إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
لا أعتقدُ أن أنصارَ حزب الله من الشيعة قد خابَ أمَلُهُم وفَقدوا الثقة بالحزب، وأنهم الآن يعيشون لحظة تَعَقُّل ويريدون العودة إلى الالتزام بالقانون.
لا أصدّق هذه الرواية المُسكِرة التي يُسوِّقُها السياسيون اللبنانيون من باب التمنّي تارةً، وطوراً من باب خوفهم من عودة هؤلاء الأنصار إلى حزب الله، فيُضفونَ عليهم صفات الوطنية والإيمان بالقانون وبمفهوم الدولة اللبنانية.
كل ذلك غير صحيح.
فهؤلاء جميعاً، وفي الحدّ الأدنى أولئك الذين ولدوا بين عامي 1982 و2002، لم يرَوا من حزب الله سوى ميليشيا قوية ومقاتلة ومتمردة على الدولة ومخالِفة للقانون ومُسلَّحة، وهي التي منحتهم المال والثقة والدعم والراحة والعزة والفخر، بل والنفوذ
على سائر الشيعة. والأهم من ذلك، الشعورَ بالتَفوُّق على سائر الطوائف اللبنانية.
هذا الإحساس لا يزول في 3 أسابيع بعد مقتل حسن نصر الله. ولا يتلاشى هذا الإحساس لأن الآلاف وقفوا تحت المطر، أو عاشوا في الخيام لأسابيع، أو فقدوا بعض مُدَّخراتهم وراحتهم. على الإطلاق!
هذا جزءٌ من صمودهم، وجزءٌ من مقاومتهم. فالاستثمار في حزب الله كبير جداً وعميق جداً وشخصي جداً من قبل هؤلاء بحيث لا يمكن أن يتخلوا عنه الآن عند أولى علامات الضعف. ماذا حدث؟ نعم لقد قُتل نصر الله وقُتل علي والحسين، من قبله، واستمرت الجماعة. وفي نظرهم، فقد ازدهرت وانتصرت!
يا أيها التائهون هذه هي أيديولوجية الشهادة! و هذه هي أيديولوجية القتال ضد أحفاد يزيد! هذه هي أيديولوجية إيران وقائدها الملهَم، “سيد الزمان”، و”الولي الفقيه! هذا هو حزبُ الأساطير، حزبُ الانتصارات الوهمية.
خسرت إيران حربها ضد العراق في الثمانينات، وسعت إلى سلامٍ مُذِل. ولم تستطع أن.. تصمد في حربها إلى جانب حزب الله في حربه عام 2006، وسعت إلى وقف إطلاق النار، ولم تستطع أن تصمد في حربها على “داعش” في سوريا فاستنجدت بالروس للتدخل. والآن، في لبنان، يحاول بِرّي الذي يلعب دور “الأب البديلّ” لهذا المجتمع الثكلى أن يستعين بماكرون الذي يملك من النفوذِ والقدرة على التأثير على إسرائيل ما يملكه بِري إن لم يكن أقل، للسعي إلى وقف لإطلاق النار.
ولكن بمجرد أن يتوقف القتال، لن ينضمَّ أتباعُ حركةِ “أمل” و”حزب الله” إلى الطوائف الأخرى في بناء دولة حديثة وعادلة وشفافة ومحكومة بشكل عصري و حضاري.
لقد اعتادوا على دولتهم الخارجة على القانون لفترة طويلة جداً، وعلى تجارة المخدرات والتهريب والترويج للعملات المزورة واستعمال النفوذ غير الشرعي في كل مرافق الدولة بمافي ذلك القوى الأمنية و القضاء، و الاستيلاء على عقاراتِ الغير بما في ذلك العقارات الكنَسِيّة، و اعتادوا على أنماط حياتهم التي تشبه حياة العصابات، لفترةٍ طويلةٍ جداً بحيث لا يمكن أن يصبحوا مواطنين نموذجيين بين ليلة وضحاها.
لا، عذرًا منى فياض، وعذرًا لغيرها!
لن يعودوا إلى الدولة ولن نعود نحن، نحن الطوائف الأخرى، إلى ما قبل 7 تشرين الأول، إلى احتلالهم للدولة بمساعدة إيران وبتواطؤ السياسيين السُنّة والموارنة الطامعين في رئاسة الحكومة والطامعين في رئاسة الجمهورية من الجنوب
إلى الشمال! بل توقعوا الصدام.
في الحقيقة، نحن أمام فرصة تاريخية: إما أن نعيد بناء دولة حقيقية تَحتَكِرُ استخدام العنف، وإما أن يستخدم الجميعُ العنفَ للدفاع عن جماعاتهم.
لدينا، كُلُّنا، مجانين وأسلحة، و لكن لدينا أيضا عاقلين وحكماء و أناساً استشهدوا، ومن كل الطوائف، على درب العبور إلى الدولة. أما أنصار “حركة أمل” و”حزب الله” فما زالوا في حالةِ إنكار. لكنهم سَيَصلون إلى هذه الحقيقة القاسية بقوة السلاح للأسف، أو الحرب الاهلية، وليس بقوةِ العقل!