ليس صحيحاً أن الـ37 “شخصية” التي شاركت في قمّة بكركي “تمثّل” الطائفة المارونية بكل تنوّعها! فالأغلبية الساحقة من الموارنة، ومن المسيحيين، هي الأغلبية “المستقلة” التي لا تتعرّف على نفسها في هذا المزيج من “الإقطاع السياسي الوراثي” ومن “موارنة إيران” و”موارنة نظام الأسد”، هذا عدا الذين (وهم محسوبون على “14 آذار”!) يحلمون بـ”فتح خطوط” مع نظام الأسد المنهار في لحظة نهوض الشعب السوري! أو الذين يحلمون بـ”حلف أقليات” بات في سلة مهملات التاريخ!
هذه الأغلبية المسيحية المستقلة لم يكن لها ممثّل واحد في هذه “الهمروجة” البطريركية!
ثم، ماذا يعني موقف “اللاموقف” من قضايا الساعة “التاريخية” التي يعيشها لبنان والمنطقة؟
لأول مرة مند 60 عاماً، فإن المنطقة العربية ترفع شعارات الحرية والديمقراطية التي كان اللبنانيون، والمسيحيون خصوصاً، أبرز دعاتها. لكن قمة بكركي لم “تتبرّع” بكلمة واحدة عن الثورات العربية الديمقراطية التي أسقطت حصون الإستبداد الكرتونية! وقبل يومين، هدّد زعيم حزب الله من أن انهيار نظام الأسد سيعني تقسيم سوريا والمنطقة (أي لبنان، أيضاً)، ولكن قمة بكركي لم تجد ما تقوله إزاء تهديد صريح لوحدة البلد.
ألم يكن أحرى بالقمة أن تسأل الجنرال الذي شاركه فيها، وزمرة الفساد المحيطة به، عن دوره (الدور “الواجهة”) في منع تشكيل حكومة لبنانية بعد 3 أشهر من تكليف السيد نجيب ميقاتي بقوة السلاح الإلهي؟ وعن دوره (الدور “الواجهة”، مرة أخرى) في انهيار الدولة اللبنانية وصعود الميلشيا الإيرانية على حساب قوى الشرعية اللبنانية؟ إلا إذا كان البطريرك الجديد يريد “تعويم” الجنرال الذي يعرف أن “مستقبله” بات مرهوناً بالثورة السورية العظيمة!
قمة بكركي تبدو “لا حدثاً” في لحظة تاريخية حاسمة! كان الأحرى بالبطريرك الجديد أن يدعو لـ”قمة لبنانية” بمواجهة التهويل بالتقسيم!
بيار عقل
*
إنعقد اللقاء الماروني الموسع في بكركي وضم 37 شخصية من نواب ووزراء موارنة إضافة الى اربعة مطارنة وعدد من المختصين في الشؤون التي دعا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي المجتمعين الى مناقشتها وهي مسألة بيع اراضي المسيحيين لطوائف أخرى خصوصا في المناطق ذات الإختلاط السكاني بين الشيعة والمسيحيين في حنوب لبنان، إضافة الى مسألة مشاركة المسيحيين في الوظائف العامة في القطاع العام بعد ان شهد حضورهم ضمورا كبيرا في السنوات العشر الماضية.
الاجتماع الماروني شهد اجواء ود وتبادل نكات ومزاح بين المشاركين خصوصا من تيار المردة بزعامة سليمان فرنجية ونواب القوات اللبنانية، بعد أن كان فرنجية تبادل التحية مع رئيس الهيئة التنفيذية للقوات سمير جعجع في اللقاء الرباعي السابق.
مصادر متابعة اعتبرت ان اللقاء كسر مزيدا من الجليد بين قادة الموارنة من دون ان يتخطى عقبة التطرق الى المواضيع والمسائل الخلافية بين تياراتهم المتناقضة. فقد
حرص البطريرك الراعي على عدم فتح أي موضوع سجالي بعدما تطرق العماد عون والنائب سليمان فرنجية الى إتهام ما وصفاه بـ”الحكومة المبتورة”، أي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بتسهيل بيع أملاك المسيحيين وإقصائهم عن إدارات الدولة ووظائفها العامة، فما كان من البطريرك الراعي إلا أن قاطع عون وطالب المونسنيور زيدان بالاستمرار بتلاوة دراسته عن بيع الاملاك المسيحية، فسكت عون.
