لطالما لجأت الى التسلل للولوج الى الازمة الاكاديمية التي تعصف بالجامعة اللبنانية، نُظُما وتعليما ومناهج، وبالاساس دوراً. ذلك انها اعمق واعقد واصعب من ان تعالج من قبل فرد ومقال. خصوصا انها ترتبط بالتكوين والنشأة وتلتصق التصاقا وثيقا بالوضع الطائفي والمذهبي والمناطقي والحزبي والسياسي وقد وصل بانقساماته الى مستويات انشطارية تحولت معها بعض الفروع الى قلاع شبه مذهبية تعاني الى حد كبير من واقع ادراة مركزية اقل ما يقال فيها، انها تتثاقل في تسيير الآلة الكبيرة المسماة جامعة لبنانية والتي للمفارقة تضم، حتى كتابة هذه السطور، خزانا كبيرا من الشهادات والخبرات والكفاءات والرومنسيات. واشدد “حتى الآن”، لان هذه الجامعة باتت عاجزة عن استقطاب هذه الميزات خصوصا في مجال الاختصاصات النادرة.
في المرات السابقة دلفت إلى بعض هذه المواضيع من خلال ازمة تعليم الرياضيات ومن خلال تشعيب كلية العلوم كما من خلال المباني الجامعية. وبما انني اعتدت التسلل فانني اريد مقاربة قضية الرواتب والاجور واجر الساعة وما يرافقها في قضايا التفرغ والملاك ملامساً مسألة المناهج الجديدة وبعض قضايا التعليم وارتباط هذه المسائل بسمعة الجامعة اللبنانية والوزن المرادف لهذه السمعة عند الاهالي. واتمنى ان اضع لنفسي حدودا التزم بها كي تشكل هذه المحاولة اضافة جدية في ملف الجامعة والتعليم العالي عموماً.
الحد الاول: الابتعاد عن المبالغة بالنقد وتحاشي التجريح، ولكن مناقشة الامور بصراحة وموضوعية والابتعاد ما أمكن عن النقابوية.
الحد الثاني: الاقلاع عن اعتبار الجامعات الخاصة، اما اماكن للنخب فقط واما مراكز لتوزيع الشهادات على دافعي الاقساط، مع انه فيها من هذا وذاك وغير ذلك ايضا. ويمكن مناقشة قضاياها في سياق نقاش مسألة التعليم العالي ككل. وبموازاة ذلك، الاقلاع عن اعتبار الجامعة اللبنانية مراكز تعليم المحتاجين وجامعة القطاع العام(وما ادراك ما القطاع العام).
الحد الثالث: الابتعاد عن لغة النصائح والاتهامات المترافقة عادة مع التعالي واخذ وضعية العفة. فاللبنانيون متشابهون بايجابيات كثيرة وبسلبيات أكثر ايضا، وفي مقدمها المبالغة في تقديس المصلحة الخاصة او الشخصية والتي للمفارقة يجري “نتشها” على حساب المصلحة العامة في معظم الاحيان.
الحد الرابع: مراعاة الوضع السياسي العام والازمات المتتالية التي يتخبط بها البلد والتي اصبحت قضايا البلد ومنها الجامعة مرايا لها، ما يعني ان مسألة اصلاح الجامعة إصلاحا جذريا بعيدة المنال.
من المعروف ان سلسة الرتب والرواتب في الجامعة لم تتغير منذ سنة 1997(وهذا ينطبق على اجر الساعة) الا من بعض التعديلات عند زيادة 200 الف ليرة، علما أنّ السنوات الاخيرة شهدت زيادة كبيرة في الاسعار خصوصا في المواد والحاجات الأساسية. وقد ادى ارتفاع اكلاف المعيشة الى تراجع كبير في القدرة الشرائية لدى الاساتذة وموظفي الجامعة ايضا. وطبيعي ان ينعكس هذا التراجع تراجعا في الأداء الاكاديمي حتى في الكليات التي ما زالت تحافظ على نسبة عالية من الجدية رغم كل التطورات السلبية التي عصف بالبلد وانعكست على الجامعة بشكل خاص. وقد حاولت ادارة الجامعة الالتفاف على المشكلة بالسماح للاساتذة بالتعليم في الجامعات الخاصة ضمن شروط معينة، علما أن الأساتذة لم ينتظروا هذه القرارات اصلا ولا التزموا عمليا بالشروط الموضوعة.
