ما لم تكن صورة الأمور الحادثة في الواقع وانعكاسها علي شبكية العين السياسية صحيحة، فان أي تفاعل معها سيجعلنا لا نقل عن العميان شانا. فما جري مؤخرا في غزة كان مخططا له بعناية وعلي رؤوس الأشهاد منذ زمن. وتوجته تسيبي لفني وزير خارجية إسرائيل بإعلان من القاهرة بأنهم سيهاجمون غزة. ومثلما قررت إسرائيل غزو القطاع، انتظرت حماس حدوث الحرب. أي أن كلاهما بدا متفقا علي القيام بكل تلك المجازر. وظلت حماس تطلق صواريخ لا نفع فيها لقضية فلسطين ولا أذى فيها للإسرائيليين يساوي ثمن تلك الصواريخ. فالمؤامرة إذن كانت تجري باتفاق الطرفين. قرر احدهم العدوان وقرر الثاني تأهيل الطرف الأول وتجهيز قبول العالم السياسي لعدم الاعتراض عليه. لهذا لم يبق سوي الحس الشعبي ومشاعر رجل الشارع الذي يرفض العدوان علي البشر والحجر والشجر فقامت مظاهرات هنا وهناك. فذات الشارع الذي خرج بعد تنحي قائده في 67، هو نفسه الذي خرج في محاكمات الطيران واستمر في الخروج حني موقعة غزة الأخيرة. واعتقد انه سيخرج مستقبلا دون أن يحقق شيئا سوي مزيد من الحناجر والأصوات وترويج مبيعات الأعلام والكوفية الفلسطينية. الفارق أن هناك من كلا الطرفين وخاصة الطرف الفلسطيني والعربي من سما بالقضية بعد دورات متعددة من الهزائم بدءا من عام 48 وحتى الآن، هذا القطاع سما بطبيعة المشكلة محولا إياها إلي معركة دينية. فعندما نشأ حزب الله وحماس كان الاثنان يوجهان دفة الصراع إلي قبلة الأديان وليس كمشكلة بين بشر علي ارض يمكن حل مشكلاتهم لأنهم بشر لهم حقوق تختلف باختلاف الزمان والمكان. فمشكلات المنطقة كثيرة ومن هذا النوع بالذات ولا يريد العرب حلها بل تواطؤا كثيرا ضدها حتى لا تتفق وأحدث منجزات العقل الإنساني من حقوق في الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان الصادرة من الأمم المتحدة. أليس هذا هو حال كثيرين في المنطقة أصبحوا أهل ذمة عند العرب وفقدوا أهليات كانت ضمن مكاسبهم التاريخية. الم يصمت العرب علي مذابح الأكراد والبربر ودار فور لمجرد أن القائم بالعدوان من أمثال صدام حسين القومي العربي. إنها مصالح بشر تختلف طبقا للزمان والمكان. بينما يصر العرب علي ثباتها طبقا لما وضعوه من قواعد غير عادلة من المحيط إلي الخليج منذ زمن طويل. كنا نتوقع من السياسيين علي كل من جبهتي الحرب وعلي كل الجبهات غربا وشرقا أن يحولوا دون توجيه دفه الصراع إلي الوجهة الدينية لان نهايتها لن يحكمها احد من خارج هذا الكون إنما بقدرة كل طرف وإمكانياته. فحزب الله – خللي بالك من اسم الحزب – هزم في لبنان وقبل وقف إطلاق النار ولم يصمد واحتلت إسرائيل الجنوب. وحتى لا تنكسر قداسة الرموز داخل العقل الجمعي لمنطقتنا التعسة بكل المقدسات خرج الحزب ليعلن انتصاره. بل وشايعته أنظمة كانت قومية وانهزمت في جميع معاركها تحت راية القومية لغرض في نفس يعقوب. وعلي نفس النهج خرجت حماس لتعلن انتصارها. ونتذكر أن قبل حرب 67 قال عبد الناصر” إن إرادتنا هي من إرادة الله” لكن كبر الهزيمة ودويها لم تكن متفقة وطبيعة وقوة الاراده من مصدرها فتدارك مروجي سلعه القومية وشعرائه وقالوا بأنها نكسة.
مثلت تلك الأقوال تقاوي وشتلات تصلح لتكوين حزب الله وحماس في المستقبل وتصلح أيضا لتشكيل جميع التنظيمات الدينية التي مارس كثير منها الإرهاب فيما بعد تحت نفس الحجج بحل مشكلة فلسطين. الم يقل ابن لادن أن الأمريكان لن يهنئوا بالسلامة قبل أن يهنا شعبنا في فلسطين بها. لكنه ناطح أمريكا باعتبارها راس الكفر متناسيا أن حقوق الفلسطينيين هي حقوق علي الأرض وليست حقوقا دينية يحكمها إيمان أمريكا من عدمه.
في كل معارك العرب علي مدي أكثر من خمسين عاما وحتى يستمر المنتصر حاضرا والمنهزم كذلك في ارض الواقع فان تبديل أوراق اللعب كان شرطا لاستمرار اللعبة بينما حقيقة ومستوي اللاعبين ظلت كما هي حول مائدة القمار الشرق أوسطية حربا أو سلما. هكذا تم تأجيج الحس الديني والمشاعر المقدسة للعب بها حتى لا يدرك احد أن الهزائم ستقع علي الأرض وفي البشر ثانيا وثالثا بينما نحن نساعده في تمويه الهزيمة بتغليفها بسوليفان ديني لمزيد من العماء لنكون من الضالين. بهذا أصبحت حماس وحزب الله علنا ومن وراءهم ابن لادن مختفيا هما الغلالة التي سوف ينكسر آخرين من خلفها مستقبلا. إنها إذن المصيدة الدينية التي يمكن للأمن القومي لأي دولة في المنطقة بان يكون مهددا في الداخل والخارج بسببها. فما حاق بابن لادن وكل من علي شاكلته انتهاء بحماس وحزب الله لم يجعل الأمريكان فاقدين للسلامة ولم تصاب إسرائيل باذي يقارن بما حدث في غزة، بل إن مكاسب التعمير بعد تخريب غزة ستكون من نصيب إسرائيل لأنها الوحيدة المسيطرة غلي كل المعابر، عدا معبر رفح المتهم وصاحب وثيقة الإدانة المرورية. فمن سيدفع الفاتورة هم أثرياء المنطقة ومن سيكسب هم احد أطراف المؤامرة علي أطفال غزة برعاية الطرف الآخر فيها الذي سيقوم بدور المقاول وصاحب التوكيل. أما الخسائر السياسية لأطراف كثيرة في المنطقة فجعلت أمنهم القومي مهددا إما بالرقابة عليهم أو جعلهم تحت الوصاية ونشر قوات دولية علي أرضهم لحفظ امن إسرائيل منهم برعاية حماس وحزب الله. فنتائج حرب لبنان 2006 كانت كذلك وخسائر مصر بعد أحداث غزة من الممكن أن تكون علي نفس المنوال. أي العودة إلي زمن الوصاية والاحتلال.
فالاستخدام السيئ للألفاظ المقدسة والتعبير عن الواقع بلغة دينية ليس لها في الواقع من شئ. بل أثبتت أنها كارثة قادمة علي المنطقة تماما مثلما تم الاستخدام القومي للصراع منذ عام 48 وأنتج ما لا عين رأت ولا إذن سمعت من هزائم انتهت بحصار عواصم عربية ومطاردات من المحيط إلي الخليج للمقاتلين علي أرضية القوميات. يبقي السؤال من هي حماس ومن هو حزب الله بعد رصد تحولات القضية من القومي العنصري إلي الديني المقدس بعد إدخاله ليكون عنصرا مضاد لكل آمال المنطقة في التقدم. بل ومن هو القومي قبل ذلك لو ضاهينا هزائمه السابقة مع هزائم الحاضر؟ إنها أسئلة الداخل دون أي ادعاء بالعلم والمعرفة أو أننا امة خير من باقي الأمم نحمل لهم الهداية بينما نحن من الضالين.
elbadry44@gmail.com
* القاهرة
غزة .. وأسئلة حائرةAbove is a well written article whose logic is rather impossible to grasp by the Middle Eastern theocrats or they are not willing to understand it. It is really sad as the victims are the innocent laymen/women deceived by the religious dictates of the many reactionaries with the lowest possible IQ, if they have brains at all. Having said that, innocence is never an acceptable excuse for stupidity. In brief, it is a well written article by Elbadry that is documenting the failure of the emotional Zionism of the arabs vis-a-vis the Zionism of Israel. To help… قراءة المزيد ..