تركّز جريدة “لوموند” في مقالها التالي على الإنتقال من “العلاقة الخاصة” بين الرئيس ساركوزي وأمير قطر ورئيس حكومته حمد بن جاسم إلى علاقة “عادية” بين الدولتين القطرية والفرنسية. وتقارن “لوموند” بين علاقة “شيراك -الحريري” وعلاقة “ساركوزي-حمد بن جاسم”!
وما لا تتطرّق له الجريدة الفرنسية هو أن العلاقة “الخاصة” بين قطر وفرنسا بدأت في عهد الرئيس شيراك الذي صادف إنقلاب أمير قطر على والده وتعرّضه لعدد من محاولات الإطاحة به. فقد وفّر الرئيس شيراك دعماً سياسياً واضحاً لأمير قطر الجديد، ووقّع البلدان معاهدة عسكرية لم تُعلَن كل بنودها تسمح بتقديم دعم للإمارة في حال تعرّض نظامها للخطر. وكانت العلاقات الهاتفية متواصلة، وشبه يومية، بين شيراك وأمير قطر “حمد بن خليفة آل ثاني” الذي قال لشيراك في أحد إتصالاته أن سياسته ستكون “نقيض كل السياسات العربية”!
ووصلت العلاقة في عهد شيراك إلى حد أن أمير قطر الجديد طلب من الرئيس الفرنسي تزويده بـ”حرس أميري” مكوّن من جنود فرنسيين. ولكن الرئيس شيراك ردّ على الطلب بأنه قد لن يكون مقبولاً في نظر شعب قطر أن يتولى جنود فرنسيون حماية أميرهم!
الشفاف
*
ترجمة “الشفاف”
هذه المرة، لم يُتَح لـ”حمد بن خليفة آل ثاني” أن يكرّر السبق الإعلامي الذي سجّله في العام ٢٠٠٧ لدى انتخاب نيقولا ساركوزي رئيساً للجمهورية الفرنسية. فلم يكن أمير قطر أول رئيس عربي يقابل “الرئيس” فرنسوا هولاند، بل كان هذا “الإمتياز” من حق شريك تقليدي لفرنسا هو ملك المغرب، محمد السادس الذي استقبله هولاند في الإليزيه في ٢٤ مايو لمناسبة زيارة خاصة قام بها العاهل المغربي لفرنسا. ومع أن أوساط الإليزيه تتحدث عن زيارة مقبلة سيقوم بها أمير قطر للرئيس الجديد، فإن الزيارة لن تكون محاطةً بنفس البهرجة التي أضفيت على الزيارة السابقة.
هل يعني ذلك أن العصر الذهبي للعلاقة الفرنسية-القطرية قد انتهى؟
للتذكير، في العام ٢٠٠٧ لم يقتصر الأمر على زيارة الأمير لقصر الإليزيه، بل وتلقى دعوة للمشاركة، على يمين الرئيس الفرنسي، في الإستعراض العسكري في يوم ١٤ يوليو. وكان المقصود من هاتين البادرتين أن ترمزا إلى بداية علاقة جديدة شخصية وبعيدة عن العقد جعلت من فرنسا أحد أهم شركاء الأمارة الصغيرة جداً والثرية جداً.
ومن قضية الممرضات البلغاريات الرهائن الذين دفعت قطر ثمن إطلاق سراحهن، إلى الحملة العسكرية ضد نظام القذافي التي وفّرت قطر غطاءها السياسي العربي، وإلى دخولها في رأسمال مجموعتي “فيوليا” و”لاغاردير” ثم مشروع الإستثمارات في “الضواحي” الفرنسية، فإن قطر كانت النجمة المفاجئة و”البراقة” لعهد ساركززي. كما شكلت قطر “معبراً” للنفوذ الفرنسي في العالم العربي، ومستثمراً أميناُ، كما يقول أصدقاؤها في فرنسا. أما خصوم قطر فيقولون أنها كانت مجرّد “دفتر شيكات” للإستعمال العام والخاص!
هل يستمر هذا التواطؤ المليء بالأسرار في عهد فرنسوا هولاند؟ أم، هل سينطبق عليه التعبير الذي يكثر هولاند من استخدامه فتصبح علاقة “عادية”؟ حاشية هولاند تقول أن “مجرد طرح السؤال يتضمن الإجابة. فلن تكون هنالك إعادة نظر في العلاقات الثنائية. ولكن الرئيس الجديد لن يسعى للمبالغة في استخدام صداقة وهمية. وهو لا يرغب في استخدام “شبكات خفية” أو “وسطاء” يتنقلون بين البلدين. إن العلاقة الفرنسية- القطرية سوف تتطور على أساس مصالحنا وعلى أساس توقعات قطر. ولكن بصورة شفافة وواضحة”!
وهذا مع أن وزير الخارجية الجديد “لوران فابيوس”، كان قد حرص على عدم استخدام كلمة “التغيير”- التي أصرّ عليها هولاند أثناء حملته الإنتخابية- ليتحدث عن “إستمرارية الدولة” أثناء لقائه بولي عهد قطر، “تميم بن ثاني” في الدوحة في شهر فبراير الماضي. ويقول المحلل الفرنسي “نبيل الناصري”: “نعم، ستكون هنالك استمرارية، ولكن العلاقة ستصبح أكثر صحية، وأقل حصرية. إن هولاند ليس رجل خبطات إعلامية. ” ويضيف: “الحكومات تتغير ولكن المصالح تبقى. ولكن العلاقة ستبتعد عن البهرجة والضجة الدعائية، وستتميز بمزيد من الإعتدال والتقشق. فبصفته “إشتراكياً”، لن يقيم هولاند نفس علاقة ساركوزي مع أموال آل ثاني”!
إن أحد مؤشرات طي الصفحة السابقة هو أن سفير قطر في باريس منذ العام ٢٠٠٣، محمد الكواري، يستعد لترك منصبه. وهو سيغادر باريس أثناء الصيف بعد أن كان المشرف على “محور باريس الدوحة” ورجل رئيس حكومة قطر “حمد بن جاسم” في باريس. وكان الكواري، وهو ديبلوماسي محترف وجنتلمان، قد حرص على إقامة علاقات مع شخصيات الحزب الإشتراكي أيضاً. وقد اعتمد على “أريك غبالي”، وهو شخصية مقرّبة من رئيس الحزب الإشتراكي مارتين أوبري”، ومتزوج من مقدمة البرامج التلفزيونية “داننيلا لامبروز” كـ”دليل” للتعرف على المجتمع الباريسي. ويقيم السفير القطري، بصورة خاصة، علاقة مع الناطقة بلسان الحكومة الفرنسية الجديدة، وهي “نجاة فالو بلقاسم”. والأهم، فقد سبق لمحافظ باريس “برتران دولانويه”، والمرشحة الرئاسية السابقة “سيغولين رويال”، و”جاك لانغ” أن قاموا بزيارة قطر مراراً.
إستياء جزائري من رعاية قطر للحركات الإسلامية
بالمقابل، فإن منافسي قطر يقيمون علاقات أقوى بكثير مع الطاقم الحاكم الجديد في باريس. بدءاً من الجزائر، التي تنظر باستياء إلى رعاية الإمارة الغازية للحركات الإسلامية في شمال إفريقيا وفي الشرق الأوسط. ويمكن للجزائر أن تعتمد على عدد من الشخصيات الفرنسية من أصل جزائري مثل نائب رئيس مجلس الشيوخ، “بريزا خياري”، أو وزير المحاربين القدامي “قادر عارف”، أو مستشار فرنسوا هولاند لشوون المساواة والتعددية، “فوزي لامداوي للضغط من أجل إقامات علاقات ديبوماسية أكثر توازناً مع العالم العربي.
ويقول أحد الخبراء الإقتصاديين الوثيقي الصلة بمراكز السلطة في العالم العربي أن هذا الموضوع هو “موضوع الساعة في عدد من الدواوين الحكومية العربية. فكثيرون يأملون أن يعيد هولاند الأولوية للعلاقة مع منطقة المغرب العربي ومع المملكة العربية السعودية. وكان كثيرون ينظرون بانزعاج متزايد إلى وضع أصبح فيه حمد بن جاسم بمثابة “حريري ساركوزي”، في تلميحٍ إلى علاقة رفيق الحريري مع جاك شيراك، وإلى الطابع المالي للعلاقة بين الرجلين.
هل تضع العلاقة الحذرة الجديدة حداً للإستثمارات القطرية في فرنسا؟ إن استثمارات قطر في أهم الشركات الفرنسية- وبينها “توتال” التي اشترت ٣ بالمئة من رأسمالها مؤخراً- سنسمح لقطر بالحفاظ على وزنها في المؤسسات الفرنسية. ويقول مستشار إقتصادي: “لننتظر ونرى إذا كان هولاند سيقع في الفخ”!
العامل السوري
“المجهول” المهم الآخر هو سوريا: فإذا ما قرّرت الدول الغربية- وهذه فرضية ليست مستبعدة كلياً- أن تتدخل عسكرياً، فسيكون مطلوباً من قطر، التي أصبح بشار الأسد عدوها الرئيسي، أن تسهم بالعملية كما فعلت في ليبيا
حيث وفّرت طائرات مقاتلة وقوات خاصة وغطاءً ديبلوماسياً مفيداً جداً. ولكن الأمور لم تصل إلى هذاه النقطة بعد.
فبعد خمس سنوات من الغرام بلا حدود، يبدو أن علاقات الثنائي الفرنسي – القطري تدخل الآن مرحلة “التطبيع”.
بنجامان بارت- جريدة لوموند