في كل عام تحتفل معظم البشرية في الثامن من آذار باليوم العالمي للمرأة، في هذا اليوم خرجت نساء أمريكيات يحملن الخبز اليابس وباقات الورود، للمطالبة بتخفيض ساعات العمل، ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع. قوبلت مطالب تلك النسوة بالقبول ويتم الاحتفال بهن كل عام.
لكن في المقابل ما تزال المرأة عالمياً تعاني التمييز والاضطهاد من جانبي الرجال والأنظمة، فلا سبيل لخلاصهن من سيطرة الذكور، كما أن الحكومات تقص قوانين وأحكام على مقاسها. قد تختلف هذه القوانين بين الغرب الأكثر احتراماً ولو بشكل قانوني للمرأة، وبين الشرق غير العادل للذكور والإناث معاً. أنظمة استبدادية تبيح حرية وكرامة مواطنيها بجنسيهم، ولا تعر أي اهتمام أو احترام للقوانين الدولية والاتفاقيات الأممية، وأكثر الأحيان تخرق هذه الحكومات حتى قوانينها ودساتيرها التي هي نفسها من صنعتها.
في سورية ما تزال المرأة تعاني الاضطهاد والتمييز الاجتماعي والسياسي، حالها كباقي العالم العربي. حيث يستمر مسلسل قتل النساء بذريعة غسل العار وبدواعي الشرف، ويستفيد مرتكبو هذه الجرائم العذر القانوني المخفف، على الرغم من تعديلات جرت على المادة القانونية المعاقبة لهذه الجريمة، إلا أن ذلك لم يغير في الحقيقية شيء، حيث نقرأ بشكل دوري بين الفينة والأخرى، جريمة ارتكبت هنا وهناك، وفاز الجاني بالعذر المخفف، أو في أحسن الأحوال يتم زجه في السجن لشهور عدة.
قانون الجنسية السورية، لا يزال يحرم الأمهات من إعطاء جنسيتهن لأبنائهن وأزواجهن، وبذلك تستمر معاناة الكثير من الأمهات اللائي يردن تنسيب أبنائهن لهن. كما أن قوانين الأحوال الشخصية تفرق بين المرأة والرجل في الكثير من المواضيع لعل أهمها الميراث وتشكل حصة المرأة فيه نصف حصة الرجل. وكذلك الكثير من المواد في قانون العقوبات السورية العام.
في الجانب السياسي ولعله أكثر الجوانب اضطهاداً في الأعوام المنصرمة، فإلى جوار الرجال، تم اعتقال الكثيرات من الناشطات السوريات على خلفية نشاطاتهن السياسية والثقافية والحقوقية. حيث تم اعتقال الدكتورة فداء الحوراني مع أحد عشر زميلاً لها في قيادة إعلان دمشق للتغير الوطني الديمقراطي لعامين ونصف العام، وتم إطلاق سراحها مع رفاقها في الصيف المنصرم فيما عدا الكاتب والناشط السياسي علي العبد الله الذي استمر سجنه على ذمة قضية أخرى، على خلفية تصريحات إعلامية له حول الانتخابات اللبنانية والإيرانية.
وتعرضت سهير الأتاسي الناشطة السياسية ورئيسة منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي، الذي تم إغلاقه وتترأس الأتاسي نسخته الإلكترونية على الفيسبوك، تعرضت في الثاني من شباط الماضي، للضرب والشتم بألفاظ نابية. الأتاسي كانت تضيء الشموع مع مجموعة شبابية تضامناً مع الثورة المصرية، انقض عليهم بلطجية الأمن السوري كما عرفوا هم عن أنفسهم، وبدأوا بضربهم وشتمهم. كان ذلك على مرأى ومسمع من عناصر شرطة مخفر باب توما، تم صفع الأتاسي من قبل ضابط أمن لم يعرف عن هويته وقام بتهديدها بالقتل.
