لماذا يزداد العنف هياجا وشراسة؟
“إنها غريبة وطويلة تلك الحرب التي يحاول فيها العنف قهر الحق. كل جهود العنف لا تستطيع إضعاف الحق ولا يمكنها سوى إظهاره أكثر فأكثر. لكن ضوء الحق كله لا يستطيع وقف العنف، بل لا يؤدي سوى لإثارته أكثر فأكثر!” هذا ما يقوله رنيه جيرار (على لسان باسكال) في كتابه الصادر حديثا بعنوان “اكتمال كلاوزفيتز” (*).
جيرار، الذي يتأكد مكانه كواحد من أهم مفكري الغرب في نصف القرن الأخير هو صاحب نظريات “المحاكاتية” و “كبش الفداء” (bouc émissaire, scapegoat) التي تتعرض لقضايا العنف والمقدس على مر التاريخ. (سبق أن عرضنا لأفكاره الرئيسية في مقال بعنوان “العنف المقدس” (**)).
اختار جيرار أن يعود لمعالجة موضوع العنف عبر دراسة كتاب “عن الحرب” لكارل فون كلاوزفيتز (1780ـ 1831) المؤرخ العسكري الاستراتيجي و”مُنظِّر” قوانين الحرب، وصاحب المقولة الشهير أن “الحرب مجرد استمرار للسياسة بوسائل أخرى” (الفقرة 24 من الكتاب ـ الأطروحة، الذي لم يكمله صاحبه؛ ومن هنا عنوان كتاب جيرار).
يقوم جيرار، المفكر الموسوعي، بسياحة مكثفة، تلهث وراءها الأنفاس، عبر التاريخ والفكر وتاريخ الفكر؛ متخذا الحروب النابليونية والحديثة حتى الإرهاب الإسلامي مجالا لتأملاته وتحليلاته. لكنه أيضا، وهو المفكر الملتزم والمهتم بأحوال البشرية ومصيرها، يرفض أن يقبع داخل برجه العاجي، ويتقدم بإلحاح شديد برسالة حارة تدعو للمصالحة. وإذ يلفت النظر إلى تسارع حركة التاريخ بصورة غير مسبوقة، يبدو خطابه وكأنه يتراوح بين كثير من التشاؤم وقليل من التفاؤل، إلا أنه يرفض كلا التوصيفين، ويعلن أن المعطيات والأوضاع غير المطمئنة هي خير حافز على رفع كل “تابوه” يمنع رؤية الحقيقة، وضرورة عمل كل شيء من أجل خلاص البشرية من التصعيد العنفي المجنون الذي تندفع نحوه ويهدد الكوكب بمن عليه. وهو يقول ببساطة: “يتسلط عليّ اليوم يقين بضرورة تصالح الناس. كنت أظن أن إدراكا عاما حول العنف يمكن أن يكفي (لوقفه). لكن لم أعد أعتقد هذا” (ص 95).
قبل البدء في عرض لمحات لأبرز لأفكار الكتاب، لعله من الضروري لفت النظر إلى “النبرة المسيحية” التي يتسم بها والتي قد لا تعجب بعض القراء لأسباب لا تخفى على اللبيب. ولا يحاول جيرار نفي “التهمة” بل يقول: “إن تحولي (للمسيحية) هو الذي وضعني على المسار المحاكاتي، واكتشاف المبدأ المحاكاتي هو الذي سبب في تحولي للمسيحية”. ويضيف: “قرائي قد لا يتبعونني في اعتقادي بأن المسيحية والتقليد الكتابي وحدهما يمكِّنان فهم العالم الذي دخلناه. هناك حكمة محاكاتية ـ لا أزعم أني أجسدها ـ وعلينا جميعا البحث عنها في المسيحية”. (ص 330).
[ملحوظة أخرى: في بعض الأحيان سنضع بين قوسين المصطلح كما في الأصل بالفرنسية؛ وهو غالبا قريب جدا من نطقه بالإنجليزية ـ وإلا سنضيف المصطلح بالإنجليزية أيضا).
***
عودة للجذور
التفسير الأنثروبولوجي للخطية الأصلية عبر مبدأ العنف يستلزم الرجوع تاريخيا عدة آلاف من السنين. إنها تبدأ بقتل الغريم، وتمثل (مسلسل) الانتقام الذي لا نهاية له. “الدين” هو ما يساعد على التعايش مع الخطيئة الأصلية. لهذا فالمجتمع الذي بلا دين يدمر نفسه. الانتقام لا يوجد عند الحيوانات، بل فقط تلاقي الذكاء مع العنف هو الذي يسمح بالكلام عن الخطيئة الأصلية وتبرير فكرة وجود فرق حقيقي بين الإنسان والحيوان. هذه الحقيقة تشكل عظمة كل الأديان ـ باستثناء المسيحية التي تلغي وتبطل الدور الانتقالي المؤقت للتضحية.
المحاكاة (mimésis, mimetism) هي محرك بناء المجتمع. إنها، في نفس الوقت، سبب الأزمة ومحرك حلها. الضحية (كبش الفداء) عادة تُؤلَّه بعد التضحية بها. والأسطورة هي الكذبة التي تخفي عملية القتل المؤسِّس، والتي تُحدثنا عن الآلهة لكن أبدا ما تتحدث عن الضحايا. الطقس يكرر هذه التضحية الأولية، وبدلا منها تقدم ضحايا بديلة (تتفق الجماعة على اعتبارها مذنبة). ومع تكرار الطقس تتولد المؤسسات التي هي السبيل الوحيد الذي عثر عليه الناس لتأخير كارثة نهاية العالم (الأبوكاليبس apocalypse).
أبدا لا ينشئ الفرد مؤسسة، بل دائما مع الآخرين ـ قانون الإجماع، وهذا الإجماع هو العنف. دور المؤسسة هو أن تنسينا العنف. وقد رأى باسكال هذا تماما عندما تحدث عن خدعة “الإنسان الشريف” الذي يدافع عن “عظمة المؤسسات”.
فقط العلاقة الأخلاقية كان يمكنها تأسيس شيء، ولكن الأحداث قد تخطتها، عبر الهرولة المحاكاتية لأفراد يحاكون بعضهم البعض بينما يظنون أنهم أحرار ويتمسكون ـ بهوس ـ باختلافاتهم الكاذبة.
آلية التضحوية لم تعد تعمل بكفاءة منذ أن فضحت المسيحية آلية الإجماع التي تقف خلفها. الديانات العتيقة (أركائيك archaïque) كانت مبنية على غياب تام لنقد الإجماع. وهذا ما يجعل لوفيناس يقول: “إذا أجمع الناس على إدانة متهم، يجب الإفراج عنه فورا إذ لا بد أنه بريء”.
كبش الفداء، الذي تتكون ضده وحدة الجماعة المهددة بعنفها الذاتي، يسمى فارماكوس (pharmakos) التي تعني باليونانية “الترياق” (= علاج السم بالسم)، أي المذنب في خلق عدم النظام وأيضا المتسبب في استعادة النظام (ووحدة المجتمع). هذا الجمع بين النقيضين (ambivalence) الذي يتصف به المقدس هو الذي يساعد على الحد من العنف. هذه الدائرة المفرغة من العنف، الذي يزداد انفلاتا مع الوقت (إذ تعجز الطقوس عن الحد منه)، هي التي يجب كسرها.
الجدل (الدياليكتيك) الهيجلي (الذي يقوم على الأطروحة ونقيضها والتركيب بين الاثنين) يقدم في الواقع الموقف، وعكس الموقف ثم عكس هذا العكس. لكن هذا الجدل لا يعني تصالح الناس فيما بينهم، فهو ليس سوى المبارزة والصراع من أجل الاعتراف بهويات متناقضة.
