يقول المثل الانكليزي “عندما تتصارع الفيلة وحده العشب يموت”
ما حدث في حماه عام 1982 كان حربا بين عصابتين مدججتين بالسلاح: عصابة الإخوان المسلمين من جهة (أو الجناح المنشق عنها كما يدعي الإخوان بأنفسهم ـ وعلينا أن نصدقهم حفاظا على الوحدة الوطنية) وعصابة السلطة الحاكمة آنذاك المتمثلة برفعت الأسد وأمثاله من جهة أخرى. وقد سقط الآلاف من الأبرياء ضحايا العنف والإرهاب من قبل الجانبين.
لم يشهر الإخوان المسلمون سلاحهم ضد السلطة بل غربلوا برصاصاتهم رموزا علمية وثقافية لا علاقة لها بالسلطة إلا لمجرد انتمائهم لطائفة العلويين (بل إن قسماً منها لم يكن علويا إلا بالاسم.( وفي هذه الأوقات يأتينا ما تبقى من هؤلاء على إحياء ذكرى ما أسموه (بالمجزرة)، فان تصفحت المواقع الالكترونية تجدها مليئة بالمقالات إحياء لهذه الذكرى التي تركت أثرا مؤلما في نفوس كل السوريين لما كان لها من تداعيات واستحقاقات فاقت الحدود السورية .
قبل أن نذهب أبعد في تناول هذا الموضوع يجب أن نذكر ـ حتى لو لم يحب البعض ـ بمجزرة مدرسة المدفعية في حلب(16 حزيران) قبل 28 سنة ونقول بأن من يعتقد أن دم هؤلاء أرخص أو يختلف في تكوينه عن باقي دماء السوريين فإنه، بالحد الأدنى من التوصيف ـ مخطئ.
لماذا يتجاهل الإخوان المسلمون والسلطة أيضا إحياء ذكرى علماء سورية الذين قتلوا برصاصات تلك العصابات وهم يرددون (الله اكبر.. الله اكبر) باسم الإسلام.
فالدكتور محمد الفاضل والدكتور محمود شحادة خليل والشيخ يوسف صارم والدكتور عبد الرحمن هلال (على سبيل المثال لا الحصر) وغيرهم من المئات من العلويين الأبرياء العزل قتلوا برصاصات الحقد والبغض والكراهية، فمن يحيي ذكراهم؟ لم يبق لهم إلا الثكالى والأيتام. وعلى المجتمع الإنساني المتحضر في بلاد الشام والعالم برمته أن يحيي ذكرى مقتل هؤلاء دون تجاهل الأبرياء من السنّة الذين راحوا ضحية العنف المتبادل بين تلك العصابتين في حماه.
بإسم الدين قتل هؤلاء مستندين بذلك على فتاوى شيوخهم… فهل كان هؤلاء مشركين؟ أم لأنهم كانوا لا يؤمنون بالقتل والإرهاب! كلا، لم تطل أيدي الإخوان أي مسؤول في السلطة.
لقد اتهمني احد أقطاب الإخوان المسلمين الذين يحاولون تغيير قمصانهم وتلميع صورتهم بأنني افرق بين الدم السوري، أي تفريق تقصد يا سيدي؟ هل يمكن لعاقل في هذا العالم أن يجمع بين قاتل مجرم وعالم؟ هل كان علماء العلويين يحملون السلاح عندما غربلتهم رصاصات القتلة المأجورين؟
هل كانت هناك مواجهة مسلحة من طلاب ضباط مدرسة المدفعية في حلب ضد القتلة؟
أليس من الجدير بالجميع التنديد بجريمة قتلهم بالدم البارد وعلى أساس الهوية؟
أليس حرياً بجميع الكتاب والأحزاب والتنظيمات (التي تحترم نفسها وتقول إنها نزيهة عن الطائفية) التوضيح بعد هذه السنين أن ابراهيم اليوسف الذي نفذ الجريمة كان مجرما ولم يكن، كما يقال في بعض البيوت خفية أنه بطل؟
أليس حرياً أن نقول إنه قتل أبرياء سوريين ولم يقتل محتلين إسرائيليين؟
أرونا صدقكم في التعاطي مع هذا الموضوع إن كنتم تريدون سورية لأهلها وشعبها وسورية لكل السوريين؟
المواجهات يا سيدي حصلت بين جيش بعثي منظم وجيش إسلامي شبه منظم وكلاهما حاقد ويتفقان من حيث المبدأ (القتل)، وكان الأبرياء من السنة والعلويين هم الضحية.
من يفرز الدم السوري يا سيدي ؟ فهل الذين اغتيلوا في سورية كانت دمائهم ماء؟
لم أقرا في صحيفة أو مجلة أو على موقع الكتروني إحياء لذكرى مقتل واغتيال هؤلاء العلماء السوريين؟
أليس جديراً بالإخوان المسلمين إحياء ذكراهم إن كانوا أبرياء من دمائهم؟
أليس هذا فرزا وتفريقا بين دماء السوريين؟
ادعوا المجتمع المدني السوري لإحياء ذكرى كل الأبرياء الذين سقطوا برصاص البعث والإخوان (وجهان لعملة واحدة) بغض النظر عن انتمائهم الطائفي. ولنصلي جميعا من اجلهم في الكنائس والمساجد ودور العبادة التي تفوق عدد المدارس في سورية. لكن كيف سنقيم ذكرى للقاتلين والقتلة؟
أدين أي شكل من أشكال الإرهاب والقتل والتدمير، لكن هناك فرق بين مواجهات مسلحة وقتل أحادي الجانب يا سيدي!
ها انتم تصافحون اليد التي قتلت الأبرياء من السنة ومن إخوتكم العلويين. هل صفحتم عن القاتل؟ على ماذا استندتم لتبرير هذه المصاهرة أهي قديمة، أم أنها حديثة العهد؟ من سيصدقكم ومن ستقنعه أفكاركم وهل تبدلت الأفكار التي كنتم تنادون بها بين ليلة وضحاها؟
هل صار الذئب حملا وديعا ينتظر اللحظة المناسبة لينقض على ضحيته ويهشمها؟
كيف لي أو لغيري أن يثق بشعاراتكم التي لا تختلف كثيرا عن شعارات البعث الحاكم، ألستم نتاج البعث أم البعث نتاج الإخوان؟ هنا تكمن المشكلة!
ما الفرق بينكم وبين رفعت الأسد؟ هذا الذي زج خيرة شباب الجبل في سرايا الدفاع، وأعطاهم رواتب تفوق رواتب أساتذة الجامعة، وفي لحظة واحدة ألقى بهم في الهاوية فتحول قسم منهم إلى لصوص وفقراء بلا مأوى ولا عمل.
لا يا سيدي لن تمر علينا ألاعيبكم والأعيب البعث. فشعب سورية برمته عاش الفاجعة، وكان العلويون المتضرر الأول من ذلك. هل نسيتم خدام (النووي) والأحمر (بطل عملية اللد) وغيرهم من رموز البعث وها انتم الآن على مائدة واحدة مشتركة، كيف لي أن أثق بكم؟ وأية مساواة تدعونها؟ هل لأحد من الإخوان أو الجناح المنشق عنهم أن يعطيني مبررا واحدا لقتل هؤلاء؟
صحيح أن السنة أكثرية في سورية، لكن لا تهم ديانة الرئيس بقدر ما تهم وطنيته وإخلاصه لسورية وشعبها. أؤمن وما أزال بمبدأ فصل الدين عن الدولة إن كنا سنواكب التاريخ والمجتمعات المتحضرة. فالسيف يقطع الرؤوس لا يعالجها ولا يشفيها، والرقاب التي تسلط عليها السيوف ستتحول يوما هي أيضا إلى سيوف ليس للقتل بل للدفاع عن النفس عندما تتعرض للمذلة والمهانة .
هيا بنا جميعا بكل طوائفنا لنحيي ذكرى علماء وأبرياء الوطن، علويين كانوا أم سنة، وألا نفرق بين هذا وذاك، فرموز السلطة وان كان البعض منهم من العلويين لا يمثلون إلا أنفسهم ورموز السلطة من السنة لا يمثلون أيضا إلا أنفسهم. ونحن، هذا الشعب المسالم بكل تركيباته وطوائفه، ندفع الثمن. لهذا اخترنا المنفى كوسيلة لممارسة الحرية والديمقراطية ونشر كلمة الحق.
علينا أن ننسى الماضي وان نقف جنبا إلى جنب لإنقاذ هذه الأمة السورية من الظلم والقهر، وان نرفع أصواتنا ضد أولئك الذين سرقوا ونهبوا خيرات شعبنا ويستثمرون أموالهم في الخارج والداخل بكل وقاحة وتحدي.
إلى متى هذا الصمت الرهيب الذي يخيم علينا ونحن بدلا من أن نبني أسس الديمقراطية والحرية نصافح المجرمين واللصوص.
هيا بنا جميعا لتنشئة جيل لا يعرف التفريق بين الطوائف بل يعرف أن كل سوري هو مقرب من الله أكثر بحسب عمله ونشاطه.
يقول السيد المسيح “من ضربك على خدك الأيمن فادر له خدك الأيسر” ودعانا إلى المحبة والتسامح، فهيا بنا جميعا نتبادل المحبة وننسى هذا الماضي التعيس ونؤسس لمستقبل نستطيع العيش فيه بسلام، ونخلع قميص الجهل، وننشر المعرفة بين أبناء الشعب السوري الأصيل، لكن لن أصافح المجرمين سواء كانوا من البعث أم من الإخوان.
اذكروا كل الأبرياء الذين قتلوا في سورية، وهيا جميعا نحيي ذكراهم .
mazencharif@yahoo.com
* بوخاريست
في ذكرى المجازر: لن نذرف دمعة على قتلة الأبرياء سيد مازن شكرا بداية لمقالك ولكن من المهم ألا نتعامى عن حقيقة أن النظام نفسه كان وراء مقتل هؤلاء العلماء ليوجد المبررات لمجازره بحق الابرياء هي مجازر حقيقية لم تطل سوى الابرياء من الناس قتلو واغتصبوا وسحلوا وعذبوا حتى الموت لن ننظر لها بطائفية وان كانت على محمل طائفي ومعظم اهل الطائفة العلوية كانوا يستشفون ويشمتون ويفرحون ربما هو حال اوطاننا العمياء لولا الجهل لما شمتوا وسعدوا بالمجازر لا ادافع عن الاخوان فهم يستحقون ما يستحقون جراء تشددهم وهم لايقلون بشاعة عن الطغمة الطائفية الحاكمة وفي بلاد تتناوشها الاحقاد ديانة الرئيس… قراءة المزيد ..
في ذكرى المجازر: لن نذرف دمعة على قتلة الأبرياء لقد ظلمت الاخوان بالباسهم جرائم فصيل منشق عنهم و مطرود منهم .. استخدمت السلطة هذه الجرائم لتنفذ خطة مرحلية بالخلاص من الاخوان وهم فصيل اساسي في المجتمع السوري وبمطلب وحماية اعلامية في حينها امريكية واسرائيلية و فوجئ الجميع بهذا المخطط الرهيب الذي حيد الاغلبية السورية من بعدها وجعلهم قطعانا يسوسهم الحاكم كما يريد وتريد المخططات الاسرائيلية ولولا هذا التدمير في بنية المجتمع الرئيسية ذاك الوقت ما كنت لترى بلدنا اليوم بهذا الوضع المزري ومن كل نواحي الحياة و ارجو ان لا تنظر الى الامور بالسطحية التي وردت في مقالك .. وليس… قراءة المزيد ..
في ذكرى المجازر: لن نذرف دمعة على قتلة الأبرياء
اهنئ الكاتب على هذه الافكار الرائعة
التي تغوص بالوطنية والانسانية والعلمية بعيدا عن الظلامية
في ذكرى المجازر: لن نذرف دمعة على قتلة الأبرياء لو طلب مني التوقيع تحت هذا المقال لما ترددت لحظة واحدة . إنه مقال شخص وطني واع . أحب أن أضيف أن من يعتقد أن كل العلويين في السلطة ما عليه إلا زيارة قرى القرداحة تحديدا ليرى الماء ينقل على ظهور الحمير وليرى الفقر مجسدا في وجوه الأطفال الصفراء ووجوه النسوة التي هدمتها المصائب . اذا كان كل العلويين في السلطة فأين نصنف نزلاء السجون من الوطنيين الذين اعتقلهم البعث البغيض ,وأين يمكن أن نصنف قامات مثل أدونيس وسعد الله ونوس ونيم محمد وآخرون. أملي أن سورية الحبيبة ستسمو على الجراح… قراءة المزيد ..
في ذكرى المجازر: لن نذرف دمعة على قتلة الأبرياء
بالفعل انه اروع مقال قراته بورك بك
Thanks
this really what we have to say at this critical Times.
thank u Mr.sharef
في ذكرى المجازر: لن نذرف دمعة على قتلة الأبرياء
من أجمل وأفضل ما قرأت عن بلدي سوريا
لك كل احترام يا سيد مازن