سأذهب اليوم ـ بإذن الله ـ لأدلى بصوتى فى الاستفتاء على الدستور، لأن المقاطعة تعطى الفرصة للمزورين لكى يستغلوا غيابى ويصوتوا نيابة عنى!
سأذهب لأقول «لا» للدستور، لأن الجمعية التأسيسية التى وضعته تجاهلت أن 27 من أعضائها الأساسيين، يمثلون تيارات سياسية ذات ثقل، قد انسحبوا منها اعتراضاً على 36 مادة من مواده، ولم تسع للتوافق معهم حولها، مع أن ذلك كان ممكناً لو تأجل موعد الاستفتاء لمدة شهر واحد!
سأذهب لأقول للدستور «لا».. لأن الذين يروجون له يستندون إلى ادعاءات مضحكة بأن هناك مؤامرة طائفية تستهدف إسقاط الرئيس، وهو خطاب طائفى يحول الدستور إلى وثيقة لتمزيق وحدة الأمة.. بدلاً من أن يكون دستوراً لكل المصريين.
سأقول «لا» للدستور لأن أغلب شرائح النخبة المصرية التى قادت النضال ضد الاستبداد من القضاة إلى أساتذة القانون الدستورى، ومن أساتذة الجامعات إلى قادة الحركة النقابية العمالية والمهنية، ومن الأدباء والفنانين إلى الصحفيين وأصحاب الرأى، ومن رجال الدين الإسلامى المستنيرين إلى رجال الاقتصاد يقولون له: «لا».
سأقول «لا» للدستور لأنه شطب الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من دستور 1971، التى كانت تحظر تأسيس الأحزاب أو ممارسة أى نشاط سياسى على أساس دينى، فأباح فى المادة السادسة منه قيام أحزاب على أسس طائفية ستحول مصر إلى لبنان أو عراق أو صومال أخرى!
سأقول «لا» للدستور لأنه نص فى المادة 33 منه على أن «المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم فى ذلك»، وشطب بقية المادة كما جاءت فى كل الدساتير المصرية منذ دستور 1923، وكانت تقول «.. ولا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الأصل أو النوع أو اللغة أو العقيدة أو الآراء السياسية أو الاجتماعية»، وأباح بذلك التمييز بين المصريين لهذه الأسباب، التى لا يوجد أى نص يحظر التمييز بينهم بسببها.
سأقول «لا» للدستور لأن المادة 48 من الدستور قد أباحت تعطيل وإغلاق الصحف ووسائل الإعلام بحكم قضائى، وهو ما كان نقيب الصحفيين قد ألغاه بالنسبة للصحف فى ظل النظام السابق وما قبله، ولأن حرية الصحافة قد حوصرت فى المادة ذاتها بمجموعة من الشروط والحدود تعطى المشرع الحق فى العصف بها، بمجرد إقرار الدستور، وهى ساعة الصفر التى ينتظرها مولانا الشيخ حازم أبوإسماعين، قائد معركة «العجل»، لكى يقتحم مدينة الإنتاج الإعلامى، ويذبح كل العاملين بها، ويدعو أنصاره للتمتع بلحومهم!
سأقول «لا» للدستور لأن اللجنة التى وضعته أصرت على إبقاء الصحف ووسائل الإعلام القومية تحت سيطرة الرئيس القائم والحزب الحاكم، ورفضت أن تضمن لها استقلال كل السلطات، ولأنها رفضت إلغاء العقوبات السالبة فى جرائم النشر، مع أن الرئيس السابق كان قد ألغى خمساً منها.
سأقول «لا» للدستور لأن الفقرة الثالثة من المادة 81 منه قد شطبت على 50 مادة وردت فى الباب الثانى الخاص بالحقوق والحريات العامة، حيث نصت على أن «تمارس الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المقومات الأساسية الواردة فى باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور».
سأقول «لا» للدستور لأنه حرم مجلس الشورى من الحق فى اقتراح القوانين، وفى الرقابة على السلطة التنفيذية بتقديم الاستجوابات والأسئلة وطلبات الإحاطة، ولم يترك له إلا سلطة مراجعة القوانين التى يقترحها مجلس النواب، وبهذا ظل مجرد زائدة دستورية لا جدوى منها إلا إهدار المال العام، ولا وظيفة لها إلا السيطرة على الصحف القومية، وكذلك لأن الدستور احتفظ فى مواده الانتقالية بمجلس الشورى بتشكيله الحالى ومنحه اختصاصات لم تكن له حين انتخابه.
سأقول «لا» للدستور لأنه لم يعد التوازن داخل السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، فالرئيس يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة السلطة التنفيذية، ومع أنه يرأس إحدى السلطات الثلاث، فقد أناط به الدستور رعاية الحدود بين السلطات، وهو يضع السياسة العامة للدولة مع مجلس الوزراء ويشتركان فى الإشراف عليها، وهو ينفرد وحده بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الذى يعين كبار رجال الدولة والسفراء ويعزلهم، وعلى الرغم من أنه الحائز الأصلى للسلطة التنفيذية، فإن المسؤول عن ذلك أمام مجلس النواب هو رئيس الوزراء الغلبان!
سأقول «لا» للدستور لأن المادة 139 منه التى تنظم حق رئيس الجمهورية فى اختيار رئيس الوزراء تحرره من الالتزام باختياره من الحزب أو الأحزاب الفائزة بالأغلبية فى انتخابات مجلس النواب، ولأن الأسلوب الذى أوردته بتنظيم حصول الحكومة على ثقة المجلس النيابى لا يختلف عن الأسلوب المعيب الذى أخذ به دستور 1971، والتنظيم الديمقراطى والدستورى السليم، هو أن يكلف الرئيس حزب الأغلبية بتشكيل الحكومة وأن يختار الحزب الوزراء وأن تتقدم الحكومة إلى مجلس النواب تطلب ثقته على أشخاصها قبل أن تمارس أى عمل، لا أن تمارس السلطة لمدة شهر ثم تطلب الثقة!
سأقول «لا» للدستور لأسباب أخرى كثيرة اللهم إلا إذا اعتبر سيف الله المسلول مولانا الشيخ حازم أبوإسماعين أن «ساعة الصفر» ليست ساعة إعلان نتيجة الاستفتاء بل ساعة بدئه، فنفخ فى نفير الجهاد أمام مدينة الإنتاج الإعلامى، لتبدأ «مذبحة العجل».
ونسألكم الفاتحة