“فتنة السقيفة” أو المسألة الشيعية في الكويت.. مجدّداً!

4

يعيش الكويتيون اليوم على وقع سجال مذهبي ينذر باحتمال التطوّر الى فتنة تزعزع السلم الأهلي في ظل عجز السلطة عن القيام بواجباتها في حماية المجتمع، وغياب المبادرات الجدية لرأب الانقسام السياسي الذي بدأ يتسم بالحدة.

وما يضاعف خطورة هذه الأزمة الداخلية ارتباطها الوثيق بعوامل خارجية، حيث تصر بعض القوى الإقليمية على استرهان قوى محلية لمآربها الخاصة واستخدام البلاد ورقة وساحة.

الأزمة التي تعيشها الكويت اليوم تتمثل في تداعيات الخلاف السني الشيعي الذي بدأت بوادره بعد تأبين المسؤول في حزب الله اللبناني عماد مغنية وما رافقه من تمترس طائفي أثار شهية البعض لاذكاء الفتنة واستدعاء الخلاف على مسائل تاريخية بعيدة وما رافقها من صراعات، كان كبار الاوائل من الائمة والصحابة وعلماء الاسلام اكبر منها.

فالكويت وحال عدم الاستقرار السياسي التي تشهدها منذ العام ٢٠٠٦ وحتى اليوم افسحت مجالا للمتكسبين من الطائفتين لتصدّر الزعامة وحمل لواء الدفاع عن المذهب والطائفة. فبعد سقوط النظام العراقي، وبروز المكون الشيعي من ضمن المكونات العراقية الاصيلة وميل الجميع الى الشراكة وحفظ التعدد بالوحدة والمجتمع بالدولة بعد سنوات القمع و التغييب التي مارسها النظام البائد، اغتنمت بعض الفئات الكويتية المتواصلة فكريا وعقائديا مع جماعات شيعية صغيرة في العراق، غير منسجمة مع الجو العراقي الوحدوي. فطالبت في لحظة حساسة بتدريس المذهب الجعفري في الكويت ورفع الظلم عن الشيعة وما لحقهم من اذى جراء أخذهم بجريرة ما حدث في حقبة الثمانينيات ابان الحرب العراقية الايرانية وما رافقها من تفجيرات في الكويت طالت اميرها الراحل الشيخ جابر الاحمد .

علما بان هذه الذكريات قد تراجعت في الاوساط الرسمية و الشعبية بعد تجربة الاحتلال العراقي ومشاركة الشباب الشيعة من موقع المواطنة في المقاومة ضد الاحتلال البعثي.

في حين انه يقل من يعارض حق اي جماعة مذهبية في اي بلد في تعليم ابنائها فقهها وتراثها من دون ان يكون ذلك موجها ضد الآخرين من الشركاء في الوطن، فان هناك عوامل اخرى خارجية عادة تجعل هذه المسالة مثيرة للشكوك في الداخل خاصة انها تؤدي الى ردود فعل من قبل مجموعات مذهبية اخرى تعمل على تاجيج الصراع المذهبي.

فالتدخل الايراني في العراق، مع مجموعات شيعية معادية للسنة ومجموعات شيعية معادية للسنة، وما كاد ان يوقع العراق فيه من حرب اهلية، خاصة عندما تصدى له تنظيم القاعدة، شكّل تمهيدا لانتشار سجال سياسي بمفردات مذهبية انعكست علي دول الجوار والكويت من ضمنها. فمع ظهور مصطلحات “الهلال الشيعي” و”الصفويين الجدد” وحملات التشييع و التشيع لدى السنة في المنطقة، ظهر في المقابل مسمى “التكفيريين” و”النواصب” وغيرها لدى الشيعة.

هذا التقابل أنتج ثنائية التيارات المتشددة لدى الفريقين. فتحول البرلمان الكويتي ساحة لصراع الديكة، ما انعكس على نتيجة الانتخابات الاخيرة بوصول تسعة نواب شيعة من اصل خمسين نائبا، وهو رقم لم يسبق للشيعة بلوغه منذ تعديل القانون الانتخابي في العام ١٩٨١. وهو في المحصلة نتيجة شحن طائفي ظهرت آثاره في إنتخابات العام ٢٠٠٨، التي شهدت مرارة التخوين والطعن بالولاء واتهامات بمحاولات الإقصاء والإلغاء من الجانبين.