اللقاء الموسع تخلله ايضا عرض دراسة للمونسنيور كميل زيدان عن بيع الاملاك المسيحية، كما تم إستدعاء الدكتور طلال الدويهي ليعرض دراسة كان قدمها للرابطة المارونية بشأن بيع الاراض حيث اشار الى ان عمليات البيع تمتد شمال لبنان إلى جنوبه، كما أشارت الدراسة إلى ان بعض الأراضي مُصادَر بحُكم وضع يد قوى الأمر الواقع، كما هو حاصل في وادي الرطل، تل صوغا والحرفوش في البقاع الشمالي، ولاسا في قضاء جبيل.
وأضاف الدويهي ان الرابطة المارونية مستمرة في مفاوضاتها مع حزب الله لاستعادة 3 ملايين و750 ألف متر مربع تعود ملكيّتها للبطريركية المارونية في نطاق بلدة لاسا العقارية في قضاء جبيل.
وأشارت دراسة الدويهي الى ان أبرز عمليات البيع والتي انتقلت الاراضي فيها من ملكيّة مسيحيّة إلى طائفة أخرى، هي تلك الحاصلة في جزين لـ 5 ملايين و300 ألف متر مربّع لصالح رجل الأعمال الشيعي المعروف تاج الدين، الذي أصبح المالك أيضا لأرض أخرى في بلدة الدبّية في الشوف بمساحة 350 ألف متر مربّع. كما ان هناك شائعات بشأن بيع 174 ألف متر مربّع في مجدليّا في قضاء زغرتا، وأخرى في منطقة الكورة بمساحة مليون و800 ألف متر مربّع.
اما بالنسبة لشواغر المسيحيّين في وظائف الفئة الرابعة والخامسة، فهي تعدت 79 %، حسب ما جاء في دراسة الاب انطوان خضرا إضافة الى تسجيل ارتفاع نسبة المسيحيّين الذين يتقدّمون لوظائف الدولة من 18% في العام 2009 إلى 24% في الـ2010.
البطريرك الراعي ألّف لجنة من جميع التيارات لمتابعة هذه الشؤون، إلا أن المقاربة السياسية الابرز بقيت غائبة عن اللقاء وهي موضوع سلاح حزب الله من جهة وموضوع المحكمة الدولية من جهة ثانية.
ففي حين كان البطريرك السلف جازما في مسألتي السلاح والمحكمة، يبدو ان البطريرك الحالي يسعى الى اتخاذ موقف وسطي بعد ان درجت الوسطية في السياسة اللبنانية. ولذلك إن طرح هذه المواضيع في اللقاءات المسيحية من شأنه ان يفتح ابواب جهنم المسيحية من جديد، خصوصا ان مسيحيي قوى 14 آذار من نواب ووزراء وفاعليات يعتبرون ان المحكمة الدولية ومعالجة فلتان السلاح مسائل لا تقبل النقاش لانها تشكل عناوين لثورة الأرز، خصوصا كشف مرتكبي الجرائم بعد العام 2005 وإحالتهم الى المحاكم وضبضبة سلاح حزب الله الذي اصبح عبئا على الحياة السياسية اللبنانية. في حين يصر التيار العوني وفرنجية ومن معهما على عدم المس بسلاح الحزب الالهي ويطالبون بالغاء المحكمة الدولية.
مراقبون في بيروت اعتبروا ان الاجتماعات التي عقدت وتلك التي ستعقد، إذا لم تؤد الى نتائج ملموسة فهي طبعا لن تساهم في مزيد من التأزيم السياسي الماروني، بل قد تؤدي الى إذابة جليد بين الفرقاء السياسيين الموارنة يمتد الى اكثر من ثلاثة عقود.