في خطوة ملفتة تؤسّس لتثبيت دور المعارضة الكردستانية العراقية كشريك استراتيجي يوازي بأهميته الحزبين الكرديين الحاكمين، “الديمقراطي” و”الاتحاد”، أعلن القيادي في حركة “غوران” (التغيير) “محمد توفيق” في تصريح لجريدة “الحياة” في عددها الصادر بتاريخ 24/03/2010 “ان قائمة التغيير لن تدخل في أي مشاورات مع أطراف سياسية أخرى بخصوص تشكيل الحكومة العراقية المقبلة الا بعد اعلان النتائج النهائية والرسمية للانتخابات”. وعن إمكان تلمّس موقف كردي موحد ازاء ترشيح طالباني لولاية رئاسية ثانية، قال توفيق “نحن مع هذه الخطوة ونقبل بها بشرط أن تتم مشاورتنا مسبقا والأخذ بوجهة نظرنا، أما اذا تم الأمر من دون التشاور معنا فمن الصعب القبول به”.
إن من أبرز افرازات الانتخابات البرلمانية الكردستانية، ويتوقع أن يكون الحال كذلك في الانتخابات البرلمانية العراقية، إنتقالُ الواقع الكردي من الثنائية الى الثلاثية، حيث سجلت تلك الانتخابات انحسار تمدد النفوذ الذي عاشه الحزبان الكرديان منذ سقوط نظام صدام حسين. كما أسست لوراثة “مام جلال” السياسية، دون أن تَغفل تلك المعارضة عن الواقع الحقيقي للأكراد حيث أن أكراد العراق، رغم كل ما تعرضوا له من ويلات “الانفال، حلبجه، التهجير الممنهج…..”، يبقون أسعد حظا من أبناء جلدتهم في الدول المجاورة (تركيا، ايران، سوريا) بالإنجاز الذي حققوه في شمال العراق بتحولهم الى شبه دولة مستقلة. فما بين المطالبة بالحقوق والمزيد منها، على المعارضة الكردستانية التنبه الى أنه ما زال في العراق ودول الجوار من ينتظر فرصة سانحة للنيل منهم وإجهاض تلك التجربة. وبالمقابل، على الحزبين الكرديين الاعتراف بالواقع الجديد وقبول المعارضة الكردستانية كشريك كامل الحقوق تترتب عليه نفس الواجبات من ناحية الحفاظ على المكتسبات الكردستانية. خاصة وأن الوصول الى واقع يكرس الدور الكردي في العراق لم يحصل الا بعد سقوط الديكتاتورية حيث أزال سقوطها الكثير من العقبات التي كانت تعترض طريق العلاقات العربية- الكردية، وأسس لشراكة يمكن أن تكون حقيقية فيما بين جميع الأطياف القومية والطائفية العراقية فيما لو تنازل كل طرف عن مصلحة الطائفة والقومية الضيقة لصالح العراق الموحد القوي.
الا ان تكريس ذلك الواقع يتطلب السير بطريق طويل ويحتاج بالدرجة الأولى الى الحوار على المستويين الكردستاني والعراقي، حيث يستهدف الحوار مناقشة المشكلات القديمة والجديدة بروح الشعور بالمسؤولية وايجاد الحلول المناسبة والانسانية لها وتطويق ما يعترضها من عقبات وتداعيات قد تكون خطيرة اذا استفحلت وتفاقمت حيث سيكون من شأنها تعكير صفو العلاقات الداخلية الكردستانية والعلاقات الكردستانية العراقية بما يؤثر سلبا على مستقبلها ومستقبل الشعبين الكردي خاصة والعراقي اجمالا. لذلك على الحوار أن يكون جريئا ويشمل، على المستوى العراقي، تكريس الفيدرالية من ضمن الوحدة وكيفية التعاطي مع العلاقات الاقليمية والدولية ومسائل القانون الدولي والانساني. اذا كانت المعارضة العراقية قد اعترفت منذ العام 1992 بحق تقرير المصير للشعب الكردي في مؤتمر فيينا وبالفيدرالية في مؤتمر صلاح الدين، فان بعض أطرافها ما زال يتردد ازاء فكرة الفيدرالية وينظر لحقوق الشعب الكردي نظرة قاصرة. لذلك كله تقع مسؤولية تاريخية على عاتق الحزبين الكرديين والمعارضة الكردستانية وذلك على الشكل التالي:
• لم يعد مقبولا رسم الخريطة الكردستانية على قاعدة “صوران” (منطقة الطالباني) و”بهدينان” (منطقة البارزاني).
• لم يعد مقبولا الغاء وجود الأحزاب الكردية المعارضة في أربيل ودهوك لتكريس سلطة الحزب الواحد.
• رغم أن النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية العراقية في كركوك لم تكرّس نهج التعايش العربي الكردي-التركماني، الا أن حركة التغيير مطالبة بلعب دور الجسر الوطني فيما بين شقي العراق العربي والكردي وذلك بالعمل على تكريس كركوك كمدينة تعايش ووحدة وطنية.
على الأطراف الكردية مجتمعة الإعتراف بأن القاعدة الأساسية للحفاظ على المكتسبات هي الاعتراف بحقوق الغير وتكريس حقوق الانسان ومراعاة رأي ومصالح السكان وخياراتهم الحرة، والحرص على السلم الأهلي والاجتماعي ومعالجة المشكلات الكبيرة في كركوك، وتطبيق المادة 140 المترتبة عن الحقبة الديكتاتورية بشكل انساني وقانوني، مع الأخذ بعين الاعتبار تأثير تلك الحلول على العلاقة فيما بين التكوينات العراقية المختلفة ومصالحها المشتركة ومستقبلها.
ان اعتراف المكونات الكردستانية ببعضها واعترافها بباقي الأطراف العراقية، وبالمقابل اعتراف تلك الأطراف بها، هو اسقاط للممارسات الديكتاتورية التي كانت تعلي مصلحة الفرد فوق مصلحة المجتمع وهو تعويض عن الواقع الأليم الذي عانى منه الكرد طويلا من حيث الحقوق القومية والقانونية والشرعية.
الاعتراف بالآخر والتحول الى جسر وطني يحتاجان الى الجرأة، والمكتسبات الكردستانية تستحق التضحيات.
mammassoud@yahoo.com
• كاتب لبناني