يعود الزميل علي حيدر للكتابة في “الشفاف” بعد عملية جراحية أبعدته أسابيع عن الكتابة. وقد رافق زيارة البطريرك الراعي إلى لبنان، ملاحظاً، وناقداً كعادته..
ثلاثة أيام في جنوب لبنان كانت كافية للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي كي يذهّب صورة بكركي في عيون شيعة الجنوب، بعد أن كان قد شرع بتلميعها بدءا من باريس، حين أطلق مواقفه الداعمة لسلاح المقاومة، وما تبعها من مواقف مشابهة تصب في الموضوع عينه.
اعتبر الجنوبيون الشيعة أن زيارة “الراعي” لمناطقهم فتحت صفحة مشرقة في تاريخ الإنفتاح المسيحي على الشيعة، وحققت نقلة نوعية في طبيعة تعاطي الكنيسة المارونية مع “الطائفة المستضعفة”، وبددت بوقتٍ قياسي مخاوف الأولى وهواجس الثانية. وذهب البعض إلى تأكيد أن الحفاوة الشعبية والرسمية التي استقبل بها “الراعي” في الجنوب، جعلته أقل حذرا وأكثر إطمئنانا، على مصير أبناء طائفته ودينه، ودحضت معلومات وإشاعات قليلها زائف وكثيرها افتراء، عن أوضاع المسيحيين في مناطق الجنوب.
بعيدا عن البرنامج الرسمي للزيارة الراعوية ، والهللويا الدعائية التي رافقتها، خطوة بخطوة ، ونقلة بنقلة، واختلفت في تأويل أهدافها ونتائجها وتفسير دوافعها وأسبابها وتحليل سلبياتها وإيجابياتها، ثمة مفارقات مضحكة ومبكية وأخرى مسلية، حصلت أثناء الزيارة، لم تأخذ حقها في البحث والتحليل، وبقيت بعيدة أو مغيبة عن وسائل الإعلام.
“الخيام”: لم يكلفوا أنفسهم عناء الخروج إلى الشرفات لإلقاء نظرة
فمثلا، في بلدة الخيام المختلطة طائفياً، تفوقت أعداد المستقبلين الشيعة على أعداد المسيحيين من أبناء البلدة، حتى أن كثيرين منهم لم يكلفوا أنفسهم عناء الخروج إلى الشرفات لإلقاء نظرة، وكأن القادم هو رأس طائفة لا ينتمون إليها. وحول هذا علّق أحد مسيحيي البلدة “هذه الزيارة للشيعة وليست لنا”! أما زوجته التي امتنعت عن الخروج أيضا، فقالت “المحجبات يُلقنَ باستقباله أكثر مني”! على المقلب الشيعي في المقابل، ورغم سنواته السبعين وقف “الحاج فضل” أكثر من ساعتين تحت الشمس، ينتظر صاحب الغبطة مع جمهرة من أترابه، يكررون على مسامع بعضهم موقف “الراعي” الذي أطلقه في باريس “إن سلاح المقاومة لا يمكن سحبه في الوقت الحاضر قبل إزالة الأسباب التي أوجدته”، فترتفع صرخات التكبير التي عادةً ما يرددها الجنوبيون إعجابا، وتدفع الحماسة أحدهم للقول “بدنا نسميه بوحسين الراعي”!
انتقالا إلى محطة “صف الهوا” على مشارف مدينة بنت جبيل، حيث كان اللقاء أكثر شغفا وحماسة، زحمة شديدة وتدافع وتراكض، الأعناق مشرئبة والعيون منصبة على اتجاه واحد. الزينة ، الألوان، الأهازيج والهتافات هي ذاتها. المشهد لا يختلف في “صف الهوا” عن مشاهد الإحتفالات التي يقيمها حزب الله: عباءات وقمصان سود ولحى وسبحات متدلية وأحاديث مطولة عن دعم المقاومة ومساندة سوريا في محنتها. هنا تبدو الأوامر الحزبية بالمشاركة كأنها إشارة البدء في سباق ما، فينزل إلى الحلبة كل من يسمعها, بنت جبيل لحظة استقبال البطريرك شبيهة كانت ببنت جبيل يوم احتفال “التحرير” الشهير، المكان، الجمهور، الخطيب! الفارق الوحيد أو البسيط هو صفة “الخطيب” ولباسه…
الجمهور العريض، المتسع، المتدفق، المتحمس، يسيطر في المناطق الشيعية ويغلب في المناطق المختلطة، لكنه سرعان ما يضيق ويضمحل في المناطق المسيحية. الغنى “الأكثري” يتحول فجأة إلى فقر “أقلوي”، فتتكلم الصورة عن نفسها دونما حاجة لأي تعليق، كما في “عين إبل” و”رميش” و”القليعة” و”برج الملوك” وغيرها من البلدات المسيحية.
في “مرجعيون“، كان بود أهلها، لو يطمئنهم “الراعي” عن مصير أبنائهم الفارين إلى إسرائيل، وبعض المخطوفين في سوريا، وكيف سيساعدهم في وضع نهاية سعيدة وقريبة لحياة مئات العائلات المشتتة، بدلا من أن يطمئنهم عن سلاح المقاومة الذي لا خوف عليه! أو يطالب بوضع حد لقضية تمدد العمران الطائفي ومصادرة أراضي المسيحيين في المنطقة تحت الضغط والترهيب. لكن ضيق الوقت وانشغال الضيف الإستثنائي بالإستقبالات الرسمية والخطب السياسية، حال دون وصول شكوى عامة الشعب!
حزب الله أنزل صورة أمير قطر عن جدار الكنيسة!
في بلدة “الجرمق”، أقصى قضاء جزين لجهة النبطية، كانت الليلة التي سبقت وصول غبطته حامية جدا. وكاد التلاسن الذي وقع بين سكانها القلائل وعناصر من حزب الله أن يؤدي إلى إشكال مسلح، حيث أقدم عناصر الحزب على إنزال صورة أمير قطر عن جدار كنيسة مار مارون وسط البلدة، التي بنيت بهبة قطرية بعد حرب تموز، الأمر الذي أغاظ الأهالي، فتصدوا للعناصر الحزبية ومنعوهم من تنفيذ مأربهم. في اليوم التالي ، دخل البطريرك واثق الخطوة إلى الكنيسة، لكن ثقته ما لبثت أن تحولت قلقا، بعد أن وشوش في أذنه أحدهم، أن الصرح الكنسي في البلدة ، خاوٍ على عروشه، فأهلها مهجرون منذ العام 1976 ولم يعودوا بعد، ولا إمكانية لعودتهم،. ويُقال إن البطريرك صعق للخبر، وأبدى دهشته من استمرار معاناة أهالي “الجرمق” التي لا علم له بها، وقال بعدما قدمّ له رئيس البلدية نبيل شديد “مفتاح الجرمق” علّه يحمل البشارة بإعادة أراضيهم إليهم : “لا يكفي الطلب من أهالي الجنوب العودة دون تأمين الإستقرار والإنماء لهم”.
أراضي “الجرمق” المسيحية لرندة بري وعدنان القصار!
والمعاناة التي لا علم للبطريرك بها هي أن أراضي “الجرمق” بيعت أيام الإحتلال بتراب المصاري كما يصف أهلها، وبالتزوير والتلفيق، للسيدة رندة بري عقيلة رئيس مجلس النواب وشقيقتها. كما حصل عدنان القصار على حصة كبيرة منها. ويقول أحد أبناء الجرمق”أنا بعت دونما واحدا من أرضي وعدت بعد التحرير لأجد أن “الجماعة” ضموا الدونمات الثلاثة الأخرى إلى مشترياتهم، ولم يتركوا لي مرقد عنزة”.
“بطرك المقاومة” في النبطية!
وصولا إلى مدينة النبطية، حيث خرجت المدينة بكامل شيعيتها لاستقبال الزائر الإستثنائي أو “الإمام الثالث عشر”، كما وصفه أهلها المشهود لهم بظرفهم! وفي باحة النادي الحسيني وقفت الجموع تحيي “بطرك المقاومة” ورئيس “الشركة” بالتصفيق والورود والزغاريد، لكن المشهد المسيحي بدا مشوشا وعدا الراهبات الأنطونيات، كان مسيحيو المدينة هم الغائب الأكبر عن حفل الإستقبال.
