الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تمخّضت عنها الانتخابات النيابية الأخيرة، هي ربّما أكثر الحكومات يمينيّة في العقود الأخيرة. صحيح أنّها ترتكز على غالبية صوت واحد مقابل المعارضة، ولكنّ رئيسها بنيامين نتانياهو الذي يقف للمرّة الرابعة على رأسها، سيحاول بالطبع قدر المستطاع توسيع ائتلاف الأحزاب المتشكّلة منها في المستقبل المنظور. وذلك، علماً أنّ أصواتاً داعية إلى توسيع الائتلاف تأتي أيضاً من داخل حزب الليكود الذي يقف على رأسه، إضافة إلى أنّ المعارضة البرلمانية في الكنيست ليست من صبغة واحدة، ولا يمكن أن يُنظر إليها بوصفها يساراً بما يعنيه هذا المصطلح في السياسة.
الأصوات الداعية إلى توسيع رقعة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، تأتي لعلم أصحابها أنّ ثمّة إمكانية لحصول تصادم مع المجتمع الدولي ومع الإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما في المستقبل المنظور. وذلك على خلفية مشروع القرار الفرنسي الذي يرسم خطوطاً عريضة لحلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وهو المشروع المزمع طرحه على مجلس الأمن فــي أيلول (سبتمبر( المقبل.
على هذه الخلفية، هنالك فرصة في وسع القيادات الفلسطينية انتهازها لإحكام طوق العزلة على هذه الحكومة الإسرائيلية. ولكن، لا يمكن الوصول إلى هذا الهدف بلا قيادة فلسطينية واحدة وحكيمة. والأمران، القيادة الواحدة التي تتحدّث إلى المجتمع الدولي بصوت واحد، وقيادة تتّسم بالحكمة، غير متوافرين حتّى هذه اللحظة. فترسيخ الشرخ الفلسطيني بين قطبين متباعدين جغرافياً وسياسيّاً، أحدهما في غزة بأيديولوجية أصولية، وآخر فاقد لأيّ أيديولوجية غير عقيدة البقاء في سلطة متوهّمة فاقدة للسلطة أصلاً، وبأيّ ثمن، يجعل المجتمع الدولي لا يعرف من يتحدّث باسم الفلسطينيين حقّاً.
وعلى كلّ حال، وكما تفيد التقارير المنشورة أخيراً في الصحافة العبرية، فحتّى القيادة العسكرية الإسرائيلية تفضّل وجود سلطة حماس في غزّة. إنّ هذا التفضيل يندرج ضمن السياسة الإسرائيلية العامّة منذ تفكيك الاستيطان في القطاع وانسحاب الجيس منه. هذه السياسة هدفت إلى فصل الشقّين الجغرافيين اللذين كانا من المفترض أن يشكّلا، دولة فلسطينية أو كياناً فلسطينيّاً مستقلاً بموجب اتفاقات أوسلو.
لقد كرّست القيادات الفلسطينية بغبائها هذا الانفصال بين الشقين، الأمر الذي يخدم في نهاية المطاف جبهة الرفض الإسرائيلية المتمثّلة بحكوماتها الأخيرة التي يرأسها نتانياهو. وهذا الأخير سيحاول بكلّ ما أوتي من خبرة «بالشعارات المعسولة» الموجّهة إلى الرأي العام الدولي، أن يرسل الكرة إلى الملعب الفلسطيني. غير أنّ اللاعب الفسطيني يلعب برأسين وبمدرّبين لفريق هو في الواقع فريقان، أحدهما من هواة السياسة وهو يفضّل الهجوم من دون لاعبين ومن دون جمهور، وآخر كهل يفضّل الدفاع من دون أيّ مقوّمات جسدية للدفاع في هذه اللعبة.
من الواضح في هذه الحالة، أنّ الفريق الإسرائيلي سيفضّل التعامل مع الجزء المهاجم، وسيحاول جرّه إلى تنفيذ مخالفات لكي يخرج الحكم الدولي أفراده من اللعبة. أمّا الجزء الآخر، فهو عمليّاً وبسبب هذا الشرخ المتجذّر منذ سنين، عاجر عن التحرّك أو القيام بأيّ خطوة تضعه متحدّثاً باسم كامل الفريق الفلسطيني.
سيحاول نتانياهو إطالة الوقت حتّى بداية الحملات الانتخابية للرئاسة الأميركية، إذْ إنّ أميركا ستدخل في حالة حراك سياسي داخلي، ولن تتخذ أيّ خطوات بعيدة المدى في السياسة الخارجية، لأنّ خطوات كهذه ستكون لها أبعاد على الحملات الانتخابية للحزبين الكبيرين اللذين يحكمان أميركا. وهكذا، يستطيع نتانياهو أن يركن إلى الطمأنينة لمعرفته بعدم إمكانية حصول ضغوطات على حكومته حتّى انتهاء الانتخابات.
نتانياهو محظوظ بوجود الشرخ الفلسطيني بين سلطة غزة وسلطة رام الله. إذ في هذه الحال، لا يوجد من يمثّل الصوت الفلسطيني الواحد أمام الرأي العام العالمي. فكلّ فريق من الشقّين يتحدّث الى العالم بلغة أخرى تتناقض ولغة الآخر.
ولمّا كانت هذه هي الحال، فلا يسع المرء سوى أن يقول: أعان الله هذا الشعب. ففي ما يبدو، إنّ للنكبة الفلسطينية، إضافة إلى كلّ العوامل الأخرى، علاقة وثيقة بالقيادات الفلسطينية البليدة التي لا تمتلك ذرّة من حكمة لمواجهة الواقع المزري، والتحدّث الى العالم بلغة يفهمها ويحصر نتانياهو وحكومته في الزاوية.
ولكن، هيهات.
*كاتب فلسطيني