يبدو مناف طلاس أقرب إلى ممثل في هوليوود منه إلى جنرال في الجيش. وإذا لم تخنّي الذاكرة، فإنني لم أر جنرالاً تنسدل خصلات شعره على جبينه وقفاه، على طريقة المذكور. وإذا كانت هذه التفاصيل ثانوية، فإن الجوهري في الأمر أن مناف طلاس ينتمي إلى نخبة أبناء العسكريين والحزبيين، الذين استولوا على سورية في العام 1963، وأسهموا في إنشاء وتعزيز عرش حافظ الأسد، وفي تكريس نظام العلويين، وفي تمكين ابنه، بشّار، من وراثة البلد شعباً وجيشاً ومصيراً ومقدرات ومؤسسات.
كان الأولاد في الحضانة، أو في عالم الغيب، عندما وصل آباؤهم الفقراء والريفيون إلى سدة الحكم في حاضرة الأمويين. ومنذ أواسط الثمانينيات صعد الأبناء إلى الواجهة، وارتقوا سريعاً في الجيش والبزنس والأمن وبيروقراطية الدولة، صعدوا درجات السلّم الوظيفي والاجتماعي والسياسي والمالي بقفزات واسعة، وشبه خيالية، وأصبحوا مع حلول عقد التسعينيات سادة البلد، ونخبته الجديدة.
مع الوصول إلى هذا الحد سأنتقل إلى أمرٍ آخر، ولا صلة في الظاهر بينه وبين مناف طلاس. وما حرّضني عليه يتمثل في مقالة يتداولها الناس على الإنترنت موقعة باسم غسّان بن جدو، المراسل ومقدّم البرامج السابق في فضائية “الجزيرة”. يناقش بن جدو، في مقالته تلك، الثورات العربية، وينعى غياب المفكرين والقادة والفكر، وكلها أشياء حكم غيابها، في نظره، على الثورات بالوقوع في درك الفوضى، وضياع البوصلة، واستنفر مخزوناً هائلاً من الطاقة التدميرية.
لا بأس. هذه وجهة نظر تستحق التدبير والتفكير، وقد عبّر عنها آخرون من قبل. ولكن طريقة المراسل ومقدّم البرامج السابق في التعبير عن وجهة نظره مُستفزة، ويصعب التغاضي عنها، فمن الواضح أن طريقته في الكتابة، ومعلوماته عن مفهوم الثورة عموماً، والثورة الفرنسية، التي استشهد بها كمرجعية للقياس، تدل على ثقافة متواضعة لا تخوّل صاحبها حق الإفتاء في ما اختلف عليه الناس.
كل ما في الأمر أنه كتب موضوعاً إنشائياً من نوع الموضوعات التي كانت تُطلب منّا في درس اللغة العربية، مثل كتابة موضوع عن الربيع، أو عن رحلة إلى شاطئ البحر، لتجريب مهاراتنا اللغوية. وقد قرر بن جدو تجريب مهاراته اللغوية فلم يكتب عن الثورة وحسب، بل وعمّا يشبه نظرية في علم الثورة، أيضاً. فكانت النتيجة خليطاً من الكلام العام والفارغ، الذي لا يمكن أن يصدر بهذا القدر من الإنشاء والعمومية عن متخصص في علوم الاجتماع أو السياسة، أو التاريخ، أو حتى عن مثقف يهتم بالشأن العام. وصاحبنا المفتون بالقدس والمقدّسات فعل ما فعل، للنيل من المتمردين على عرش بشّار ابن حافظ الأسد.
كل ما ذكرناه حتى الآن لا يفسر لماذا يبدو كلام المراسل ومقدّم البرامج السابق في فضائية “الجزيرة” القطرية مستفزاً، ويصعب التغاضي عنه. فعلى الإنترنت وشاشات الفضائيات وصفحات الجرائد، الكثير من الكلام الفارغ، الذي يجب التغاضي عنه.
والواقع أن المُستفز، وما يصعب التغاضي عنه، في حالة بن جدو يتجاوزه بالمعنى الشخصي، ويشمل فئة من بني البشر، جديدة تماماً، ووثيقة الصلة بعصر الصورة والتلفزيون. وأعني، بذلك، من يُصنّفون في فئة “الإعلامي”، التي أصبحت شائعة في العالم العربي، في العقود القليلة الماضية.