إن ما تعيشه الكويت اليوم جراء ما أثير من إهانات في حق السيدة عائشة زوجة الرسول محمد، ليس وليد اللحظة، بل يندرج في سياق اريد له النضوج حتى يؤتي ثماره اليوم.

فبعد الافراج المثير للجدل من قبل السلطة وبتوقيع وزير العدل آنذاك احمد باقر (السلفي) عن ياسر الحبيب (المتشدد الشيعي ) في العام ٢٠٠٤، بعد سجنه على تهمة سب الصحابة، ثم هروبه، او تسهيل خروجه من الكويت، تم إطفاء نار الفتنه ولو الي حين. بقيت الاسئلة التي تطرح حول صاحب المصلحة في التذكير بالموقع الالكتروني لـ”ياسر الحبيب”، او مقاطع الفيديو على موقع “يو تيوب” لسب زوجة النبي، ما أُجج الشارع الكويتي حتي برزت ردود الفعل الغاضبة!

الاحتجاجات والندوات التي رافقت هذه الحالة الطائفية المستثارة لم تكن وليدة اللحظة، فهي تزامنت مع إعلان قس امريكي عزمه حرق القران. ومع ان الدلالات على نية حرق القرآن اعمق من التعرض لزوجه النبي، إلا أن ردود الفعل لم تكن بمستوى الحدث، فالقضية الاولى كويتية بامتياز، والمستفيدون انتخابيا من الطرفين كثر.

النائب حسين القلاف رغم عمامته ولباسه الديني كان مشروعه في انتخابات العام ٩٢ مشروعا كويتيا. وحتى بعد دخوله البرلمان واحترام العديد من الكويتيين (سنة وشيعة) له لمواقفه الوطنيه، تحول الى حامي حمى الطائفه بعد ترجل نواب التأبين عن صهوة كتلة العمل الشعبي البرلمانية وانضوائهم في التكتل الشيعي، لتفرز انتخابات العام ٢٠٠٨ ، نائبا وهو محمد هايف حيث عرف بتشدده حيال الشيعة حتى وصل الامر الى اتهامه لجماعات شيعية بتجنيد وتنظيم الخلايا النائمة. وكلاهما كان رأس الحربة لاتباع كل مذهب رافعا راية الإنتصار لخندقه في فتنة السقيفة الكويتية.

حال الشحن الطائفي التي تعيشها الكويت لن تبقى على حالها. فالاشتباكات النيابية وان كانت لفظية، بين ممثلي الشعب، وصلت الى حد التعدي اللفظي، وفي بعض الاحيان الى محاولة الاشتباك الجسدي تحت قبة البرلمان. وهناك خشية من ان تتطور الامور لتصل الى الشارع الكويتي، خاصة اذا ما لقيت الدعوة الى وجوب التحول من تغيير المنكر باللسان الى مد اليد او حتى السلاح صدى بين الاطراف المتشاحنة، وهنا لن يجدي نفعا تحرك العقلاء من الطرفيين.
وبين هذه وتلك تبقى الحكومة الكويتية دائما الجدار المائل. فهي وان اتخذت خطوات بحجب موقع ياسر الحبيب، وتصدت لمنع الندوات، ثم اسقطت الجنسية الكويتية عنه، وما رافق كل ذلك من تهديد النواب الشيعة باستجواب قد يطال رئيس الحكومة، ان لم تسحب الجنسة الكويتية ممن يكفرون الشيعة، الا ان الحكومة تبقي عاجزة عن وأد الفتنه. فالتصريح الواضح لنائب رئيس الوزراء وزير الدفاع (الشيخ جابر المبارك الصباح) بأن السكين وصلت الى العظم، ينذر بمرحلة يتعاظم معها الخلاف المذهبي وان كان بلباس كويتي.

