لماذا استقال روبرت فورد من منصبه كمسؤول عن “الملف السوري” في إدارة فورد؟ الأرجح أنه استقال لنفس الأسباب التي دفعت سلفه (وصديقه) فردريك هوف للإستقالة! وهذه الأسباب تتلخّص بالخلاف مع إدارة أوباما التي اعتمدت سياسة “النأي بالنفس” عن الصراع السوري! أوباما لا يريد أن يتورّط في سوريا، بكل بساطة!
ولكن استقالة فورد مهمة لأن معارضة سياسة (أو “لا سياسة”) أوباما باتت تشمل الخارجية الأميركية بمعظم دوائرها، وقد تشمل وزير الخارجية كيري نفسه!
هل يغّير أوباما سياسته؟ ربما، إذا ارتكب الأسد حماقات كبرى..! أو تحت تغيير رأي عام أميركي بات ينتقده على غرار ما انتقد الرئيس كارتر من قبله! وليس مألوفاً أن تدعو جريدة رصينة مثل “الواشنطن بوست” الرئيس أوباما لاستخدام القوة العسكرية في سوريا. في العادة، يسارع الرؤساء الأميركيون لاستخدام القوة العسكرية، فتنتقدهم الصحافة..
بيار عقل
*
بعد تقاعده من وظيفته كسفير للولايات المتحدة في سوريا، يوم الجمعة الماضي، كيف يقيّم السفير (السابق) روبرت فورد الوضع السوري؟
في ما يلي التعليقات التي أدلى بها في مؤتمر بجامعة ”تافت”، كما نقلتها جريدة ”كريستشان سيانس مونيتور”:
١- مسؤولية فشل مؤتمر جنيف ٢
تقع ١٠٠ بالمئة على الجعفري.
قال فورد: ”معظم النقاشات خلف الأبواب المقفلة كانت عبارة عن إهانات يوجهها ممثلو النظام لوفد المعارضة، ومفادها أنه لا يمثل شيئاً”!
٢- المعارضة لا تساعد قضيتها
القاعدة العلوية للأسد أكثر ضعفاً بكثير مما يتراءى. وقد وقعت مظاهرات ضد الأسد حتى في مدينته،
“القرداحة”. إن ما يحول دون تخلي العلويين والأقليات الأخرى عن النظام هو خوفهم الحقيقي من أن يتعرضوا للذبح على أيدي الإرهابيين الأجانب إذا ما سقط الأسد. وحدها “المعارضة” يمكن أن تبدّد تلك المخاوف.
ولكن أداء المعارضة لجهة تمييز نفسها عن عناصر ”القاعدة” كان تافهاً. فهنالك أشخاص عاطلون جداً الآن في جانب المعارضة في سوريا الآن. هل تستطيع المعارضة أن تظهر أنها مستعدة لمدّ يدها، وهل تستطيع أن تتوصّل إلى تصوّر أمني وسياسي يسمح بتوحيد السوريين على امتداد انقساماتهم الطائفية؟
بقدر ما تسارع المعارضة إلى تحقيق تلك الشروط، بقدر ما سيتسارع انهيار قاعدة الدعم التي يتمتع بها الأسد!
وأضاف فورد:
في جولة المفاوضات الأخيرة في جنيف، أصيب ممثلو الدول المشاركة بالدهشة إزاء عدد الرسائل التي تلقوها من دمشق والتي كانت تتمنى نجاح المفاوضات. ”حتى في الطائفة العلوية، فالناس تريد الخلاص. وهم ليسوا مرتاحين إلى الوضع الذي انتهوا إليه الآن!
٣- ينبغي أن تشارك الجماعات المسلحة، وحتى ”الجهاديون”، وحزب الله، في المفاوضات
قال فورد أن علاقات الولايات المتحدة مع جماعات المعارضة المسلحة قد تعمّقت. وكشف أن ٤ ممثلين لتلك الجماعات - ”لا أقصد الجماعات الإرهابية”- كانوا في جنيف-٢، ولكنه رفض الكشف عن هوية الجماعات التي شاركت!
أضاف فورد أن مزيداً من الجماعات المسلحة ينبغي أن تشارك في المفاوضات، وأن الموافقة التي عبرت عنها ”الجبهة الإسلامية”، المدعومة من السعودية تصب في ذلك الإتحاه.
وقال: ”لا تستطيع أن تقوم بمفاوضات جدية بدو التفاوض مع الناس الذين يملكون السلاح. هذه حرب، وبالتالي فلا بدّ من إشراكهم”.
وأضاف أن ذلك ينبغي أن يشمل الجانب الآخر، أي النظام: الجيش السوري، و”حزب الله” الذي أرسل ألوف المقاتلين إلى سوريا، و”الحرس الثوري” الإيراني الذي ما زال يقدّم للنظام مساعدة جدية ولو أنها باتت أقل ظهوراً، كل هؤلاء ينبغي أن يكونوا ممثَّلين في المفاوضات!
٤- حتى إيران
يعتقد فورد ”أننا لم نخسر شيئاً بغياب إيران عن الجولة الماضية”. ولكن إيران تملك نفوذا يفوق نفوذ أية دولة أخرى في سوريا، وتملك مصالح حقيقية في إبقاء الأسد في السلطة. ولذا فلا بد أن تكون على طاولة المفاوضات في المستقبل.
٥- هل يمكن أن تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية في سوريا؟
يقول فورد أن التهديد بتوجيه ضربة عسكرية في العام ضد إدى إلى إتفاقية التخلي عن الأسلحة الكيميائية، وذلك لأن سوريا وروسيا كانتا تعتقدان أن الولايات المتحدة تنوي فعلاً توجيه ضربة عسكرية!
ولكن فورد حذّر من أن مصداقية الولايات المتحدة سوف تتبدّد بسهولة إذا ما هدّدت الولايات المتحدة مرة ثانية باستخدام القوة العسكرية من غير أن تنفّذ تهديدها- أيا كانت العواقب!
وأضاف: ”لا أعرف ما هو القرار الذي سيتخذه الرئيس، ولكنني أعرف أن تلك النقطة، أي مصداقية الولايات المتحدة، لها وزنها في النقاشات الداخلية. وإذا ما استخدمنا القوة العسكرية، ولم يؤدّ ذلك إلى وضع حد للحرب الأهلية… فيسيسأل الناس ”والآن، ماذا ستفعلون؟” ويعني ذلك أننا سنضطر إلى مزيد من التصعيد. وذلك ما يجعل الرئيس أوباما يتردد، في اعتقادي”.
وفي ما يبدو كتعبير عن نقاش حقيقي دار بين السفير والرئيس الأميركي في وقتٍ ما، أضاف فورد: “أعتقد أن ما يريد الرئيس أن يفهمه هو: ماذا سنحقق إذا ما ابتدأنا باستخدام القوة؟ وإذا ما لجأنا إلى التصعيد، فكيف نضبط المستوى الذي سنصل إليه؟ وجوابي هو أنه “من الصعب جداً أن نقول أننا نعرف الأجابة على كل تلك الإسئلة، سيدي الرئيس”!!
بالمقابل، أكّد السفير فورد أن الرئيس أوباما لا يخشى من استخدام القوة العسكرية. وقال أنه ”راهن على عملية أسامة بن لادن وحصد نتائج عظيمة. وأنا لا أقول أن الولايات المتحدة لن تستخدم القوة العسكرية أبداً في سوريا. ذلك ليس اعتقادي.
٦- لا ينبغي للأسد أن يترشّح للإنتخابات الرئاسية في شهر حزيران/يونيو
قال فورد: ”لا أستطيع أن أتصوّر بأي شكل من الأشكال أن معظم المقاتلين الذين يقاتلون الآن ضد نظامه، أو أن
الدول التي تدعم المقاتلين، سوف يتراجعون إذا ما ظل الأسد في السلطة”.
وأضاف: ”لا يمكن لرجل واحد أن يأخذ بلداً بأكمله كرهينة”.
٧- الحصيلة هي مجموعة من ”الكانتونات” التي تسيطر عليها جماعات مسلحة محلية
قال فورد أن الدولة السورية ”تنهار يوماً بعد يوم”. وهي لا تملك القوة البشرية لاستعادة مقاطعات مثل ”الرقة” و”دير الزور” أو الشمال الكردي. ولا يمكن للنظام السوري أن يجبر المقاتلين الأجانب الذي يعتمد عليهم بصورة متزايدة على القيام بمهمة استعادة تلك المقاطعات.
بالمقابل، لا تستطيع المعارضة أن تتغلّب على النظام في معظم أنحاء البلاد.
والحصيلة هي ”كانتونات” أمر واقع، تسيطر على بعضها جماعات مسلحة محلية. أي حصيلة لا تشبه على الإطلاق سوريا التي تعرّف عليها فورد حينما وصل إلى دمشق في العام ٢٠١٠.