حين كانت طائرة وزير الخارجية الاميركية جون كيري تستعد للتوجه نحو موسكو، كانت الطائرات الاسرائيلية تغير على مواقع سورية امتدت على قوس طوله اربعين كيلومترا يحيط بالعاصمة من غرب شمال جبل قاسيون مرورا بالهامة وجمرايا امتدادا الى شرق الغوطة وصولا الى اطراف مطار دمشق. اربع ساعات استمرت مدة الغارة الاسرائيلية، التي يرجح مراقبون انها وفرت التغطية لعشرات الصواريخ الموجهة العابرة للدشم الاسمنتية، تلك التي رسمت قوسا ناريا استهدف جزءا من الاحتياط الاستراتيجي للنظام السوري، فدمرت عددا من مخازن الصواريخ، على طول هذا القوس الذي يرسم خط الدفاع الاخير عن دمشق.
لم يكن هذا العدوان، الذي لامس الحرب، ليتم من دون ضوء اخضر اميركي حصل عليه الجيش الاسرائيلي. بل يذهب بعض المحللين الاستراتيجيين الى وصفه بضربة اميركية عبر الجيش الاسرائيلي: رسالة سياسية – عسكرية اميركية موجهة الى ايران بالدرجة الاولى، مفادها ان مزيدا من انخراط حزب الله في الميدان السوري سيقابله اطلاق مدروس ليد اسرائيل عبر ضربات عسكرية نوعية ضد النظام السوري. فيما اسرائيل، التي وان لبت النداء الاميركي، إلا أنّها لا تهمل في مثل هذه الخطوة بنك اهدافها الخاص. فإلى استعراض القوة والتفوق والعدوانية، رسمت للرئيس السوري بشار الاسد، باستهدافها خط دفاعه عن دمشق، انه لن يكون في منأى عن مسؤولية تسرب سلاح استراتيجي من سورية او عبرها الى حزب الله.
وجهت اسرائيل ضربة قوية الى الاسد، وما لبثت ان طمأنته بأنه ليس مستهدفا ما دام لا يتجاوز خطوطا حمر رسمتها له. علما ان المواقع المستهدفة تخص الفرقة الرابعة، اي قلب النظام نفسه والدائرة الضيقة فيه.
هي اذاً وجهت صفعة قوية الى النظام، لكنّ الهدف ايراني. اعفت الاسد من الردّ على العدوان، لكن طمأنته بشروط هي “كفّه عن استفزاز اسرائيل” اي وقف ارسال الصواريخ الى حزب الله. فاسرائيل لم تعد تكتفي بمراقبة الحدود السورية – اللبنانية لرصد شاحنة هنا اوهناك تحمل سلاحًا باتجاه لبنان تمهيدا للاغارة عليها، بل انتقلت الى مرحلة تحميل الاسد ونظامه مباشرة هذه المسؤولية. وما يعزز مقولة ان الضربة طالت مراكز خاصة بالجيش السوري هو نفي ايران اي استهداف لسلاحها في سورية.
تغطية العدوان الاسرائيلي لم تكن اميركية او اوروبية فحسب. فالردّ الروسي وفّر تغطية اضافية من خلال عدم تشجيع سورية على الرد، ولم يظهر الموقف الروسي اي اعتراض يمكن الاستدلال من خلاله على ان مثل هذه الضربات موجهة الى موقعه ودوره ونظام مصالحه مع النظام السوري. إكتفت موسكو بالاستنكار، أسوة بالعديد من الدول. فيما روسيا، التي يجمعها نظام مصالح لا يستهان به مع اسرائيل، بدت وكأنها تتعامل مع الضربة الاسرائيلية باعتبارها وسيلة لا بأس بها للجم التمدد الايراني في القرار والميدان السوريين.
الضربة الاميركية، بواسطة إسرائيل، الى الاهداف العسكرية الاسرائيلية، تأتي على خط تقاطع توازنات دقيقة، اقليمية ودولية وسورية. فإسرائيل تتقدم لتعزيز واعادة تلميع دورها الاقليمي، ميدانيا، في السياسة الاميركية، وهي ايضا محاولة اميركية لرسم حدود بين دور روسي متمسك بموقعه السوري وطامح الى دور اساسي في مشاريع الغاز السوري واللبناني الاسرائيلي في المتوسط، وبين دور ايراني يعتبر موقعه السوري واللبناني خط دفاع عن طهران، وهو سيقاتل بشراسة لحمايته.
هكذا إذاً تقدّم واشنطن لروسيا الجزرة، وتقول لها إنّ التسوية ستكون معها، وتقدّم لإيران العصا، من خلال غارة إسرائيلية فجر الأحد على الحيز الايراني في حسابات الاسد، وليس على الحيّز الروسي.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد