(الصورة: السيدة فداء الحوراني)
يحدث أن نصمت، وقد حدث هذا كثيراً، حدث حين لم نجد كلمات تعبر عن مرادنا، أو حين أصابنا الذعر من بطش السلطة، أو حين خشينا أن نتهم بالجنون والتهور، أوحين سكتنا كي نتجنب استفزاز الأعراف والتقاليد، وحدث أن صمتنا طويلاً حين امتلأنا بالغضب وخشينا أن يكون كلامنا صراخاً لا يجدي ولا يفيد، ذلك لأننا تعلمنا أن لانفعل ولا نقول إلا ما يجدي ويفيد حتى لا نضر أنفسنا ونضر غيرنا وأهلنا.
صُغت خبر اعتقال فداء باللغتين اليتيمتين اللتين أعرف القليل فيهما، وأرسلته لكل من ظننته يهتم ويقدر، وآثرت أن أصمت. صمتّ في الحقيقة لخوفي على فداء، قلت لنفسي: بلا استفزاز. ذلك لأني أعرف أن كل من ينتمي لهذه المدينة، حماة، بالضرورة “حيطه واطي” والجميع يتجرأ عليه. وفداء من حماة.
لكن اليوم وبعد أن طال سجن فداء، ورغم خشيتي من أن تكون الكلمات استنجاداً وصراخاً وغضباً ورغم أني في شك من جدواها، ولكن ماذا نفعل بهذه البحصات التي تتراكم كل حين في حلوقنا، نحن إن لم نقذفها فإننا سنختنق بها.
آخر مرة التقيت فداء كانت قبل مغادرتي البلد بعدة أيام، في العاشرة ليلاً، طرقت باب بيتي بلا موعد مسبق ودخلت قائلة بشيء من الحزن: كأننا كبرنا. ثم عاتبتني:
ـ حتى درج بيتك مرتفع ويكاد الواحد أن تنقطع أنفاسه قبل أن يصل عندك.
كانت كأنها جاءت تستحثني أن أندمج بالشأن العام وأشارك.
لم أعرف بم أجيب.
قالت: مؤكد أن ابنك نائم وربما أنت أيضا تستعدين للنوم.
لم تقل الكثير كعادتها، فهي على الأغلب قليلة الكلام، أو أن نبرة صوتها خافتة، مما يجعل فكرتها ورأيها يمر بيسر إلى المستمع ويقتنع بسهولة.
تبادلنا أحاديث كثيرة صمتاً، واختلفنا على أمور أخرى صمتاً، كان أكثرها يصب في تفاؤلها وهمتها، ويصب في تشاؤمي ويأسي، لكن كان حرصها في العينين. ولا أريد أن أقول الآن إني كنت محقة بتشاؤمي، ذلك لأن فداء وراء القضبان، بل أريد أن أقول إن الحق معها في تفاؤلها ومضيها في الطريق الصعب، ذلك لأني تيقنت الآن أن الحياة هناك في الطريق الصعب. وأن اليأس هو أسهل الحلول.
كانت تعرف أن الحديث في السياسة لا يصلح في العاشرة ليلاً، فأخذت تتحدث عن التطريز وكم هو جيد، لو أن نساء حماة يرجعن لمهنة أمهاتهن ويعملن على تجميل بيوتهن بأيديهن. تحدثت عن هلعها من جوع الناس، قالت: إن هناك من يأتي ليلاً إلى حاويات القمامة ويسرق حتى الحقن المستعملة التي ترمى من المشفى.
في الصباح أخذت فداء مقشة كبيرة وذهبت مع بعض الأصدقاء تكنس حديقة مهملة، وراح الناس يراقبونها من نوافذهم، مندهشين، وظلوا فترة طويلة يتحدثون عن ابنة الحسب والنسب وهي تعلمهم أن الحلول بسيطة ويسيرة وبإمكان الجميع المساهمة بها.
قالت تدفعني للتفاؤل والمشاركة: بكرة بيكبر العاصي..
وأهدتني كتاباً:
“إلى أم العاصي”.
قلت مصححة: ولماذا أل التعرف؟ اسم الولد عاصي.
ضحكت.
