كانت سحب الدخان الطالعة من مباخر الفضائيات التي أشعلت بخورها بجمر حرب صعدة اليمنية على شرف “الخبراء” من اليمنيين بالشأن الصعداوي كفيلة بلفت النظر إلى فداحة الخطر وتداعياته المتفلتة بنذر محرقة تعم البلاد.
وكانت البداهة تقترح الانجرار لمناقشة ما قاله “الخبراء” الذين أطلوا علينا عشية زيارة رئيس الجمهورية اليمنية لواشنطن، ولكن مزاجي المعتكر ألحَّ باقتناص المقطع الملهاوي الفائض من سخام مأساة الحرب التي دخلت شهرها الرابع.
وعلى اثر اعلان السلطات اليمنية عن تورط ليبيا في دعم ” الحوثيين ” الذين يخوضون مواجهة عسكرية شرسة مع القوات الحكومية، ذهبت أسأل: ما الذي قذف بـ”الزعيم” القذافي إلى قلب القذائف الملتهبة بصعدة المتأخمة للسعودية؟
ولما كنت أعلم بأن السؤال يختزن إجابته، فقد انداحت أطياف القذافي البانورامية الملونة قدامي، وتجلى بمشاهد خاطفة وهو يخوض معركة الانقلاب على العالم بدعم الهنود الحمر في أمريكا، وفي تمويل ونصرة الجيش الأحمر الإيرلندي، وفي إشعال الكثير من الحرائق في أرجاء كثيرة من العالم، والتبرع لإطفاء الكثير من الحرائق بأرجاء أخرى.
ولما كنت أعرف بأنه لا ينفك عن التوسط لحل النزاعات والمصالحة بين فرقاء الحروب من كافة الجنسيات، فقد وجدتني أصدق القصة المتداولة الشائعة التي تؤكد بأن رئيسنا هو الأذكى بالمقارنة مع أقرانه العرب، والأذكى حتى من الرئيس بوش ذاته، بإطلاق لقناعتي بأنه الرئيس الأغلظ غباء من بين كل الزعماء الذين عرفت منذ وعيت نفسي في الدنيا.
وتقول القصة التي تحكي ما صار بين الرئيس صالح والقذافي بأن صاحبنا وهو مزيج كميائي عجيب من الذكاء والدهاء، لعب على ورقة نرجسية العظمة المتضخمة لدى “الزعيم” القذافي من موقع الخبير بغرامه في التوسط وولعه بالتورط.
وتضيف أن رئيسنا ألمح للقذافي بأن حل مشاكل العالم يكمن في “الكتاب الأخضر” ولم يتوقف عن إطراء مناقبه ومبادراته- “العملاقة” لحل النزاعات في معظم البلدان والقارات وبراعته، وبالأحرى صرعته في حل النزاع بمنطقة الشرق الأوسط (مشروعه لدمج الفلسطينيين بإسرائيل تحت اسم دولة إسراطين).
وبعد الديباجة التي تشيد بدوره كأكبر إطفائي للحرائق أو مشعل لها في حال عدم تمكنه من إطفائها، أشار عليه –الرئيس للقذافي – بمحنة صعدة التي يستطيع حلها بجرة قلم، وإن لم، فبمهاتفة وضيافة للحوثي وزوده بتلفون الأخير. وعندما اطمئن إلى أن الطعم أصبح في حلق “الزعيم” سارع لمهاتفة الملك عبدالله بن عبد العزيز ليبلغه بتورط القذافي بما يجري في صعدة وإصراره على وضع بصمته على الحدث، ما يعني إثارة السعودية ومليكها صاحب الفطرة الطيبة والمستجيبة لهكذا إشارات كريمة تحذره من نفاذ القذافي إلى خاصرته: صعدة.
وتُضيف القصة أن الرئيس قال، من حيث لم يقل، ها هو القذافي الذي كان يريد اغتيالكم يدعم الانقلاب علينا، وها نحن نقف على خط واحد، فلماذا لا نقف وقفة رجل واحد؟
وتتوالد القصة لتشير، في نسخة أخرى، إلى أن ذلك ما حصل أيضاً بين الرئيس حقنا والرئيس الأمريكي عندما شكت بلادنا من تورط إيران في حرب “صعدة” وعزفت على وتر الثأر بين بوش ونجاد، ولوحت باسم الحوثي كمعادل لاسم مقتدى الصدر، وكذلك الحال كان مع إسرائيل عندما جرى التلويح بورقة يهود صعدة.
والخلاصة أن ما هو أدهى وأنكى من محنة صعدة يتجسم بتلك القراءة الشائعة والسائدة في اليمن لأخطر الأحداث وهي ليست قراءة مقطوعة الصلة بمناهج التحليل والبحث السوسيولجي والتاريخي والاجتماعي والسياسي فحسب وإنما تتغذى على ذهانات وهذيانات (القات) والخرافات والأساطير، وتركنُ إلى ما تشيعه مناخات القطبية البوشية الواحدة.
mansoorhael@yahoo.com
* كاتب – من اليمن
فيما قذف بالقذافي إلى صعدة؟!
لاحظت أنه عندما أردت حفظ الصفحة لم يكن عنوان المقال مكتوبا في الخانة المخصصة بأسم ( file name ) بل كانت كلمة شفاف الشرق الاوسط بالانجليزية هو المكتوب أتمنى التصحيح ليصبح اسم عنوان المقال هو المكتوب تلقائيا في الخانة