كنت يوم 20/6/2005 في زنزانتي غرفة رقم1 في الجناح الثاني في سجن دمشق المركزي – عدرا، وهو جناح خاص بالمعتقلين السياسيين يديره فرع التحقيق في الأمن السياسي. وهي غرفة صغيرة مساحتها 2×2,5 ضمنها حمام ومغسلة خارجه مضاءة بنيون للغرفة ولمبة عادية للحمام ولها نافذة عليها شبك واسع الفتحات لكنها دون زجاج، بطول الغرفة ولكنها ليست عريضة(50 سم فقط) يدخل منها الضوء والهواء والشمس والحشرات كذلك. أين هي من الزنزانة التي سجنت فيها في سجن صيدنايا العسكري في اعتقالي الثاني عام2006- غرفة 180×180 دون إنارة أو نافذة لدخول الشمس والهواء والنور كما في الأولى التي تعتبر “جنة”. زنزانة خمس نجوم، بالمقارنة مع الأخيرة خاصة وإن إدارة السجن مع اتساع حملة الاعتقالات قد قامت بحشر 4 معتقلين في الزنزانة الواحدة. حاول تصور حياة 4 بني أدمين محشورين في غرفة مساحتها 180×180. المهم وأنا في زنزانتي تلك وكنت قد حصلت للتو على حق شراء جريدة يومية،علي اختيار البعث أو الثورة أو تشري. قرأت ضمن مقال يدافع كاتبه فيه عن السلطة السورية نبأ اغتيال سمير قصير. ذكره الكاتب في مجال نفي علاقة سورية باغتياله. صعقني النبأ، تذكرت صورته مواقفه وتحليلاته التي سمعته يرسلها عبر محطات تلفزية لبنانية وعربية. استعدت ابتسامة المميزة وما سمعته عن حياته الجديدة بعد ارتباطه بالسيدة جيزيل خوري بعد قصة حب كبيرة، كما قيل، حيث دخلا حياة جديدة بفرح عارم. حاولت تخيل حياة السيدة جزيل بعده. غمرني حزن عميق وكثيف دعيت له في صلواتي وقرأت الفاتحة على روحه الطاهرة وتمنيت أن يتاح لي إرسال التعازي للسيدة جزيل. علمت فيما بعد أن ولدي عمر المعتقل في سجن صيدنايا العسكري منذ عام وربع العام قد قام بواجب العزاء مع نشطاء من لجان إحياء المجتمع المدني، وقد زاد حزني لأني لم أشارك في وداعه الأخير لكني عللت نفسي باللقاء الذي سيجمعنا حتما في جنة الخلد حيث سيتواجد المناضلون ضد الاستبداد والمدافعون عن حرية المواطنين واستقلال الأوطان وسيادتها.
لم أتعرف إلى الشهيد سمير قصير، كما لم أقرأ إلا القليل مما كتبه. لكني أعجبت بالروحية التي تحكم سلوكه وفكره السياسي عندما استمعت إلى تعليقاته ومداخلاته في عدد من المحطات الفضائية اللبنانية والعربية. وقد تكرس هذا الانطباع في ذهني عندما سأل عما إذا كنت تعرضت لأي مساءلة بعد قيامي بقراءة مساهمة الأستاذ علي صدر الدين البيانوني المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين في سورية حول الإصلاح في سورية في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي الذي أنا عضو في مجلس إدارته يوم7/5/2005. كان سؤاله يوم السبت 14/5/2005 ، قبل يوم واحد من اعتقالي على خلفية قراءة النص يوم 15/5/2005، حيث عبر في سؤاله عن قناعته الراسخة بترابط الوضع في سورية ولبنان. فسيادة الحرية والديمقراطية واستقرارهما غير ممكن في أي منهما دون الآخر. فلا حرية ولا ديمقراطية في لبنان دون قيامهما في سورية، لان سورية قادرة على تعطيل الحرية والديمقراطية في لبنان. وقيام الحرية والديمقراطية في سورية سيمنح الحرية والديمقراطية في لبنان الأمان والاستقرار والتطور.
اغتيل الشهيد سمير قصير قبل صدور إعلان بيروت- دمشق/ دمشق- بيروت الذي استبطن رؤى نشطاء سياسيين وحقوقيين ومثقفين من البلدين وأمانيهم في مستقبل أفضل وعلاقات ندية وشفافة ونزيهة كان الشهيد سمير أحد أبرز دعاتها. وقد دفع مثقفون ونشطاء سياسيون وحقوقيون سوريون ثمن موقفهم من واقع هذه العلاقات ومستقبلها سجنا وطردا من العمل في مؤسسات الدولة، أحكاما جائرة أصدرتها محاكم غير مستقلة بحق الأساتذة أنور البني (5 سنوات) وميشيل كيلو ومحمود عيسى(3 سنوات لكل منهما) وسليمان الشمر وخليل حسين (10 سنوات لكل منهما) وقرارا من رئيس الوزراء (قرار رئيس مجلس الوزراء رقم “2746 ” بتاريخ 14-6- 2006) بطرد الأساتذة سهيل أبو فخر،عصام محمود ،فؤاد البني،هيثم صعب،نبيل أبو سعد، مروان حمزة، كمال دبس، منير شحود، نيقولا غنوم، سليمان الشم، كمال بلعوص، فضل حجار، لينا وفائي، غالب طربيه، سلمى كركوتلي، ناظر نصر، عصام أبو سعيد
من عملهم في مؤسسات الدولة.
والأكيد أن الشهيد سمير سيحزن كثيرا لاعتقال هؤلاء المثقفين والنشطاء السياسيين والحقوقيين، الذين يعرفهم منهم والذين لا يعرفهم. ولكنه سيشعر بالرضا والامتنان لان قافلة الحرية والديمقراطية ما تزال تحث الخطى على طريق الخلاص وإن الفجر آت لا محالة.
سمير مع شوقنا العظيم إليك، إلى روحك السمحة وابتسامك المحببة، وحاجتنا إلى رأيك في هذا الليل شديد الظلمة فإننا نرجوك أن ترتاح قليلا وتنام ملء عيونك وان تنتظر لقاءنا كي نقلب أوراقنا معا ونضعك في صورة ما حصل في غيابك الطويل عنا ونعلمك كيف انتصرت الحرية على القهر والاستبداد.
ali.a1950@gmail.com
*كاتب سوري