وقد زاد الطين بلة أن الرواتب واجر الساعة في الجامعات الخاصة ارتفع في العقد الاخير حتى ضاعفت مثيلاتها في الجامعة اللبنانية، خصوصا للاختصاصات الاكثر ندرة، ما جعل اصحاب هذه الاختصاصات يتجهون الى هذه الجامعات والتي تتمع بمرونة معقولة خارج تعقيدات وارباكات ومحاصصات الجامعة اللبنانية. كما ان نشوء الجامعات في الخليج بدأ بامتصاص النخب الاكاديمية، العلمية منها خصوصا. ولم يعد يقتصر هذا الامتصاص على المتخرجين الجدد، بل طال ركائز اساسية في كليات الجامعة اللبنانية كما في بعض الجامعات الخاصة.
واذا كانت المشكلة تبدو جلية في بعض الاقسام العلمية، الا انها سرعان ما ستطال كل الاقسام بما فيها بعض كليات العلوم الانسانية التي تبدو ظاهريا متخمة ومسترخية.
ربما يظن البعض ان مرونة القطاع الخاص قد تساهم بحل الازمة، وهذا سيكون ظنا خاطئا. فالجامعات الخاصة تلعب ادوارا اساسية في اعداد الكادرات الجامعية للبنان والخليج، وتنوع هذه الجامعات مصدر غنى رغم السلبيات الكثيرة والمعروفة في كثير منها. إلا أنها ستظل قاصرة (بما فيها الأكثر عراقة) عن ملء الفراغ الذي سينشأ من ضمور وتراجع النخب الأكاديمية في الجامعة اللبنانية، فضلا عن أنها صعبة المنال للجمهور الأوسع.
واذا ضفنا مسألة تطبيق المناهج الجديدة فاننا نرى ان المشكلة ستصبح مضاعفة لأن نظام “ال ام د” يتطلب توزيع الطلاب إلى مجموعات، ما يعني مزيدا من الاساتذة خصوصا مع تزايد اعداد هؤلاء الطلاب. علما أن بعضهم يتخذ من الجامعة اللبنانية ملجأ لا صرحا اكاديمياً، وهي تشكل ملجأ لبعض الموظفين وكثير من الأساتذة ايضا.
ورغم توسع الجامعة وانتشارها وازدياد فكرة الجامعة- الملجأ، وتحول بعض فروعها (ان لم نقل كل فروعها) الى حصون طائفية ومذهبية، فانها تبقى الاساس في إعداد الكوادر وخصوصا التعليمية. ما يعني ان ازدياد وتيرة التراجع سيؤثر بشكل دراماتيكي على مناح كثيرة في الحياة الاقتصادية والثقافية والعلمية والتربوية، رغم انها تنتج اعدادا كبيرة من العاطلين عن العمل او اشباه العاطلين. يساهم بتراجع شعبية الاساتذة، ضعفُ المناخ الاكاديمي الذي هو جوهر التعليم العالي. حتى ان بعض الكليات تبدو بعطلة شبه دائمة رغم ان المسؤولية لا تقع على الاساتذة حصرا، اذ انه عليهم تمضية معظم وقتهم بالامتحانات والتصحيح لآلاف الطلبة وفي مباني ومناخات غير سليمة، علما ان التواطؤ الضمني بين الاساتذة والطلاب والادارات في جسر العطل يساهم في زم مدة التدريس في كثير من كليات الجامعة ولنا ان نتخيل الانعكاسات المعنوية على أهالي الطلاب.
– هل يشكل ما نقوله إدانة للاساتذة؟ قطعا لا. خصوصا انهم نجحوا نجاحا إجماليا في صيانة وحماية واستيعاب الحد الادنى من المتطلبات الاكاديمية في ظروف بالغة الصعوبة، وبعضهم حافظ ونجح في استيعاب متطلبات التحديث والتجديد المترافق مع ثورة المعلومات وعصر العولمة المستند على التكنولوجيا الرقمية.
– هل يشكل ادانة لادارة الجامعة؟ طبعا لا. فنحن جزمنا بأن الادارة تشكل جزءاً من الإهتراء السياسي العام المتأتي حكما من نظام طائفي بات اعتماده على المحاصصة والزبائنية يشكل فضيحة اكثر مما يشكل حلا. خصوصا بعد اشتداد الخطر على الكيان وبلوغ الإنقسامات السياسية والطائفية والمذهبية والفئوية والمناطقية حدودا خيالية. ولنا في مسألة العمداء، واستطرادا المدراء، خير دليل على العجز في رسم الحدود الرئيسية لإدارة الازمات الاكاديمية والادارية وما يتفرع عن هذه الازمات.
