عادت إسرائيل إلى عمليات قتل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بالجملة غيلة وبالقصف المدفعي والجوي في حركة تكتيكية سافرة لاستدراج الفلسطينيين إلى الرد عبر القصف الصاروخي أو” الرد في العمق ” كما هدد ناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية.
لماذا خرقت إسرائيل التهدئة التي طالما طالبت بها؟
جاء طرح القمة العربية في الرياض (28و29آذار2007) لمبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت 2002 والتي ربطت التطبيع الكامل بانسحاب إسرائيل إلى حدود4 حزيران 1967 وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وحل مشكلة اللاجئين حلا عادلا،دون تعديل طالبت به إسرائيل في نقطتي عودة اللاجئين والحدود،وتشكيل لجنة من الرباعية العربية هدفها تسويق المبادرة العربية إسرائيليا (كلفت مصر والأردن بهذه المهمة) ودوليا بانتداب عدد من الوزراء العرب (13 وزيرا) لزيارة دول الرباعية الدولية للترويج للمبادرة وشحذ عزيمتها ودفعها لتنشيط عملية التسوية على الضد من التوجه الإسرائيلي.
فقد شكلت خطوة القمة العربية إحراجا للسيدة رايس ولإيهود أولمرت معا، الأولى بسبب المفارقة الحادة التي تواجهها بين حاجة واشنطن لدعم الدول العربية التي تصفها بالمعتدلة لتأمين تهدئة في العراق،وحشد هذه الدول ضد إيران،ومعارضة قوى أمريكية من داخل الإدارة الأمريكية وخارجها لإعطاء عملية السلام العربي – الإسرائيلي أولوية في تحرك الإدارة الأمريكية الشرق أوسطي،لذا فهي بحاجة إلى إقناع رئيس وزراء إسرائيل بالتعاطي بايجابية مع المبادرة العربية،كمدخل للتفاهم مع الدول العربية المعتدلة،من أجل اقناع هذه الدول بالاستجابة للمطالب الأمريكية في مواجهة إيران من جهة وعدم استفزاز أو إغضاب قوى نافذة في الإدارة واللوبي الصهيوني من جهة أخرى.
غير أنها عجزت عن صياغة موقف يرضي الطرفين العربي والإسرائيلي،حيث أثار تبنيها لأولوية أولمرت- تعديل المبادرة والتطبيع- بدعوتها الدول العربية إلى مد اليد لإسرائيل بإقامة علاقات تجارية وفتح مكاتب دبلوماسية ولو منخفضة المستوى لدى الكيان الإسرائيلي- غضب هذه الدول، واستفزت دعوتها أولمرت للتعاطي ايجابيا مع المبادرة العربية قوى أمريكية داخل الإدارة وخارجها والذي عبرت عنه محاولة السيدة نانسي بيلوسي في جولتها الشرق أوسطية ومبادرة إبراهيم سليمان(الأمريكي السوري الأصل) في الكنيست فتح قناة سورية إسرائيلية تقطع الطريق على المبادرة العربية.وهذا دفع السيدة رايس للتخلص من الإحراج بطرح حل ،قدمته في وثيقة مكتوبة إلى الطرفين،يقوم على خطوات وإجراءات متبادلة يمتص غضب إسرائيل واللوبي الصهيوني،لانه لا ينطوي على مغزى سياسي ،ويداعب أحلام بعض العرب بالايحاء بان الإدارة الأمريكية تحركت أخيرا على الضد من رغبة إسرائيل بدعوتها لتنفيذ خطوات تمنعت من قبل عن تنفيذها مثل رفع الحواجز وتسيير خط نقل بري بين الضفة والقطاع وإزالة الاستيطان العشوائي ..الخ. وذريعة السيدة رايس من وراء طرح الوثيقة قيام ” ثقة ” بين الطرفين.
أما الثاني- أولمرت- فإنه غير قادر على التعاطي بإيجابية مع المبادرة العربية،رغم المصلحة التي يمكن أن تنطوي عليها العملية لجهة التقارب مع الدول العربية المعتدلة وتوفير مناخ يسمح بحشدها للتصدي لإيران،لاعتبارات جوهرية أولها ضعفه الشديد والذي يمنعه من تبني عملية سياسية لا تلقى تأييدا شعبيا إسرائيليا،لانها تنطوي على انسحاب من أراض عربية في فلسطين والجولان،خاصة بعد تآكل شعبيته في ضوء تقرير لجنة فينوغراد وثانيها رغبته في بقاء القوات الأمريكية في العراق أطول مدة ممكنه،لان وجودها يخدم مصالح إسرائيل في إبقاء العراق خارج معادلة القوى في الإقليم ويزيد من فرص المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران ويحد من قدرة الإدارة في الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية،وثالثها استثمار المأزق الأمريكي في عرقلة تقارب أمريكي إيراني وأمريكي سوري على حساب مصالح إسرائيل في المنطقة.
لم تضع القمة العربية آلية لتنفيذ مبادرة السلام العربية أو خطة عمل بديلة مناسبة،محددة وقابلة للتنفيذ،لمواجهة احتمال فشل الرباعية العربية في تسويق الخطة ووضعها موضع التنفيذ. وهذا سمح لأولمرت بطرح تكتيكات لاحتواء المبادرة والتخلص من الإحراج الذي نجم عن طرحها وخلط الأوراق بحيث تتحمل الدول العربية مسؤولية الاستعصاء الجديد مثل الدعوة إلى العودة إلى خطة خارطة الطريق والبدء بتنفيذ بندها الأول:مكافحة “الإرهاب” وتفكيك المنظمات “الإرهابية”.
ولما لم تنجح السيدة رايس باقناع الدول العربية بتعديل المبادرة العربية أو بالانفتاح على إسرائيل والدخول في عمليات تطبيع ولو جزئية معها قبل استجابة إسرائيل لمقتضياتها ما أبقى الكرة في الملعب الإسرائيلي لجأ أولمرت إلى تكتيك سلفه شارون:ضرب الفلسطينيين وتدمير حياتهم لدفعهم للدخول في دوامة العنف والعنف المضاد،وبهذا يتمكن من تحقيق عملية خلط واسعة للأوراق وإعادة الحركة السياسية إلى المربع الأول:وقف العنف وتفكيك البنى التحتية للمنظمات الفلسطينية.ما يعني تجويف العملية السياسية واحتواء هجوم السلام العربي وتحميل الفلسطينيين والعرب مسؤولية جمود العملية السياسية ودفع الفلسطينيين إلى مناخات مواجهة داخلية مرة أخرى.
ali.a1950@gmail.com
*كاتب سوري
الخليج الإماراتية