دخلت الناشطة د. تهامة معروف في إضراب مفتوح عن الطعام منذ تاريخ 18 شباط المنصرم، وذلك احتجاجاً على ظروف اعتقالها السيئة ولتطالب بنقلها إلى سجن النساء، ووقف الممارسات اللا إنسانية بحقها من قبل رئيس مفرزة الجناح السياسي للنساء في سجن دمشق المركزي في عدرا.
اعتقلت معروف في العام 1992، بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي، بعد مرور عام على اعتقالها تقدمت بطلب إخلاء سبيل، فوافقت لها المحكمة على ذلك على أن تستمر محاكمتها طليقة. حضرت تهامة معروف جميع جلسات المحاكمة وهي تواصل دراستها في كلية طب الأسنان، لكنها غابت عن جلسة النطق بالحكم ، حيث أصدرت المحكمة في هذه الجلسة الأخيرة قرارها رقم 46 بتاريخ 15/11/1995، “بمثابة الوجاهي” بالسجن المؤقت ست سنوات مع الأشغال الشاقة.
لعل أبرز أحداث انتهاكات حقوق المرأة والطفل وحقوق الإنسان في سورية، هو الحكم الذي أصدرته محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية بتاريخ 14/2/2011 بحق الشابة طل الملوحي ذات التسعة عشر ربيعاً، حيث حكمت عليها بالسجن خمس سنوات بتهمة إفشاء معلومات لدولة أجنبية، واتهامها بالتجسس لصالح سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في القاهرة.
اعتقلت الملوحي بتاريخ 27/1/2009 إثر استدعاءها من قبل إدارة المخابرات العامة في دمشق، وتم حجزها تعسفياً وإخفاؤها قسرياً لمدة عام.
يستمر اعتقال عشرات النساء الكرديات وخاصة ناشطات تجمع اتحاد ستار التابع لحزب العمال الكردستاني، حيث أصدرت محكمة الجنايات العسكرية في حلب بتاريخ 26/10/2010، حكماً بالسجن لمدة سنتين على الناشطة الكردية منال إبراهيم إبراهيم، بتهمة “القيام بأعمال وكتابات من شأنها تعكير العلاقة مع دولة أجنبية”، وفق أحكام المادة (278)، من قانون العقوبات السوري العام، بعد تبديل الوصف الجرمي من قبل محكمة الجنايات، إذ كانت التهمة الموجهة لها من قبل النيابة العامة في حلب “الانتساب إلى جمعية سياسية تهدف إلى اقتطاع جزء من الأراضي السورية وضمها لدولة أجنبية”، وفق أحكام المادتين ( 288 و267).
كما أصدر القاضي الفرد العسكري الثالث بحلب بتاريخ 30/12/2010 حكماً بالسجن ثلاثة أشهر على منيرة حنان حمو، بجرم القيام بأعمال يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة وفق المادة (307) من قانون العقوبات السوري العام. واعتبار العقوبة منفذة كون السيدة منيرة حمو قد توقفت سابقاً لمدة أربعة أشهر قبل صدور الحكم. وتم اعتقال الناشطة مريم حبش عضو التنظيم بتاريخ 22/2/2011، ولا يعرف مكان احتجازها حتى اللحظة، ويستمر اعتقال قدرت هورو منذ تاريخ 18/12/2010.
في الوقت الذي يشهد فيه العالم العربي، ثورات تطيح بالدكتاتوريات، ويتجه العالم بأجمع إلى المزيد من احترام حرية التعبير وحقوق الإنسان وحقوق المرأة. يستمر النظام السوري في انتهاك كافة القوانين والعهود والمواثيق الدولية، وحتى القوانين المحلية، ويستمر الاضطهاد بحق كافة أبناء الشعب السوري، وبشكل خاص ضد المرأة، كما تستمر الحكومة السورية بالتحفظ على بعض مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة /سيداو/ ويستمر مسلسل الانتهاكات والاعتقالات بحق الجميع، وتبقى السوريات في اليوم العالمي لهن أسيرات الاضطهاد والتمييز، ويستمر زج العشرات منهن في زنازين النظام ومعتقلاته، فكل عام وهن بألف بخير.
akkopress@gmail.com
* كاتب سوري