الغالبية العظمى من هؤلاء تشتغل بالصوت والصورة، ولسانها هو مصدر رزقها. وقد تحوّل بعض هؤلاء، وهذا قدر لا فكاك منه، إلى نجوم على الطريقة الأميركية، وكل مؤهلاتهم أنهم يديرون حواراً مع أشخاص في الأستوديو بقدر من الشطارة، وبطريقة لا تصيب المشاهد بالملل، أما الأسئلة التي يطرحونها، والموضوعات التي يثيرونها فوثيقة الصلة “بالحدث”، أو بالتحيّزات الأيديولوجية والسياسية لمالكي المحطة الفضائية. وهذه الأشياء كلها لا تشترط ثقافة واسعة، وكفاءة تحليلية أو سياسية، بقدر ما تشترط خفة الدم، واللياقة، وسرعة البديهة، وشطارة الانتقال من موضوع إلى آخر.
ومن نافلة القول، بالتأكيد، التذكير بحقيقة أن افتعال خفة الدم، واللياقة، وسرعة البديهة..الخ ليست بالمؤهلات الأساسية، أو حتى المطلوبة، في حقل الممارسة الثقافية، والإفتاء في ما اختلف عليه الناس. ولكن، تنشأ مشكلة عويصة عندما “يقبض” الإعلامي نفسه باعتباره مثقفاً لا يحق له الإفتاء في ما اختلف عليه الناس وحسب، بل ومرجعية فكرية، أيضاً، تضع نظريات في علم السياسة والثورة.
وهذه هي الورطة التي وقع فيها بن جدو، الذي يبدو بأنه يملك فكرة، لا تخلو من مبالغات مُفرطة، عن مؤهلاته الثقافية والسياسية، وحتى عن دوره الشخصي في وصول العالم العربي إلى الطريق القويم. وهذا كله: لأنه إعلامي، أدار حوارات، وأعد التقارير المصوّرة، وانحاز بالمعنى السياسي إلى سورية وإيران وحزب الله وحماس (طبعاً)، ناهيك عن ولع بفلسطين والجهاد والمجاهدين لا يقل عن ولع الفضائية التي تعلّم فيها ومنها فن المزايدة والإنشاد والإنشاء.
لا يتسع المجال، هنا، للمزيد. كل ما في الأمر أن المُراسل ومقدّم البرامج السابق، من مخلوقات التلفزيون، وأن هذه المخلوقات الفضائية بلا مؤهلات فكرية وثقافية يعتد بها في أغلب الأحيان.
نعود إلى مناف طلاس، الذي أصبح بعد انشقاقه، وبين ليلة وضحاها، كائناً فضائياً من مخلوقات التلفزيون، وهذا كله لأن السعوديين يسوّقونه بديلاً لبشّار ابن حافظ الأسد. وفي هذا السياق، أذاع بيانات وأجرى مقابلات، وكان عليه أداء “العمرة” متلفزة، أيضاً.
بمعنى آخر: يضيف السعوديون شرط العُمرة إلى مؤهلات الطامحين إلى الرياسة والسياسة في سورية، دون التوقف كثيراً أمام جدارتهم الوطنية والسياسية. كل ما في الأمر أن الجينات التي رفعت ابن مصطفى طلاس إلى مرتبة النخبة في نظام آل الأسد، تمكنه اليوم من تصدّر قائمة الطامحين إلى وراثته.
يحدث هذا وفي الشوارع دمٌ. الحقيقي في كل ما نرى هو الدم. والحقيقة، أيضاً، أن نظام آل الأسد وَلَغَ في الدم، وبالغ في الانحطاط بشكل غير مسبوق في تاريخ العرب. وما عدا ذلك: من مخلوقات فضائية، بما فيها “المفكر العربي” على شاشة “الجزيرة”، والهموم الديمقراطية لفضائيات النفط، والجنرال في “العُمرة”، والمراسل ومقدّم البرامج السابق، وقد أصبح عالماً في الثورات، فكلها فضائح صغيرة.
khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني
فضائح صغيرة..!!
افضل لمناف ان ينضم لصالون شقيقته في باريس, فذلك مناسب له بكل القاييس. وابعد شيء عن مناف صفته العسكرية الا اذا كانت صفة مقترنة بنفس طابع مهمات والدة الذي لم يفلح الا في كتابة عن الزهور في سوريا يا اللة لا شماتة فنحن مع سوريا نعيش هزيمة. وبالعودة لمناف ليذهب ليعتمر فوللة كل حرارة مكة لن تذيب دلعة. ماذا يصلح مثل هذا لغير الولغ الولغ في الدم للأبرياءومـا وراء شيزوفرينا من هم على شاكلته الا هم وغم.هذا عبء على من يكون معه وريته ظل مع بشار