قبلها جاءت مبادرة السفير جمال النصافي بإنشاء مجلس سني شيعي يضم العقلاء من الطرفين لدرء الفتنه الطائفيه، خطوة وعلى الرغم من اهميتها الا انها تبقى مبادرة قد لا يكتب لها النجاح كسابقاتها. والسبب في ذلك إعتقاد لدى البعض بان الحكومة هي المستفيد من حال التأزيم الطائفي حتى تصل في نهاية المطاف لتعليق العمل بالدستور كما حدث بعد حل برلمان ١٩٨٦. فربحت الحكومة انها طبقت القانون بمنع الندوات والتجمعات مخالفة الماده الرابعة والاربعين من الدستور الكويتي والتي تنص على ان “للافراد حق الاجتماع دون الحاجة لاذن او اخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على ان تكون اغراض الاجتماع ووسائله سليمة ولا تنافي الآداب”. هذه المادة التي تحولت اليوم الى مشروع صدام بين الحكومة والبرلمان في قادم الايام. اما البعض الاخر فيرى ان هناك مصالح اقليمية وتحديدا ايرانية بخلق توتر في المنطقه على اساس مذهبي.

adel.eidan@gmail.com

إعلامي كويتي

4 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
ضيف
ضيف
13 سنوات

“فتنة السقيفة” أو المسألة الشيعية في الكويت.. مجدّداً! فاروق عيتاني — faroul_itani@live.com ما يحصل في الكويت او البحرين او لبنان او اليمن او العراق او مصر لمناسبة الانتخابات، عبارة عن ازمة عدم حل اشكالية “انا والاخر”. فما نحسبه اخر قد ينقلب الى انا والعكس. وهذه حالة الكويت بعد غزوة العراق لها، وحالها اليوم بعدالتمدد الايراني. انها لحظة ظهور المكنون وانكشاف حقائق الامور عند من حسبت عنده ان الامر السابق هو الحقيقة، وهذا ما سيحصل غدا للامر الجديد. مشكلة الكويت في اساسها مثل مشكلة لبنان. هي مشكلة كثرة المثقفين و قلة المفكرين. فالمثقف هويته خلفه والمفكر هويته امامه. المثقف حارس للأصوليات… قراءة المزيد ..

ضيف
ضيف
13 سنوات

“فتنة السقيفة” أو المسألة الشيعية في الكويت.. مجدّداً!
jawha381 — jaw_har2009@hotmail.com

لايران الحق ان تفعل ما يحلو لها ومن اتى بهؤلاء الشيعة للكويت وقام بتجنيسيهم اليست الحكومة الكويتية وفى نفس الوقت كانوا يعاملون ابناء السنة من فلسطين وغيرها اسوء معاملة اما كان من الاجدرلهم تجنيس اهل السنة وليس الفرس المجوس الذين يكرهون السنة وعموم العرب ويكفى انسحاب ايران من البطولة الالمبية الاخيرة فى الصين لانهم قالوا الخليج العربى وليس الفارسى واذا كان ذلك يزعلهم فلماذا لايتفون على تسميته باسم يرضى جميع الاطراف وهو الخليج الاسلامى

ضيف
ضيف
13 سنوات

“فتنة السقيفة” أو المسألة الشيعية في الكويت.. مجدّداً! ابو وليد — anwrgcc@yahoo.com كما تحرك ايران عصاباتها قي لبنان والعراق واليمن والبحرين فما المانع ان توسع الجبهات وتزيد من العصابات ومتخصصين الاغتيالات والدسائس في الكويت! نعم ايران تتدخل وتحاول ان ترفع منسوب جماعاتها ومنهم النائب الطائفي القلاف وعاشور وتلعب علي كل المحاور ومنها تأسيس الصحف كـ الدار والفضائيات كـ العدالة وغسيل الاموال وابتزاز حكومة الكويت الضعيفة الساذجة وزيادة الحسينيات وهي مجرد أوكار للعصابات وليست مواقع دينية وكما تعلمون ان مستشفي الرسول الاعظم في جنوب لبنان هو مركز بل وكر لتجمع اعضاء حزبوللا ومؤامراتهم!! إيران ياسادة لن تتوقف فحتي غامبيا في ادغال… قراءة المزيد ..

riskability
riskability
13 سنوات

“فتنة السقيفة” أو المسألة الشيعية في الكويت.. مجدّداً!Don’t forget that some Kuwaiti MP’s pay for Al-Habib more than that , for example, they pay also for his rent in London “the foggy city?!, as we all know!” and they join the Flolita to Gaza and make a great “Foggy” political investment out of that , it was so big and so “Foggy” that Hassan Naser Allah “some Foggy allah , I guess” count on that to screw the whole international effort in the region to reach some stability , hoping his MP’s in Kuwait will force the Arab to back… قراءة المزيد ..

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading