في ألمانيا، تحوّل عدد من اللاجئين المسلمين القادمين من سوريا والعراق وأفغانستان إلى البروتستانتية. وذلك، رغم استياء أقاربهم، ورغم الشكوك حول صحّة معموديّتهم الجديدة.
حتى أسابيع خَلَت، كان إسمه « علي ». ولكن حياة ذلك المسلم العراقي تغيّرت منذ « عيد الفصح ». فيعد ٧ أشهر من وصوله إلى « شتوتغارت » بألمانيا، فقد قرّر أن يغيّر دينه. وهو الآن بروتستانتي، وبات إسمه « آدم ». ويقول هذا العراقي الطويل، وعمره ٢٤ عاماً، أن إسم « آدم » كان دائماً يعجبه. ويضيف: « أشعر بشيء لا يمكن وصفه. إنه أشبه بولادة جديدة »! وكان « آدم » قبل مغادرته العراق قد تخصّص بصيانة المعدات الطبية.
وهو ليس حالةً فريدةً من نوعها. ومع أن الكنائس لا توفّر إحصاءات، فمن الواضح أن بضع مئات، على الأقل، من اللاجئين الذين وصلوا حديثاً إلى ألمانيا قد غيّروا دينهم إلى « البروتستانتية » بالدرجة الأولى. وفي « شتوتغارت »، فإن القس « حنا جوشوا »، مسؤول الجماعة الإنجيلية العربية في المدينة، والذي قام بـ»تعميد » العراقي « آدم » و٧ أشخاص آخرين قادمين من سوريا والعراق في « عيد الفصح »، سيقوم بـ»تعميد » أسرة بكاملها في الأسابيع المقبلة.
والظاهرة نفسها أوسع انتشاراً في مدن ألمانيا الأخرى. ففي « شتوتغارت » قام القس ألبرت باباجان، مسؤول الكنيسة الفارسية في المدينة، بـ »تعميد » ١٩٦ لاجئاً من إيران وأفغانستان. ويقول أن ٥٠٠ شخصاً آخرين طلبوا « العمادة » خلال العام الحالي. وتشهد « كنيسة الثالوث الأقدس » الإنجيلية اللوثرية في « برلين » ظاهرة من نفس النوع. وأيا كان يوم زيارتك لهذه الكنيسة الواقعة في شارع هادئ في « ستغلتز » في جنوب العاصمة، فإن معظم المصلين يتحدثون بالفارسية وليس بالألمانية.
درس في « الصلاة »
في يوم ٢ أبريل، تمت « عمادة » ٢٥ شخصاً من إيران وأفغانستان- أغلبهم من الرجال ولكن بينهم نساء وأطفال- في تلك الكنيسة. وتمت « عمادة » ١٥ آخرين في ٢٧ فبراير. و٢٥ غيرهم في ١٢ مارس. وفي كل مرة، كانت الكنيسة مكتظة بالحضور، الذين يندر عدد الألمان الأصليين بينهم. ويقول القس « غوتفريد مارتنز » أن عدد المؤنين في كنيسته ارتفع من ٦٥٩ شخصاً قبل عام إلى ٩٤٥ حالياً! ولفتت الظاهرة نظر زعيم الكتلة المسيحية الديمقراطية في البوندستاغ الذي قام بزيارة هذه الكنيسة المدهشة.
وتعود بداية هذه الظاهرة إلى العام ٢٠٠٨، حينما غادر لاجئان إيرانيان كانا قد اعتنقا المسيحية مدينة « ليبزيغ » إلى « برلين » والتحقا بهذه الكنيسة التي تُعتبر كنيسة محافظة. ومنذ ذلك الحين، وبفضل العلاقات الشخصية، فإن بضع مئات من الإيرانيين والأفغان يلتقون في الكنيسة بصورة منتظمة. وفي ٤ مايو، أمضى القس « غوتفريد مارتنز » ومًتَرجِمُه ١٥ دقيقة لقراءة أسماء ٢٢٢ شخصاً، لم يتخلّف منهم سوى عدد ضئيل. وكان هؤلاء من الراغبين في اعتناق المسيحية، مما يوجب عليهم أن يحضروا درساً لمدة ساعة ونصف حول « الصلاة »، مثلما حضروا قبل أسبوع درساً مماثلاً حول « القداس الديني ».
كيف تصليّ؟
يقول القس « غوتفريد مارتنز » أنه «على نقيض الإسلام، فالصلاة ليست واجباً ينبغي القيام به في لحظة معيّنة من اليوم. كذلك، فليست هنالك صياغة محددة للصلاة. الله هو أبانا. ولا يقول لنا هو، ولا أحد آخر، كم مرّة في اليوم ينبغي لنا أن نتحدث معه وما الذي علينا أن نقوله له. »! ويضيف: «يمكن أن نقول له كل ما نريد، والمهم هو أن نشكره. وسيكون حسناً أن نتوجّه له بالشكر مرة واحدة في اليوم على الأقل. وينبغي أن نكون صادقين حينما نصلي. إن بعض الإيماءات يمكن أن تساعد. مثل أن نضم أيدينا، أو أن نغمض عينينا »، مضيفاً، على سبيل المزاح: « ولو أنني لا أنصحكم بإغماض أعينكم إذا صلّيتم وأنتم تقودون سيارة »!