تقول أمي المعجبة بها مثل أكثر أمهات حماة اللواتي يتمنين لو أن الدكتورة فداء كانت كنَة لهن:
ـ كاملة ومكملة، أدب وسياسة وجمال وفوقها علم وشغل بتقوى.
كثيرات اشتغلن بالشأن العام، وكانت الثرثرات حولهن ووراءهن وأمامهن تصرع الآذان. أما فداء فأكاد أجزم أن الجميع اتفق حولها.
حين أعلن انعقاد مؤتمر إعلان دمشق ومن ثم فداء الحوراني رئيسة للمجلس الوطني..
كثرت الهواتف والرسائل مهنئين بعضهم بعضاً، وأدركت أننا كالأطفال مازلنا مستعدين للفرح والتفاؤل وكأن الحرية والفرج قادمان.
اتصل أخي يقول: العودة قريبة. طبعا خلال أربع وثلاثين عاماً في المنافي، قالها عشرات المرات، وسكت متراجعاً. قلت أذكره: لكنك يا أخي قلتها مراراً ولم تستطع العودة، وربما هذه المرة مثل غيرها، أجابني: ولو.. لكني سعيد حقاً بفداء، وسعيد أنه صار بالإمكان الحوار مع أحد يفهم ويقدَر.
وبعد أيام قليلة جاء خبر اعتقالها واعتقال رفاقها ممن تجرأ.
توقعت هذا وخشيته، لكني في الوقت نفسه استبعدته، كيف تجلس فداء محاطة بجدران السجن!
خيالي لم يسعفني بتصورها وراء القضبان، قلت لنفسي: من غير المعقول أن يستمر الاعتقال، هو احتجاز وتحقيق، إذ لا أحد يجرؤ على فعل هذا.
لكن مضت الساعات ولم يصدر ما ينفي الخبر أو يعدَله.
ثم صدَقت، ورحت أفتش عن تعزية كما نفعل عادة عند سماعنا الأخبار السيئة، بحثت آملة أن يكون خبر اعتقالها قد ملأ شاشات قنوات التلفزيون وصفحات الجرائد، ولكن..
“الزمن رديء جدا”. جملة ممجوجة، نعم، ولكن كأنه لم يساعدها أحد، ولا حتى توقيت عيد الأضحى وأعياد آخر العام.
لن نصيح الآن بوجوه كل الشباب والشابات الذين يتابعون أخبار الفنانات ويعلقون بحماس ونشاط على صفحاتهن، غير مكترثين لأخبار الاعتقالات، ولكن أريد أن أخبرهم أن فداء أجمل من كل اللواتي أعجبوا بهن، وفوق هذا، هي أم تستحق البرَ والتقدير، فتفضلوا يوجد خبر صدقوه، يستحق الاهتمام: فداء الحوراني وراء القضبان.
* كاتبة سورية – استوكهولم
فداء الحوراني.. والجدار يعلوالنبي سليمان مات وكان يتكا على عصا ولكن كانت تخاف منه الجن والانس لمئات السنين حتى اتت دودة اكلت عصاه المستند عليها فخر فعلمت الجن ان العامل النفسي كان مسيطر عليها والان بالنسبة للنظام السوري الميت اصلا ويميت الشعب ويدمره السؤال هو: من هي الدودة الذكية التي ستاكل العصاة؟ ان الشعب السوري لا يريد انهاؤه كالديتاتور البعثي الصدامي؟فهل العصيان مدني؟ ام مفكرين يحضون الشعب من ان موتهم قريب اذا استمر النظام المافيوي؟ام ثورة شعبية ؟ لكي ينهار ويتاكد الشعب انه كان يفقرها وينهبها ويذلها؟؟ان دراسة التاريخ يمكن ان تساعد الشعب السوري بتدمير هذا النظام الفاسد وذلك بالاستفادة… قراءة المزيد ..
فداء الحوراني.. والجدار يعلو
قدكنت اسمعت لو ناديت حيا لكن لاحياة لمن تنادي
فداء الحوراني.. والجدار يعلو
لن يمروا..فداء كانت ابنة حماة وهي الان ابنة سوريا بكل مكوناتها وقومياتها..لن يهزمونا
فداء الحوراني.. والجدار يعلو
اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر