كتبت قبل عدة أيام مقالاً عن فتاة القطيف. كتبته وأنا غاضبة. غاضبة جداً.
ولأني كنت كذلك كنت أهدر بالكلمات، دون تفكير.
لعنت، وكدت أشتم، أفرغت غضبي، ثم هدأت. وعندما هدأت قرأت ما كتبته في صباح اليوم التالي. وخجلت.
وجدت أن الغضب لا يجدي، لأن الكلمات معه لا تعني الكثير. تصبح جوفاء، خفيفة، لا وزن لها.
قلت لنفسي “بالطبع من حقك أن تغضبي”.
ألا تشعرون معي بالغضب من أجلها؟
أن تغتصب فتاة في الثامنة عشرة من عمرها من سبعة رجال، أربعة عشر مرة، ثم يحكم عليها القضاء السعودي بالسجن ستة أشهر والجلد مائتي جلدة، حري بأن يجعل الدماء تغلي في عروقها.
لكن أن يسعى القضاء السعودي إلى التغطية على فضيحة حكمه، التي أثارت الدنيا وأقعدتها، بتدمير سمعة الفتاة، وأتهامها في شرفها، والإفتراء عليها بما لم تقله، فإن الغضب يتحول إلى بركان، خاصة ونحن نعرف ما يعنيه ذلك لفتاة دُمر كيانها.
نعرف ذلك جميعاً.
قلت ذلك لنفسي، ورددت “بالطبع أغضبي وأهدري كالبركان”. “من حقك أنت تغضبي. لكن إياك.. إياك الحديث وأنت غاضبة. تحدثي وأنت هادئة”.
“كي أسمع صوتك، تحدثي وأنت هادئة”.
دعونا إذن نبدأ من حيث بدأت الحكاية.
بدأت الحكاية عندما أرادت فتاة أن تسترد صورة لها لدى شاب لا يمت لها بصلة.
صورة.
مجرد صورة.
إطار مربع يضم وجهاً ضاحكاً يبتسم.
صورة ليس فيها ما يسيء إليها. لا تجرحها. هكذا أكد كل من رأى تلك الصورة.
فالوجه ليس فيه ما يعيب. والضحكة ليست تهمة ندخل بسببها السجون.. إلا في السعودية ربما.
ما علينا.
المهم، أنها رغم ذلك كانت تريد إسترداد تلك الصورة بأي شكل من الأشكال. بأي ثمن. تريد صورتها الصغيرة. تريد إستردادها.
كانت خائفة.
هل نلومها على خوفها؟
من يعيش في مجتمع مثل المجتمع السعودي، ومثلها مجتمعات شبه الجزيرة العربية وعلى رأسها اليمن ، يعرف لم كانت الفتاة خائفة.
ذاك مجتمع تكفي فيه الكلمة أو النظرة، يكفي فيه أن تقف فتاة مع شاب في مكان عام، حتى تتهم في شرفها!
والشرف معناه هناك كبير.
لأن قطرات الدم تتحول إلى نصل سكين حاد يجز رقبتها جزاً لو هامت حولها مجرد شبهه.
ولذا تشب الفتاة منذ نعومة أظافرها على الخوف.
“خافي من جسدك”.
“خافي من نفسك”.
“خافي ممن حولك”.
“خافي”.
“لأن الخوف مفتاح الأمان”.
ترضع على أوامر النهي والجزر.
“لا تضحكي هكذا”.
“لا تبتسمي أمام الرجال”.
“وأخفضي صوتك”.
“لا ترفعيه عالياً امام الرجال”.
“ثم لا تحركي جسدك هكذا. حبذا لو لففت نفسك كالشبح في قماشة حتى تغيبي.. تغيبي كالضباب”.
“قفي وأنت مضمومة، مزمومة، عابسة، متجهمة، صامتة، ثم لا تحدقي فيمن حولك. أكسري عينيك، وأنظري إلى الأرض”.
“ليتك تتحولين إلى فقاعة، تذوب في الهواء فلا نرها”.
هل تبدو تلك الأوامر مألوفة عزيزاتي؟
حتى لمن عاشت مثلي في بيئة كانت تقول لها إن ما يقوله له المجتمع لا يعني الكثير بالنسبة لها، فإنه ترك بصمته على نفسي.
“أنت حرة، فكوني كما تريدين” ، تلك الرسالة التي كان يرددها علي أبي دون أن يدري، لآنه أحبني وهو فخور. لأنه آمن بي.
لم أكن “عيباً”، لم أكن “جرحاً في وجهه”، ولم أكن “هماً يحسن أن نحيله إلى الزواج حتى نتخلص من ثقله”.
لكني كنت اسمع ذلك الصراخ الخائف في عيون من حولي من النساء.
كنت أراه والخوف في رمقاتهن.
“خافي. خافي. لأن في الخوف الآمان”.
ثم نلوم فتاة القطيف لأنها ارادت أن تستعيد صورتها؟
نلومها لأنها سعت إلى ذلك سعياً.
خائفة، مرتجفة، ترتعش.
تلعن “طيش الطفولة”.
وتلوم نفسها ألف مرة لأنها سمحت لنفسها بأن تشعر، كما يجب للفتيات الصغيرات أن يشعرن.
عزيزاتي، ليس في الحب ما يعيب.
ليس في الحب ما يعيب.
شعور إنساني طبيعي.
طاهر بريء.
جميل.
كالخير.
لكن مجتمع البداوة هو الذي يحول الجمال إلى قبح، والحب إلى دنس.
ونلومها بعد ذلك لأنها أرادت إسترداد صورتها؟
ونلومها بعد ذلك، لأنها وهي التي اغتصبت وانتهكت من سبعة رجال أربعة عشر مرة، وجدت من الصعب عليها أن تحكي فجيعتها؟
تأخرت في الأبلاغ عن الجريمة؟
نلومها على ذلك؟
ليت من لامها يستحي على نفسه.
لكن هكذا بدأت الحكاية.
بدأت مع الخوف.
أما ما حدث بعد ذلك فقد كان فضيحة.
لم تكن فضيحة الفتاة.
فتاة القطيف طاهرة، لم تقترف أية جريمة.
هي الضحية، هل تعون؟
لم تفعل سوى أنها انتهكت عرفاً لا يعني في الواقع شيئاً إلا لمن يؤمن به.
الفضيحة كانت فضيحة القضاء السعودي، الذي ظهر عارياً أمام عيون العالم المدهوشة.
والفضيحة كانت فضيحة من يحاول اليوم أن يشوه سمعة الفتاة كي يداري على عورته.
“مجتمع الأعراف.
يقتاد من الخوف.
من الخوف يقتاد.
وكهنوت.
يحيا من الظلام.
فكوني نوراً.. ولا تخافي.
لا تخافي،
لأن في الخوف إحتضار”.
elham.thomas@hispeed.ch
* كاتبة يمنية
فتاة القطيف: سأكتب وانا هادئة! أتابع كتاباتك الجريئة باعجاب مشوب بالتحفظ . إعجاب بذكائك وسعة وعمق اطلاعك وحيوية وقوة أفكارك وتحفظ حول إندفاعك غير المحسوب بالدفاع عن مايبدو- إذا افترضنا حسن النية – قناعتك الحالية في هذه المرحلة من عمرك الزمني والمعرفي . يمكنني أن أدعي أنني قرأت كل ماكتبتيه ونشرتيه بالعربية ، أو معظمه ، وآخر ما قرأت – قبل كتابة هذه السطور مباشرة – كان مقالك عن فتاة القطيف التي ” أنتهك عرضها من قبل سبعة ذئاب بشرية !! ” وقد أثار هذا الأمر غضبك وغضبنا جميعا .. ولكن ما لاحظته أيضا أن إنتهاك شرفنا وعرضنا الجماعي يوميا… قراءة المزيد ..
فتاة القطيف: سأكتب وانا هادئة!
أرى ان ماتقوله الكاتبة هو صوت الضمير. ولا أزيد.
فتاة القطيف: سأكتب وانا هادئة!
للكاتبة أسلوب حياة يبدو أنها بعيدة عن الدين نشأت عليها في مجتمعها لذا فهي ليس لها الحق في الحكم على مجتمع له تعاليم فليس في المجتمع اليمني أو السعودي الحرية التي تعيشيها إنما لها الحرية الكاملة التي كفلت لها حسب الدين والعرف مهي راضية بها كل الرضا لذا فأنت لم يكن هدفك فتاة القصيم أو غيرها بقدر مرض بنفسك على كل القيم الإصيلة بهذه المجتمعات والتي لم تتأثر بأي استعمار دخيل ينخر فيها
فتاة القطيف: سأكتب وانا هادئة!
للعلم فقط
الإدعاء العام في السعودية هو الذي طالب بمعاقبة الفتاة امام القضاء لأنه رآها في التحقيق مذنبة
فتاة القطيف: سأكتب وانا هادئة! مع احترامي الكامل لفتاة القطيف ومع اعترافي أني لا أعرف الحقيقة كاملة إلا أنه : 1 ـ أيتها الكاتبة أنت أيضا لا تعرفين الحقيقة كاملة بدلالة زعمك الاغتصاب 14 مرة وهو ما لم يقله أحد قبلك حد علمي !!!! 2 ـ أنت حكمت حكما قاطعا أن الدولة كذبت على الفتاة في شرفها ، هل عندك دليل يؤيد كلامك ؟؟ أم أنه إلقاء الكلام على عواهنه مما يخالف الهدوء الذي تزعمين ؟؟ 3 ـ أكثرت الحديث عن الصورة وكأنها هي سبب الحكم والجميع يعلم غير ذلك ولكن الخطاب إذا جاء محتشدا بالعاطفة كما فعلت أنت فإنه… قراءة المزيد ..