مع أن قلة من الحضور كانت تسجّل أقوال القسيس على أوراق أمامها، فإن الحضور بدا كلّي الإنتباه. وظلت هواتفهم في جيوبهم. علماً أنه كان هنالك ملصقات أمام كل مقعد، بالألمانية والفارسية، مفادها: « الله حاضر معنا دائماً… ونحن نكنّ له الإحترام.. إن من يتحدث أو يستخدم هاتفه يقلّل من الإحترام الواجب ليسوع المسيح ».
« لا أريد إلهاً حزيناً »!
في نهاية الدرس، يعانق القديس الرجال والنساء الذين لم يُتَح له الحديث معهم قبل الدرس. وقد بات الآن يعرفهم جميعاً، واحداً واحداً. إن هذا الرجل الصريح، والودود، الذي يتحدث بضع كلمات من الفارسية، يوحي بالثقة لرعيّته. ويجتاز بعضهم مسافة طويلة من المدينة للإستماع لعظاته. مثل الإيراني « أرتيماس »، ٣٣ سنة، الذي حصل على « العمادة » قبل ٤ سنوات، والذي يأتي إلى منطقة ستيغليز « كل أسبوع تقريباً »، مع أنه يعيش في حي بعيد.
وهو يقول: « في إيران، قمت بمقارنة الأديان المختلفة. وبدا لي أن الكاثوليكية أكثر تشدّداً، مثل الإسلام إلى حدّ ما. ولهذا فضّلت البروتستانتية. « ويضيف هذا الإيراني العازب، والذي تلقى تدريباً ليصبح بائع سيارات، أن « كثيراً من الناس يتركون الإسلام لأنه يجدونه متشدداً جداً، ولأنهم يكرهون ما يسمّى « الدولة الإسلامية ».
ولكن تغيير الدين لاعتناق دينٍ آخر ليس أمراً سهلاً. مثل هذا الإيراني الآخر، وعمره ٢٩ سنة، الذي وصل إلى برلين في مطلع السنة، والذي يحضر دروس « غوتفريد مارتنز »، ولكنه يظل متردداً. وهو يقول: « أنا مسلم، ولكنني لا أريد إلهاً حزيناً، أو إلهاً يقتل. في إيران، كنت بحثت عن معلومات عن الأديان الأخرى، ولكن الشرطة تراقب الأماكن التي تتوفر فيها مثل هذه المعلومات. هنا، أبحث عما يتناسب مع معتقداتي. إن الكاثوليكية أكثر تشدداً. أنا لا أخاف من أن أصبح مسيحياً، ولكن ليس من السهل أن تترك الإسلام بدون أن تترك عائلتك »!
في « شتوتغارت »، قال لنا العراقي « آدم » أنه غيّر دينه حينما غادر بغداد لأن والدته، وأصلها كلدانية كاثوليكية، وافقت على ذلك، وكان أباه قد توفّي.
جدير بالذكر أن عمليات تغيير الأديان ليست سهلة، سواءً للراغبين أو للسلطات الدينية. ويقول الكاهن « حنا جوشوا »، وأصله لبناني، أن « أغلبية القساوسة ليسوا محبّذين للفكرة »! إن « الكنائس الكبرى تتردّد في الحديث عن الظاهرة، لأنها تفضّل تجنّب الصراعات، ولأنها تخشى من أن تؤثر على الحوار بين الأديان. » وذلك، « خصوصاً أن الخروج من الإسلام يُعتبر موضوعاً حساساً جداً بالنسبة للمسلمين »، كما يقول « جورن تيلمان »، الذي يدير »مركز الإسلام والحقوق في أوروبا » في دامعة « إيرلانغين-نورمبرغ في بافاريا.
رغم ذلك كله، فقد نشرت الكنيسة البروتستانتية، في آخر سنة ٢٠١٣، كتيّباً موجها للقساوسة من أجل مساعدتهم في « التعامل مع طلبات اعتناق المسيحية من جانب طالبي اللجوء ». ويضيف أن طلبات اعتناق المسيحية تمثل « حدثاً إيجابياً » بالنسبة للكنائس التي يتضاءل عدد روادها، ولكنه يقول أن « القساوسة يبدون شكوكهم أحياناً حول ما إذا كان الراغبون في تغيير دينهم قد فكروا في الموضوع ملياً. وهل تدخلُ في الإعتناق الرغبة في طلب اللجوء في ألمانيا؟ » ويتساءل الواحد منهم: « هل شرحت كفايةً أن تغيير الدين لا يحول تلقائياً دون الطرد من البلاد؟ وهل ينبغي علي أن أقترح فترة انتظار أطول قبل تقديم « العمادة » لطالبي اعتناق المسيحية ؟ »
والواقع أن هنالك بعض الشك حول بعض من يغيرون أديانهم. فهل لا يفعلون ذلك لكي تصبح عودتهم إلى بلادهم أكثر خطورة، الأمر الذي يجبر ألمانيا على إعطائهم حق الإقامة؟ للحؤول دون ذلك، تؤكد الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا أن « العمادة » تقتضي « سنة من التحضيرات ». ومن جهتها، تكرر وزارة الداخلية أن اعتناق المسيحية لا يضمن الحصول على حق اللجوء.
