمها الفقهاء. فسقوطهم فى مصر يعقبه بالضرورة سقوط النهضة فى تونس وانسحابهم من المشهد السياسي فى ليبيا.

ولو تدارس “الإخوان” موقفهم الحقيقي لادركوا أنهم كانوا ضحية صراع على الحكم بين الجيش واجهزة المخابرات – لاحظ أن من سلم السلطة للجيش فى ثورة 25 يناير هو مدير المخابرات العامة عمر سليمان وأن الجيش أرسل فى أول أيام ثورة 30 يونيو عربة مدرعة قبضت على مدير الاستخبارات الذى عينه مرسى!

وما دام هناك خاسرون، فهناك رابحون. والرابحون خارج مصر هم الانظمة الحاكمة فى السعودية وإمارات الخليج. فما دامت الثورة فشلت فى مصر فهي لن تقوم عندهم. والرابح الثانى قد يكون جماعة “الإخوان المسلمين” فى ليبيا إن هم قرأوا الدرس واستوعبوه وتخلوا عن طموحهم السياسي أو أجلوه إلى حين.

لم يكن الشعب رابحا ولا خاسرا بل رضي بالتعادل واقتنع أن دكتاتورية الجيش خير من سلفية الاخوان. والرابح هم بقايا نظام مبارك التي عادت للحكم من جديد. أما الرابح الاول فهو الجيش الذى لم يترك السلطة منذ 25 يناير. وحل المجلس العسكري وتنحية الجيل العجوز كان لمصلحة القيادات الشابة وبرغبة من ضباطه تمهيدا لظهور القيادة الجديدة التي ستتولى الحكم- القائد الجديد كان مديرا للمخابرات الحربية قبل اختياره قائدا عاما للقوات المسلحة.

تبلغ نفقات الجيش 40 % من دخل مصر وعند وضع الدستور كتب الجيش كل المواد التي تخصه ومن بينها عدم خضوعه للرقابة او المحاسبة من أي سلطة مدنية أو برلمانية، وأن يكون وزير ا لدفاع القائد العام للقوات المسلحة شخصا عسكريا يختاره الجيش، مع أن الاصل فى الانظمة الديمقراطية أن تتولى قيادة الجيش شخصيات مدنية وأن تشرف مؤسسات مدنية على نفقاته!

magedswehli@gmail.com

رجل أعمال وكاتب من ليبيا

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading