في تقرير لمراسلها في غزة، نشرت جريدة “لوموند” الفرنسية تقريراً اليوم جاء فيه أنه “منذ استيلائها على السلطة في يونيو 2007، فإن حركة “حماس” لم تتعرّض لمثل حالة العزلة التي تعيشها حالياً. إن سيطرة “حماس” على قطاع غزة ما تزال بدون منازع، كما تشهد على ذلك حركة “فتح” ومثلها “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”. ومن “جباليا” في الشمال ؟إلى “رفح” في الجنوب، فإن أعلام “حماس” الخضراء ترتفع وحدها ولا تترك سوى حيّز ضئيل للعلم الفلسطيني.
“ولا يختلف الحال في ما يتعلق بالحريات السياسية. ويوجز رئيس المكتب السياسي لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، “رباح مهنّا”، الوضع بقوله: “حتى الآن، فإن حماس لم تهاجمنا. وتظل نشاطاتنا حرّة ضمن الحدود التي فرضتها علينا حماس. وهذا يعني أن مناضلينا يحتفظون بأسلحتهم في منازلهم”. أي أن السُحًب لا تأتي من الجبهة الداخلية، مع أن تعليقات الغزّاويين تعطي إنطباعاً بأن شعبية “حماس” تتّجه إلى التآكل.
“إن مشكلة “حماس” هي، بالأحرى، إستراتيجيّتها وتحالفاتها. فـ”حركة المقاومة الإسلامية” (الإسم الكامل لـ”حماس”) تعيش وضعاً صعباً على أربع جبهات على الأقل: فالمفاوضات مع إأسرائيل بصدد إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي-الفرنسي “غيلاد شاليط”، المحتجز في غزّة منذ 2006، ترواح مكانها، في حين كانت “حماس” تراهن على التوصّل إلى إتفاق من أجل إضعاف “فتح. وبعكس حركة “فتح”، التي يتزعمها محمود عبّاس، فما تزال “حماس” ترفض توقيع الوثيقة المصرية التي يُفتَرَض أن تشكّل أساساً للمصالحة الفلسطينية.
“إن قر ار اقاهرة بإنشاء جدار فولاذي تحت الأرض على امتداد “ممر فيلادلفيا”، من أجل وقف الأنفاق المحفورة على الحدود المصرية، يشكّل تهديداً إقتصادياً حيوياً. ورابعاً، فإن زيادة حدّة الأزمة السياسية في إيران، “العرّاب” المالي والعسكري التقليدي لـ”حماس”، تنذر بفترة من التخبّط وعدم الوضوح. ويقول “أحمد يوسف”، وهو المستشار السياسي لـ”إسماعيل هنيّة”، أن “إسرائيل ستواصل حصارها طالما ظلّت حماس تمسك السلطة في غزّة”.
“ويضيف أن إسرائيل لن تُبرم إتفاقاً بشأن “غيلاد شاليط” لأن “توقيع الإتفاق يعني أنها ستخسر ذريعةً تسمح لها بمواصلة الحصار. وفي أي حال، فنحن لن نقبل بخروج المساجين الفلسطينيين الذين يتم إطلاق سراحهم إلى المنفى” (تطلب إسرائيل نفي 120 من المساجين خارج الضفة الغربية)، وبناءً عليه فلا أعتقد أنه سيتم قريباً توقيع إتفاق بشأن شاليط”. علاوة على ذلك، فالمفاوضات الفلسطينية-الفلسطينية تمثّل خطراً سياسياً على “حماس” التي تشعر أنها في وضع ضعيف.
“هنالك ثلاثة أسباب على الأقل لخيبة الأمل الشعبية إزاء “حماس”: فالبطالة والفقر آخذان بالتزايد. وهالة “حماس”، بصفتها الحزب المقاوم الوحيد ضد “المحتلّ”، آخذة بالإنحسار مع استطالة الهدنة الواقعية مع إسرائيل؛ وأخيراً، فإن إخفاق “حماس” في التحوّل إلى حزب حكومي يجعلها مضطرة لتسيير شؤون 4،1 مليون غزاوي كحزب إسلامي يلجأ بالدرجة الأولى إلى القمع البوليسي.
“ويوجز ديبلوماسي أوروبي الوضع بأن “حماس لم ترغب بتوقيع “ورقة الطريق” المصرية لأنها لا ترغب بخوض الإنتخابات الفلسطينية من موقع ضُعف”. ويشير “سامي عبد الشافي”، وهو رجل أعمال ومعلّق صحفي، إلى أن هنالك إجماعاً غير مُعلَن حول هذه النقطة: “فالأميركيون، على غرار الإسرائيليين، لا يرغبون في تشكيل حكومة فلسطينية تضم وزراء من حماس”.
“لكن، هل تشجع القاهرة حركةََ “حماس” على قبول حلّ وسط مع “فتح”؟ وفقاً لهذا المنطق، فلو كان معبر “رفح”، الذي يمثّل نقطة العبور الرسمية الوحيدة مع مصر، مفتوحاً على مصراعيه، لكانت “حماس” أقل استعداداً للتوصّل إلى حلّ وسط مع “فتح”. وهذا لا يبقي سوى على هامش بسيط مع سياسة تشديد الضغط بصورة متزايدة على “حماس”، كما تطالب الولايات المتحدة. فإذا ما تهاوى “إقتصاد الأنفاق”، فإن شعب غزّة هو الذي سيدفع الثمن، وليس الجهاز السياسي لحركة “حماس”.
“لقد سعت “حماس” للخروج من حالة العزلة والحصار التي تعيشها عبر المطالبة بتضامن عربي. وقد توجّه رئيس مكتبها السياسي، “خالد مشعل”، الذي يعيش لاجئاً في دمشق، إلى الرياض في 5 يناير للإجتماع مع المسؤولين السعوديين. وكان لزيارته هدفان: إقناع المملكة بالتدخل لدى الرئيس حسني مبارك لكي يتخلّى عن مشروع “تسوير” غزة؛ والتقارب مع السعودية بعد أن بدا أن إيران قد دخلت في مسار سياسي لا يعرف أحد ماذا سيكون مآله.
لقد أعلن وزير خارجية السعودية، “سعود الفيصل”: “طلبت من مشعل ان يوضح لنا اين تقف حركة حماس من القضية الفلسطينية بمعنى هل (تعتبرها) قضية عربية ام هي قضية تتبع طرفا اخر”، في تلميحٍ إلى إيران. ويقول “رباح مهنّا” أن السعودية لن ترفض تقديم دعم مالي لـ”حماس”، ولكنها تضع شرطين: أن تقبل “حماس” بالمصالحة الفلسطينية، وأن تستخدم نفوذها المُفتَرَض في اليمن للمساهمة في تهدئة التمرّد الحوثي في الشمال الذي يثير قلق الرياض.
“ليس هنالك دلائل على أن “خالد مشعل” قد أقنع السعوديين. ويقول مستشار هنية، “أحمد يوسف”، أن “إيران تقدّم لنا دعماً مهماً، مالياً ومعنوياً وسياسياً، وهذا ما يميّزها عن الدول العربية التي تدفع ثمن تحالفها مع الولايات المتحدة”. ومع ذلك: فمع دخول إيران في مرحلة تقلّبات سياسية، ومع إعطاء مصر الأفضلية لتحالفها مع الولايات المتحدة على حساب التضامن العربي، فإن مستقبل غزة ومستقبل حركة “حماس” يبدو ملتبساً.
مراسل “لوموند”: Laurent Zecchini