ورغم ذلك، يعتبر بعض اللاجئين أن ذلك يوفّر لهم فرصة إضافية. فهذا الأفغاني اليائس، وعمره ٤٧ سنة، الذي قابلناه في كنيسة « ستيغليز » قال لنا: « أنا في ألمانيا منذ ٥ سنوات، ولكنني لم أعد أحصل على راتب لجوء منذ شهرين، وتم إبلاغي بأن علي أن أعود إلى أفغانستان. وهذا مستحيل: فالطالبان يهددونني لأنني قبل رحيلي من البلاد كنت قد عملت مع « أطباء بلا حدود ». والحقيقة أنني غادرت أفغانستان مع عائلتي لهذا السبب. سأقوم بتغيير دائماً لأنني بحاجة إلى الإيمان وكذلك لأنني أريد أن يبقى أطفالي في ألمانيا. أما زوجتي، فإنها تريد أن تظل مسلمة ».
ولكن حالات « تغيير الأديان لأسباب قانونية » تظل أقلية، حسب ما قال لنا « جورن تيلمان »: « إن أغلب من يغيّرون دينهم يشعرون بحاجة روحية حقيقية، ويعتقدون بأنه يتم استغلال الإسلام لغايات سياسية. ولكنهم يعرفون أن اعتناق المسيحية يعرّضهم للإنقطاع عن عائلاتهم، وعن أصدقائهم، ويعرضهم لردود فعل عدائية من جيرانهم.. ».
والواقع أن القسيس « غوتفريد مارتنز » قد ندّد، عند استقباله لرئيس كتلة النواب « المسيحيين الديمقراطيين » في البوندستاغ، بأعمال العنف التي يتعرض لها من يعتنقون المسيحية في مراكز الإيواء التي تستقبلهم لدى وصولهم إلى البلاد. سواءً من جانب اللاجئين الآخرين، أو من جانب عناصر الأمن من المسلمين. ولهذه الأسباب، يرفض عدد ممن غيروا دينهم أن تُذكَر أسماؤهم. ويقول القس « غوتفريد مارتنز » أن التخوّف من أن البعض يطلب « العمادة » لأسباب مصلحية لا أساس له من الصحة: « إن ٦ بالمئة من أبناء الرعية من أصول فارسية أو أفغانية لم يحضروا للعمادة في العام الماضي، مقابل ثلث أبناء الرعية من الألمان أو الألمان من أصول روسية »!
من جهته، يقول القسيس « حنا جوشوا »: « أنا لا أقبل بعمادة أي شخص لا ينتمي إلى طائفتنا، أو لم يتبع دروساً مكثفة حول الدين، أو ليس مقتنعاً هو شخصياً، أو أي شخص يشتم الإسلام »!
ويضيف: « لقد بدأت بعمادة أشخاص منذ سنوات التسعينات. وأولئك ما زالوا أول من يتصل بي لمعايدتي في عيد الميلاد وفي الفصح. » وبعد إعلانه رفضه للتبشير، فهو يقول أن « الدورات المقبلة لمن يرغبون في الحصول على العمادة لا تبدأ إلا في شهر سبتمبر. وإذا كان البعض مستعجلاً لتغيير دينه، فيمكنه أن يذهب إلى كنيسة أخرى »!
مع ذلك، فالدور الذي يلعبه القس « حنا جوشوا »، مثله مثل القس « غوتفريد مارتنز » لا يقتصر على شؤون الكهنوت. وذلك، بدون شك، أحد أسباب نجاحهما أيضاً. ويقول هذا القس الضرير، الذي واجه هو الآخر عقبات امام الإندماج في المجتع الألماني حينما وصل ألمانيا في سنوات الثمانينات: « إن تقديم « العمادة » ليس سوى جزء صغير من عملنا. فنحن نقوم بترجمة المستندات، ونبحث عن مسكن، ونسعى لنجد لهم أصدقاء في أماكن قريبة. لدينا شبكة واسعة في كل أرجاء جنوب ألمانيا. ونحن نعرف مدى صعوبة الإندماج ».
أما القس « غوتفريد مارتنز »، فقد أقام صالتي منامة في الطابق السفلي للأبرشية من أجل استقبال اللاجئين الذين لا يملكون مسكن. وكل يوم أحد، بعد القداس، يقوم متطوعون بدون أجر بإعداد « وجبات طعام فارسية أو أفغانية لذيذة » لحوالي ٤٠٠ شخص. وهذه مبادرات مادية ضرورية للاجئين غالباً ما يُعانون من العزلة.
(ترجمة “الشفاف”نقلاً عن “لوموند”)
الأصل الفرنسي:
En Allemagne, des réfugiés musulmans se convertissent au protestantisme