هل تمثّل صورة “عيتا الشعب”، كما رسمتها مراسلة جريدة “لوموند” الفرنسية، الصورة الحقيقية لجنوب لبنان؟ هل يفرغ الجنوب من أهله الذين تبتلعهم بلدان “الهجرة” الإفريقية والخليجية والأوروبية والأميركية؟ كما سبق أن ابتلعت أهل الجبل والشمال وبعض البقاع؟ أسئلة قد لا تكون “مهمّة” لمن لا يهمهم سوى تحويل جنوب لبنان إلى قاعدة للنفوذ الإيراني!
الهجرة الشاملة، “هجرة الأدمغة” (38 بالمئة من الخريجين في 2010) وهجرة الناس العاديين، “أشرف الناس” و”الأقل شرفاً”، الموارنة والشيعة والسنّة والدروز و.. تطال اللبنانيين كلهم.
*
“عيتا الشعب”- مراسلة النهار “سيسيل إنيون”
لا تحن قرية “عيتا الشعب”، التي تنخرها البطالة والهجرة، إلى الماضي. ومهما عاد سكانها بذاكرتهم إلى الوراء، فإن همومهم كانت دائماً أكثر من أيامهم السعيدة.
حقاً أن ثمة روايات تتحدث عن عطر المريمية وأشجار الليمون على تلال “عيتا الشعب”. ولكن أحد الأهالي يلاحظ أن من كتبوا تلك الروايات غادروا البلاد منذ مدة طويلة. مضيفاً أن “الُعد ربما يولّد الحنين. ولكننا، نحن الذين بقينا هنا، نعيش رحيل كل واحد من أبنائنا بحسرة. هنا، لم يبقَ سوى عطر البؤس”.
إن داء الهجرة منتشر في لبنان كله. وقد أعربت مجلة “لو كوميرس دو لوفان” الإقتصادية اللبنانية عن قلقها إزاء تقرير للبنك الدولي جاء فيه أن “حوالي 6،38 بالمئة من اللبنانيين الذين تلقوا دراسات عليا هاجروا من لبنان” في العام 2010.
وفي جنوب لبنان، حيث ما تزال “الأمّية” منتشرة أكثر منها في مناطق أخرى (نسبة المتعلمين في لبنان تبلغ 90 بالمئة- إضافة من “الشفاف”: رقم 90 بالمئة مبالغ على الأرجح، ولا يأخذ بالإعتبار عواقب “سقوط الدولة اللبنانية” ومؤسساتها منذ سنوات عديدة..)، فإن المشكلة ليست هجرة الأدمغة بل الهجرة الشاملة. إن “عيتا الشعب”، التي تبعد مجرّد “رَمية حَجَر” عن إسرائيل تقع على حدود يسمّيها أهل البلدة حدوداً “ملعونة”. فقد تسبّبت أول حرب عربية-إسرائيلية في العام 1948 بقطع “عيتا الشعب” عن بيئتها الإقتصادية التقليدية، من غير أن تقرّبها من بيروت، العاصمة التي أصبحت مدينة غريبة بما تضمّ من بنوك وشركات تأمين. ثم جاءت الحروب المتعاقبة (وآخرها في العام 2006) واحتلال جنوب لبنان بين العامين 1982 و2000 لتتسبّب بتدمير منازل البلدة، وإفقار تلالها، وتهجير سكانها.
وقد تكلّلت بعض الهجرات بالنجاح، وخصوصاً الهجرات نحو إفريقيا. ويشهد على ذلك ظهور “فيلات” مبالغة في أحجامها بجوار منازل الجنوبيين التقليدية. ولكن هجراتٍ أخرى تمت على طريقة “الروليت الروسية”، مما أوقع المهاجرين في براثن الهجرة غير الشرعية. إن المحنة التي عاشها “يوسف سرور” (27 عاماً) هي نموذج للأخطار التي تحيق بالشبان الشيعة من أهالي جنوب لبنان. ويسعى “يوسف”، وهو الثامن في أسرة تضم 9 أولاد، للتشبّه بإخوته الأكبر سنّاً الذين استقرّوا في بلغاريا، أو ألمانيا، أو ساحل العاج.
ولكن شقيقه “حسن” كان الوحيد الذي أخفق في محاولته الهجرة من البلاد. فقد حاول أن يرحل إلى اليونان، عبر تركيا، في العام 2005. ولكن رحلته انتهت في البحر. فقد حطّمت الأمواج المركب الشراعي الصغير الذي استقلّه. ويقول “يوسف”: “غرق ثمانية نم ركّاب المركب. الناس هنا لا تجد عملاً، ولهذا فإنهم يهاجرون، ولهذا فإنهم يموتون..”.
