إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
عندما أوفدت الإدارة الأمريكية في عام 1982 “فيليب حبيب” مبعوثاً خاصاً إلى المنطقة، كان هدفُها منعَ “شارون” من غزو بيروت وإنقاذَ البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية.. قدر الإمكان.
لم ينجح “فيليب حبيب” في أي من المهمتين. لسببين: أولاً، تَمَسُّكُ
إسرائيل بأي سياسة تتعلق بـ”الأمن القومي”، وهو مصطلح فضفاض بالنسبة للولايات المتحدة وخاضع لتفسيرات مختلفة ولكنه ليس كذلك بالنسبة لاسرائيل. وثانياً، الانتخابات الرئاسية الأميركية، الجارية آنذاك، التي ألهت صناع السياسة الأميركية عن مراقبة كل خطوة من خطوات الحرب الدائرة.
في حينه، ظن السياسيون اللبنانيون، بطريقتهم الساذجة، أن فيليب حبيب (اللبناني الأصل) سيتعاطف مع قضيتهم ويساعدهم على أي حال، على الرغم من التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل.
وبالنتيجة، غادرت منظمة التحرير الفلسطينية بيروت مهزومة ومُذَلَّة واضطرت إلى مغادرة طرابلس مرة أخرى، بعد بضعة أشهر. وبعد أن هُزمت في الجولة الأولى على يد ّشارون”، هُزمت في الجولة الثانية على يد حافظ الأسد الذي رأى في عرفات خطرًا على نظامه.
وإذا ما انتقلنا سريعاً إلى عام 2024، نجد أن “عاموس هوخشتاين”، الذي اعتقد السياسيون اللبنانيون بأساليبهم الساذجة نفسها أن سياسة لبنان وخاصة قائمة أمنياتهم/أوهامهم السياسية ستكون أولوية على الأمن القومي لإسرائيل، قد جاء في خضم الانتخابات الرئاسية الأميركية.
كانت مهمة “عاموس هوخشتاين” هي إيقاف نتنياهو وإنقاذ أكبر قدر ممكن من البنية التحتية لحزب الله، الذي يُشار إليه في لغة أوباما الدبلوماسية على أنه ”أصول خاصة إيرانية“ تستحق الحفاظ عليها.
وقد فشل في الأمرين مع استمرار إسرائيل في حربها على حزب الله الذي بات مهزوماً إلى درجة أن أنصاره لم يتمكنوا من دفن زعيمهم القتيل، واضطروا إلى الحَفر لاستخراج بديله من بين الأنقاض. كما أن آخر من عيَّنتهُ إيران في منصب القيادة مختبئ ومن المحتمل أن تغتاله اسرائيل. وربما يتم إبعاد مقاتلي حزب الله أيضاً عن بيروت باتجاه سهل البقاع وبعلبك، وربما يتم القضاء على مقاتلي حزب الله مرة ثانية، إما على يد بشار الأسد (وهذا تقليد عائلي) أو من قبل البراغماتيين الإيرانيين الذين يرون في الحزب تهديداً لنظامهم.
لقد جاء كل من حبيب وهوخشتاين في مهمة محدّدة، وفي الحالتين اصطدمت مُهَمَّتهما بإصرار إسرائيل على حماية نفسها وعدم اكتراث كل من منظمة التحرير الفلسطينية عام ،1982 وحزب الله عام ،2024 بشعبها، بل وإصرارهما على لَعبِ أوراقهما الخاسرة حتى آخر مراهنة و آخر فلس.
هؤلاء القادة المهووسون بجنون العظمة، مثل عرفات ونصر الله، نادراً ما يخيبون آمال جماهيرهم: فهم يثيرون حماستهم في أوقات السلم ويقدمون لهم الأعذار – وليس الانتصارات- في أوقات الحرب. ما يثير القلق هو أن الحشود العربية تقع دائماً في مثل هذا الفخ كما لو أنها في مكان ما تحب أن تصدق الروايات و الأكاذيب بدلاً من مواجهة الواقع على الأرض. لكن هذا التفكير الوهمي لا يقتصر فقط على الجماهير العربية بل يتسرب إلى المستويات العليا من المثقفين.
في عام 1998، كتب فؤاد عجمي، الأستاذ والباحث الراحل في الجغرافيا السياسية في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، كتاباً بعنوان ”قصر أحلام العرب“. الفصل الأخير بعنوان ”السلام اليتيم“ يتحدث فيه “عجمي” عن معارضة المثقفين العرب للتسوية السلمية مع إسرائيل. يُشَخِّصُ “عجمي” العرب بأنهم يعانون من أعراضٍ لا يمكن وصفُها إلا بالذهان الجماعي. فعلى عكس المجموعات العرقية/القومية الأخرى، لا يبدو أن للعرب أهدافًا أو خططًا أو غايات أو إحساسًا بالهدف. ووفقًا لـ”عجمي”، يعاني العرب من الهذيان“ (ص132) و”الوهم السامي“ (ص 80). فهم يتوهمون”آمالًا باهظة“ غير واقعية و”أحلامًا“ بقصور لا يمكن تحقيقها (ص 130). كما أنهم يحملون ”أفكارًا جريئة وخيالية“ (ص 130). والثقافة العربية ”عِرضة للأساطير“ (ص 178)، والقومية العربية “سَراب” (ص 246) وتاريخها ليس سوى ”مأساة“ و”مهزلة“ (ص 246).
وتستمر إسرائيل في الازدهار، ويستمر العرب في الحلم…….. من “حبيب” آخر و”هوخشتاين” آخر، و فرص ضائعة في كل مرة.