“غبطته” لم يعرج على الحارة المسيحية، لم يمرّ على كنيستها، “لم يدرِ إن كنا حاضرين أم غائبين عن إستقباله”، كما أشار أحد مسيحيي الحارة! أما خطابه عن التعايش المشترك وفضلنا في إغناء المدينة علميا وثقافيا، فلا يبني بيتا تهدم ولا يرد تعويضا اختطف، لا ينزل السكينة على قلوب فزعت ونفوس فقدت الإحساس بالأمان، ولا يعيد حقا لأصحابه”! بينما تمنى آخر لو أن “بطرك التعايش” تشرف وزار الحارة المسيحية، ليرى “مسجد عيسى بن مريم” الذي نبت فجأة بين بيوتها، ويلمس بيديه وعينيه وقلبه كيف تصادر خياراتنا السياسية والمدنية والإجتماعية وما نتعرض له من تهديدات وضغوطات يومية.
وفي دير مار أنطونيوس في “النبطية الفوقا”، تناول رأس الكنيسة المارونية الغداء مع الوفود الرسمية التي تقاطرت لإستقباله وتهنئته وتهنئة نفسها على مواقفه، بينما جسم الكنيسة ينتظر خارجا: عجائز ونساء وأطفال يحملون الشموع والورود في أيديهم والنذور في قلوبهم، ويتمنون لو أن قرع أجراس الزيارة رافقها قرع أجراس العودة أيضا.
عاد “غبطته” مغتبطا إلى بكركي بعد ثلاثة أيام من الإحتفالات الشعبية الحاشدة التي أقيمت على شرفه في مدن الجنوب وقراه، طمأن خلالها شيعة الجنوب أن سلاحهم سوف يبقى بخير، لكنه ترك مسيحييه في حيرة من أمرهم وأمنهم، ولم يطمئنهم إذا ما كانت بكركي ستعود أقوى بعد هذه الزيارة، أم العكس!
في أجواء مواقف البطريرك الماروني المعلنة وغير المعلنة وأجواء زيارته للجنوب، ورجوعا إلى القرن العاشر الميلادي، في رحلة معاكسة في الزمان والمكان، من جنوب الكرة الأرضية إلى شمالها ومن بقعة أرض إسلامية إلى بقعة سوف تصبح مسيحية لاحقا، تذكر التواريخ العربية والغربية، أن أحمد بن فضلان سفير الخليفة العباسي المقتدر بالله إلى بلاد الصقالبة، أجبره “بولييف”أحد زعماء الشمال آنذاك على ركوب سفينة على متنها إثنا عشر محاربا، ليكون هو المحارب الثالث عشر في مهمة حربية لدرء الخطر عن بلاده، حيث أن الأسطورة تقضي بوجوب أن يكون المحارب الثالث عشر من غير أهل الشمال، ليتمكنوا من الإنتصار. في البداية، اعترض المحارب العربي، إلا أنه انصاع للأمر بناء على نصيحة أحدهم، وآثر البقاء على الهروب من الواقع، لأنه في حال تمنعه سوف يعامل كلص ويوثق جسده بحبل قوي ويشنق ثم يترك معلقا في الهواء حتى يبلي جسده ويتقطع إربا بفعل الريح والمطر!
“غبطته” في الجنوب: جمهور متدفق في المناطق الشيعية يضمحلّ في المناطق المسيحية
اصرار الراعي على مساندة محور الارهاب وهلال الطائفية في المنطقة سوف يشعل لبنان قريبا…انت المسؤول يا راعي الدكتاتورية عن عواقب رعايتك لهذا الارهاب الملشيوي الطائفي …. المجد للرب
“غبطته” في الجنوب: جمهور متدفق في المناطق الشيعية بضمحل في المناطق المسيحيةأعتقد أنه و بعد خطاب الدكتور جعجع في قداس الشهداء و وضعه النقاط على الحروف، يجب على قوى 14 آذار بمختلف تلاوينها أن تترك البطريرك الراعي و شأنه. لماذا؟ بسيطة جدًا: الراعي اليوم حدّد خياراته، و هو بالتأكيد لن يأخذ أي شيء من درب أحزاب 14 آذار و تحديدًا المسيحية منها التي لا خوف على شعبيتها لا بل على العكس، فمع كل صحن فراكة يأكله الراعي من يد الأستاذ نبيه بري في المصيلح أو النبطية أو الخيام، و مع كل صورة للراعي و الأسد و نصرالله في بعلبك، سوف… قراءة المزيد ..