ورغم مغامرة شقيقه المأساوية، فقد دفع “يوسف” مبلغ 1000 دولار لوسيط وعده بتأمين “فيزا” شرعية لدخول إيطاليا. ولكن الوسيط اختفى، ومعه الدولارات. ويقول “يوسف”: “لقد استلفت ذلك المبلغ. كنت غارقاً في الديون. وكان حلمي هو أن أتزوّج. ولكن أحداً لا يقبل أن يزوّج إبنته لشخص لا يملك منزلاً، أو سيارة، وليس لديه مال”.
أثناء حرب 2006، لجأ الشقيقان إلى مدرسة في “صيدا”. وفي “صيدا”، تعرّف “يوسف” على فتاة. وكانت ليالي القصف تمرّ وهما ينسجان أحلام السعادة وبناء عائلة وفيرة الأولاد. وبعد الحرب، حصل بعض أهل القرية على مبالغ نقدية كبيرة لبناء منازلهم. ولكن عائلتنا ظلّت فقيرة لأننا لسنا أعضاء في “حزب الله” الذي كان يوزّع النقود. وأُعطيَ والدي “شيكاً” لم يكن قادراً على قراءته، ولم يكفِ لإصلاح سطح المنزل”.
بعد ذلك، اشتغل يوسف كعامل فرن ثم ككهربائي: “بين 14 و16 ساعة يومياً مقابل 700 دولار في الشهر. بعد دفع كلفة وجبات الطعام والسجائر، لا يبقى لك ما يكفي لشراء شيء. لقد استدنت، ثم اضطررت لفسخ خطوبتي، وبعد ذلك فقدت عملي”.
وفي تلك اللحظة، عرض عليه قريب له عملاً في السعودية. وهذه المرة، ابتسم له الحظ. ففي العام 2007، سافر “يوسف” إلى “الدمّام” ليعمل لدى شركة مطاعم “تنّور”. ويقول “يوسف”: “مع الساعات الإضافية، كنت أقبض 1200 دولار في الشهر. بل، واستطعت أن آخذ إجازة أسبوعين في لبنان. وفي العام 2008، حصلت على “إقامة” في السعودية. وكنت أفكّر في زيارة عائلتي في آخر شهر رمضان، في ديسمبر. ولكن الشرطة السعودية اعتقلتني”.
وهكذا أصبح الشاب الجنوبي ضحية لتوتّرات إقليمية لا علاقة له بها. فقد اتّهمته الشرطة السعودية بأنه “عميل” لحزب الله: “قالوا لي أنني لن أخرج من السجن قبل 15 سنة، وأن أهلي باتوا قريبين من الموت. قضيت 3 أشهر في زنزانة منفردة، ثم مع سجناء آخرين متّهمين بالإنتماء إلى “القاعدة”. وكان هؤلاء من “السنّة” المتعصّبين جداً. وفي نظرهم، كنت شيعياً كافراً! كانوا أشراراً وعنيفين”!
في تلك الأثناء، حاول شقيقه “حسن” أن يعرف سرّ اختفاء “يوسف”: “طلبت مساعدة السلطات اللبنانية، ولكن بدون طائل. وفي وزارة الخارجية، قالوا لي أن “يوسف”
معتقل سياسي. ولكنني أعتقد أنه، بالأحرى، كان سجين الإقتصاد اللبناني”!
وقد تعرّف “حسن” على شخص يدعى “علي” أكّد له أنه يستطيع مساعدته مقابل مبلغ 8000 دولار اضطرّ “حسن” لاستدانته. ولا يعرف أحد إذا كان شقيقه قد استعاد حرّيته بفضل المبلغ. فقد أطلق سراح “يوسف” بعد 6 أشهر، مع “إعتذارات” الشرطة السعودية.
وهكذا عاد “يوسف” إلى بيت الأسرة الذي يوشك سقفه على السقوط في “عيتا الشعب”. “اقترح عليّ شخص أن أتوجّه إلى السفارة السعودية في بيروت. ووعدني بتعويض مالي”. ورغم قلقه، فقد توجّه فعلاً إلى بيروت. وفي السفارة، طلب منه ديبلوماسي سعودي التوقيع على ورقة. وكان ذلك الشرط الضروري للحصول على تعويض بقيمة 11316 دولار. ويقول “يوسف”: “كان شقيقي ينتظرني مختبئاً خلف سيارة متوقفة، خوفاً من أن يحصل لي مكروه. ولكن كل شيء تمّ على ما يرام. وقد أعطاني الديبلوماسي مبلغ 11320 دولار وطلب مني الفارق. وكان ذلك يوماً سعيداً، فلم يكن في جيبي سوى مبلغ 4 دولارات المطلوب”!
“عيتا الشعب: قرية في جنوب لبنان تفرغ من شبّانها
عيتا الشعب..يوسف سرور..معتقل السعودية
بسم الله نرجو من الصحفية سيسيل إنيون التي تعمل في جريدة ليموند الفرنسية بي ان تكمل الموضوع التالي بي اني اطالب بالرفاهية في لبنان و اتمنى الحياة في اوروبا