– هل ندين اذا النظام الطائفي اللبناني الذي يولد العديد من الازمات بما فيها أزمات التعليم؟
المفارقة ان البديل الحالي هو التفكك أوالشمولية (وإن بنكهة لبنانية) مما سيلغي عمليا بعض نسائم الحرية التي شكلت مناخا سمح بتضافر جهود ونشاطات وتحركات من مواقع طبقية وسياسية مختلفة، معظمها من منبت يساري، لبناء وتعزيز الجامعة اللبنانية واطلاق المنافسة مع الجامعات الاخرى العريقة. ما خلق دينامية كبيرة ساهمت في تطوير التعليم العالي وتوسيع وتنويع الطبفة الوسطى، ومن ثم استيعاب معظم الصدمات وهي كبيرة دون شك، سواء في القترة الحارة من الحارة الاهلية او في الفترة الباردة منها، مرورا بالحروب الاسرائيلية على لبنان وبكل اشكال الضغوط والوصايات الاقليمية وغيرها على البلد.
طبعا لا رغبة لدينا في تجميل الوجه القبيح للنظام الطائفي في لبنان. واعتقد انه لا آفاق للبلد على المدى المتوسط الا بولوج درجات النظام الديموقراطي العلماني المرتكز على المواطنة وحقوق الفرد والجماعات والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل مما يعزز مناخات الحرية ويحرّر العقل ويساعد في تطوير وابتداع الادوات المعرفية في مجتمع معولم وممكنن وبالطبع مؤنسن.
ما احاول قوله، اننا علينا مواجهة المشكلات الاكاديمية بمرونة تتيحها نسبة مقبولة من الحرية متأتية ربما من طبيعة النظام والواقع اللبناني.علما ان مراعاة الواقع السياسي يتطلب حذرا شديدا في مقاربة معظم ازمات الجامعة. وهذا ما ينطبق طبعا على الجامعات الخاصة، بما فيها الاكثر عراقة. فهي ليست بلا ازمات، الا انها تتمتع بمرونة أكبر لمعالجة هذه الازمات باعتبارها سيدة قراراتها ويحمي معظمها مجالس أمناء تؤمن لها الدعم المالي والمعنوي، وهو غير متوفر في الجامعة اللبنانية المضغوطة والمكبلة والمتثاقلة بحجمها ووزنها باعتبارها من الآلات الاكثر ثقلا في “القطاع العام”، رغم استقلالها المالي والإداري.
لقد كنت ممن اقترحوا زيادة جدية في بدلات الانتساب للجامعة اللبنانية حين كنت في قيادة رابطة التسعينات، باعتبار ان هذا قد يحررها ولو بشكل جزئي من الضغط السياسي، على ان تدار الاموال بصندوق خاص من هيئة مستقلة بما يخدم الطلاب المحتاجين والمتفوقين. ما استدعى ردودا دار معظمها حول التآمر على الفقراء وديمقراطية التعليم، علما ان بعض من استهوتهم الفكرة طالَبَ، بحال اقرارها، “بحصة” للأساتذة كما طالب بحصة أيضا من طوابع خاصة على افادات الطلبة، كما القضاة، متابعا مطالعاته حول حماية جامعة الفقراء.
لطالما اعتقدت بان مساهمة الطلبة بهذا الصندوق كانت ستدفعهم لمزيد من الجدية والمسؤولية ولمزيد من الشعور بالانتماء وبالتالي للمحافظة على الجامعة ومبانيها وتعزيز المناخ الأكاديمي على حساب المناخات الأخرى، على أن يكون هذا الطرح في إطار إنشاء مجلس أمناء يتمتع بمرونة معينة ويتكون من نخب اقتصادية وثقافية واجتماعية واغترابية مشهود لها بالإستقلالية والعطاء والكفاءة وما أكثرهم.
أما ترداد شعارات كـ”جامعة الفقراء” و”ديمقراطية التعليم”، بعد تفريغها من مضمونها النضالي والطبقي السابق، والذي كان سائدا في ستينات وسبعينات القرن الماضي، فهو لن يؤدي إلاّ إلى مزيد من الفقر الأكاديمي وضمور المكون الثقافي في رؤوس متوترة وقلقة أصلا.
هل يعني ارتفاع حرارة الوضع السياسي ووصوله الى منحدرات خطرة ضرورة الانكفاء عن هموم الجامعة ومشكلاتها؟ وهل تستطيع هيئة قيادة رابطة الاساتذة ادارة صراع من هذا النوع؟
لا اعتقد أن الانكفاء مبرر ولكن لا أظن (الله يسترنا من الظن) أن قيادة الرابطة قادرة على مواحهة التحديات. فهي مرآة الاساتذة وهي جزء من الازمة وهي بحكم تكوينها لا تستطيع مواجهة قضية أساسية كقضية التفرغ والتي تسير على إيقاع المحاصصة المذهبية والفئوية وليس على إيقاع الحاجة والكفاءة. كما لا تستطيع مواجهة مشكلات اكاديمية كثيرة وهي مضطرة لاداء نقابوي مرتبط بالمصالح المباشرة للاساتذة والتي لا تتطابق بالضرورة مع المصلحة الاكاديمية، علما أنها ساهمت بظروف أخرى مناسبة وبشكل أساسي بمعظم الإنجازات ذات المضمون الأكاديمي كالمدينة الجامعية في الحدث والمجالس الأكاديمية المعطلة عمليا من قمة الهرم بسبب العجز عن تعيين العمداء.
لن انسى ما كان يقوله لنا احد ظرفاء الهيئة التنفيذية في التسعينات بأن مؤرخي قسمه فاقوا مؤرخي “السوربون” عددا. ومع ذلك فانني ممن يعتزون بجميع الزملاء، خصوصا باساتذة الآداب والعلوم الاجتماعية الذين أغنوا المؤتمرات والمكتبات والصحف والمراجع على أنواعها، محافظين على ميزة من ميزات البلد الثقافية. ولكن هذا لا يمنع ان المجتمع الاهلي يرى ان ما يقدمه الاستاذ في هذه الكليات، وفي بعض الكليات الأخرى ايضا، هو قليل مقارنة بالجامعات الاجنبية والخاصة مما يضع امام الهيئة مهمة صعبة وشاقة لدفع المجتمع المدني (أشدد على المدني) للتضامن في قضية الرواتب وتوابعها المالية. وهي قضية مهمة واساسية خصوصا بالنسبة للاختصاصات النادرة(العلمية خصوصا) والتي باتت الجامعة اللبنانية عاجزة على استقطابها “وربما حماية الموجود منها”، بمواجهة رواتب الجامعات الخاصة وجامعات الخليج. علما ان من يأتي الى جامعتنا من اصحاب هذه الاختصاصات يُذل عبر عقود مصالحات لا تثمن ولا تغني عن جوع، منتظرا سلة التفرغ المذهبية والتي لم تعد تبيض ذهبا بالنسبة لهذه الإختصاصات.
– هل تستطيع قيادة الرابطة صياغة برنامج اصلاحي يعمل على ابراز الحد الادنى من مقومات وتعزيز ان لم نقل وقف تراجع الجامعة اللبنانية؟
– وهل بامكانها ان تقوم ببحث جدي بموضع التفرغ ينطلق من حاجات الاقسام والكليات ويخضع لمعايير الكفاءة؟ وهل تجرؤ على طرح التفرغ الجزئي كمخرج من ازدواجية مكلفة في الكليات التطبيقية التي تحتاج إلى الخبرة العملية المستمرة والكفاءة العلمية في آن؟
واستطراداً، هل تستطيع ان تدعم قضية منح الاختصاص التي لا أمل بالتطور (وربما الصمود) دونها، بما يتوافق مع الحاجات الأكاديمية وليس المحاصصات السياسية وهذا يجب ان يطاول سياسة مجلس البحوث، لان المسألة تطال مستقبل كل التعليم العالي في البلد.
-هل تستطيع البحث في موضوع الملاك انطلاقا من معايير الحاجات والكفاءات المتناسبة مع التطورات العلمية والتربوية ومعاييرها الحديثة، خصوصا في ضوء تطبيق المناهج الجديدة؟
علما انني لا اضمر موقفا ضيقا من قضية الحاجات التي ليست محصورة فقط في الكليات العلمية بل ربما تطال اقساما في كليات انسانية تبدو متخمة، كالتواصل والترجمة واللغات الاجنبية عل سبيل المثال، مع أن المستقبل مظلم في الكليات العلمية.
– هل تستطيع الرابطة ان تتصدى فعليا للمركزية الفاحشة وللغبن اللاحق بالاطراف على كل الصعد خصوصا على صعيد الموازنة والمباني والتوظيفات والمنح وغير ذلك؟
يبقى ان الرابطة امام مشكلة المصالح المباشرة للاساتذة واهمها قضية الرواتب واستطرادا اجر الساعة وقضايا التقاعد وسنوات الخدمة والتعاضد وخلافه وهي قضايا جدية واساسية.
طبعا تمتاز الجامعات الخاصة بمرونة في ادارة قضية الرواتب، ما يجعلها مرتبطة الى حد ما بالعرض و الطلب و ما يعني أن الأجر يساوي الحاجة للكادر وكلفة تغطيتها تقريبا، وهو ما لا يمكن تطبيقه في الجامعة اللبنانية التي تحكمها قوانين عامة مرتبطة بالقطاع العام، رغم استقلالها المالي و الاداري، علما أن قانون التفرغ جرى ابتداعه خصيصا تحت ضغط الأساتذة والمجتمع المدني في سياق صعود الجامعة اللبنانية واستقطابها لفئات طبقية واسعة في عصر ذهبي مضى. وقد جرت محاولت بالسابق لربط الأجر بالحاجة الأكاديمية فلم تنجح خصوصا في بلد كلبنان وربما لن تنجح في المدى المنظور.
إذ كنا نضمر دعوة الهيئة التنفيذية للتحرك من أجل قضية الرواتب والأجور وتوابعها، فإننا نامل أن يبدا التحرك بحوار ديقراطي واسع وحقيقي مع الأساتذة أولا والذي يجب أن ينطلق من إعادة الإعتبار ليس لحقوقهم فقط، بل لواجباتهم أيضا وهي واجبات يعززها تميزهم الذهني وقدرتهم على إنتاج ونقل المعرفة، ما يعني أن التوازن لا ينطلق من الأوزان فقط وإلا نقع في الجيبة الفارغة التي أظهرها أحد الأساتذة مرة في أحد الجمعيات العمومية، وحينها قد نستحق جوابا على طريقة جواب أحد رؤساء الحكومات لرئيس هيئة تنفيذية شاك بأن مدخول بائع الموز أكثر من راتب أستاذ الجامعة قائلا له “لماذا لا تبيع الموز إذاً، يا ريس؟”
ثم عليها فتح حوار مع أهل الجامعة، طلابا وموظفين وهم أصحاب حقوق أيضا، واستكمال هذا الحوار مع جميع مكونات المجتمع المدني والسياسي والنقابي مستطلعين آفاق التنسيق بعيدا ما أمكن عن التسييس القاتل، خصوصا في الظروف السياسية والإقتصادية البالغة التعقيد والتي يمر بها هذا الوطن الغالي والتعيس في آن، على أن يشكل الحوار مع الحكومة! ومكوناتها الوسيلة الأساسية لتحصيل الحد الأدنى الذي لايمكن استقامة العمل الأكاديمي دونه، وعلى أن لاتسترهن الخطوات الديمقراطية التي قد تلجأ إليها قيادة الربطة طلاب الجامعة، خصوصا حين يمكن أن نصبح أمام الإشكالية التالية: جامعة لبنانية مضربة، طلابها في الشارع أو المنزل ومعظم أساتذتها يعلّمون باسترخاء في الجامعات الخاصة، تاركين مهمة الإعتصامات لبعض المحترفين بأكثريتهم المسيسة.
هل نضمر دعوة الهيئة للإقلاع عن الإضرابات نهائيا؟
لا أطن أن هذا ممكن بالمطلق. ولكننا نحذر بأن الإضراب سلاح ذو حدين، وحده الأخطر هو التأثير على سمعة الجامعة وسمعة الأساتذة باعتبار أن تحركهم سيكون له جانب أساسي يتعلق بتحسين سمعة الجامعة ومكانتها الأكاديميٍة، وأنه عليهم وضع أجسادهم في الشارع وليس أجساد الطلبة وبالتالي ابتكار وسائل تحرك ديمقراطي تؤدي إلى التأثير على المسؤولين وليس على الجامعة وعلى الطلبة وأهاليهم. حينذاك سيقف المجتمع المدني وغير المدني إلى جانب الأساتذة، لأن التعليم ما زال يشكل هدفا فاخرا وربما علامة دامغة للبنانيين على مختلف مشاربهم.
أما بالنسبة للقضايا العاجلة والمهمة الأخرى فبحثها يتم في سياق آخر ولكننا ندعو في عجالة إلى تشكيل لجان متابعة تخترق الحصون وتستنفر المجتمع المدني لتشكل ديناميات خاصة فبعضها لا ينتظر، كالخطرعلى بعض الأقسام العلمية(الرياضيات مثلا) والمدن الجامعية وموازنة واستقلالية الفروع أو بعضها، علما أن الإصلاح الحقيقي يتطلب كما أسلفنا ظروفا و سياقات أخرى ويحتاج إلى تضافر جهود و قوى واسعة التمثيل لا يبدو، أننا نقترب منها في هذه الظروف الصعبة.
khawaja_talal@hotmail.com
• طرابلس- لبنان