قرأت في صحيفة «المصري اليوم» بتاريخ ٢٢/١١/٢٠١٠ تصريحاً للدكتور مفيد شهاب، وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية «إن مصر دولة مركزية بطبعها منذ أيام الفراعنة، وكل شيء فيها في يد شخص واحد»، ورأيي أن هذا التصريح وارد مثله عند توفيق الحكيم في روايته المعنونة «عودة الروح».
فقد أعلن جمال عبد الناصر أنه كان قد تأثر بهذه الرواية قبل الثورة، وأنا بدوري أعدت قراءتها لكي أكتشف مغزى تأثر جمال عبد الناصر فإذا بي أقرأ العبارة الآتية المنقولة من الرواية «نحن في انتظار خوفو جديد». وأظن أن خوفو قد جاء بعد طول انتظار، وحكم كما لو كان فرعوناً، ولم يجرؤ أحد على نقده كما لو كان مقدساً. ثم جاء السادات وقال عبارتين لهما دلالة تاريخية «أنا فرعون مصر، والديمقراطية لها أنياب».. ثم جاء حسني مبارك وكان على وعي بالتناقض بين الفرعونية والديمقراطية، فإتجه نحو المادة ٧٦ من الدستور التي تنص على أن تعيين رئيس الجمهورية يتم بالاستفتاء وليس بالانتخاب، والفارق بينهما كيفي؛ لأن الاستفتاء يستلزم مرشحاً واحداً، والواحد هنا يرمز إلى المطلق؛ لأن المطلق هو الوحيد الذي يقال عنه إنه واحد، لذلك فإننا عندما نستفتي على واحد فهذا الواحد عندما يأتي إلى السلطة فإنه يأتي كمطلق، وبالتالي فإنه يتصف بالصفات التي تقال على المطلق، وفي مقدمة هذه الصفات «القداسة»، ومع القداسة يمتنع النقد، وقد كان هذا هو حال فرعون في الحضارة المصرية القديمة، وهو حاله الآن في الحضارة المصرية الحديثة.
هذا عن الاستفتاء، فماذا عن الانتخاب؟
إن الانتخاب يستلزم أكثر من مرشح، وبالتالي يلزم حذف لفظ «الواحد»، أي حذف المطلق، وأظن أن الرئيس مبارك كان على وعي وهو يطالب بضرورة إحداث تعديل في المادة ٧٦ من الدستور، وكان ذلك فى ٢٦/٢/٢٠٠٨، بحيث يتم تعيين رئيس الجمهورية بالانتخاب وليس بالاستفتاء، وبذلك نتجاوز الواحدية إلى التعددية، كما نتجاوز أسطورة الحكم بالمطلق إلى عقلانية الحكم بالنسبي، ولكن هذا التعديل كان يستلزم بالضرورة إلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن للدولة ديناً، أي أن للدولة مطلقاً، وبذلك يتسق هذا الإلغاء مع ما حدث من تعديل في المادة ٧٦، وتكون النتيجة بعد ذلك إعلان أن الدولة علمانية.. إلا أن النخبة لم تكن لديها الجرأة في الدعوة إلى هذا الإعلان؛ لأنها لم تتحرر بعد من الروح الفرعونية، ولم تتحرر بعد مما أشيع عن العلمانية بأنها معادلة للإلحاد، إذ هي، بحكم تعريفي، ليس كذلك لأنها تعني «التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق».
وقد قيل في تبرير عدم إلغاء المادة الثانية إن المادة ٤٦ من الدستور تنص على أن الدولة تكفل حرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية، إلا أن هذا القول ليس له ما يبرره لأنه يدخل في تناقض غير مشروع مع الحكم المطلق المنصوص عليه في المادة الثانية، وبالتالي تصبح المادة ٤٦ مشلولة الحركة أو بالأدق مجرد زائدة دودية.ض
وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول بأن تصريح مفيد شهاب يعني أن الحزب الوطني الديمقراطي في غياب العلمانية لن يكون ديمقراطياً، ومن ثم يدخل الحزب في مأزق.
والسؤال اللازم بعد ذلك هو على النحو الآتي:
هل في إمكان «الفكر الجديد» للجنة السياسات إخراج الحزب من ذلك المأزق؟