الانفتاح على الآخر، أو الخروج من الذات ـ الذي هو النجاح الحقيقي ـ يعني الدخول في العقلانية المتحررة من كل شخصانية. الأمر هنا ليس سوى مقاربة فلسفية لموت وقيامة المسيح: كل قوة فلسفة هيجل تتمثل في هذا التوازي.
يقال أن نظرية الرغبة المحاكاتية ليست سوى استعادة لفكرة هيجل عن “الحاجة إلى الشعور بالتقدير”. قد احتججت بالطبع بشدة على هذا، لكني أقر بأن الأفق الهيجلي كان دائما هناك. الحاجة لتقدير الآخر شرط للوعي الذاتي، والعبد كان مضطرا للاعتراف بسيده. لقد قلت، مثل هيجل، أن رغبتنا في “الأشياء” أقل من رغبتنا في نظرة الآخرين لنا: أي إنها “رغبة في رغبة الآخر”. لكن تحليلي مختلف (مع هيجل) لأن تلك الرغبة تختلف عن المحاكاتية التي هي “رغبة فيما يمتلك الآخر”، الذي قد يكون شيئا، أو شخصا أو خصائص معينة. إنها الرغبة في “الامتلاك”، أكثر بكثير من الرغبة في “التقدير والاعتراف”، وهي تتحول سريعا إلى رغبة ميتافيزيقية يسعى فيها الشخص إلى الاستيلاء على “ذات” النموذج الذي يحاكيه: “أريد أن أصبح ما يصبح عليه الآخر عندما أمتلك (مثله) ذلك الشيء”.
قد تصل الرغبة المحاكاتية إلى حالة “نموذج ـ عقبة”: الإعجاب والرغبة في النموذج قد يؤدي بي إلى الرغبة في قتله. هذا النموذج الذي أعبده وأتذلل أمامه على أمل الحصول على قدراته يصبح صعب التحمل وبالتالي يجب التخلص منه. إذن رغباتنا تأتي دائما من الآخرين ولا تنبع من عمق ذواتنا.
الهوية
التفكير الأبوكاليبتي يعارض تلك الحكمة التي تعتقد أن الهوية المسالمة والأخوة ممكنة على المستوى الإنساني البحت، ويعارض أيضا كل الأفكار الرجعية التي تريد استعادة الفروق بين الناس والتي لا ترى في الهوية سوى اتساقا وتنميطا (uniformité) مخربا أو التزاما conformism)) هداما. هذا التفكير الأبوكاليبتي يرى في الهوية مصدرا للتصادم (conflit, conflict)، لكنه يرى فيها أيضا وجودا مخفيا للتشابه، وهو عاجز عن الانتصار ولكنه نشط ومتسلط سرا، خلف الضجيج والخوف الذي يغطيه.
التفكير الحديث حول الهوية أمكنه اكتشاف، أو اختراع، عوائق جديدة للمصالحة، ثم رفَضَ استعلان وإظهار هذه الهوية، وانتهى اليوم باستئصالها والتنكر لها. والواقع أن المسيحية عرفت دائما أن تلك المصالحة مستحيلة: لهذا قال المسيح أنه أتى بالحرب وليس السلم. هل توقعت المسيحية فشلها الأبوكاليبتي؟ يمكننا بشكل معقول التفكير بهذا. هذا الفشل هو بعينه نهاية العالم. يمكننا القول، من وجهة النظر هذه، أن الآية: “هل سيجد ابن الإنسان الإيمان بين الناس عندما يرجع؟” مليئة بالرجاء أكثر من اللازم. بصورة معينة يمكن القول أن المسيحية فشلت، لأنه لم يُسمع لها.
الهوية المسالمة تسكن قلب الهوية العنفية كإمكانيتها الأكثر سرية. هذا السر هو مصدر قوة الآخروية (اسخاطولوجي: المعتقدات الخاصة بالآخرة).
المسيحية ليست مجرد فكر بين نظم فكرية أخرى، بل إنها الفكر الأصلي حول الهوية (الإنسان على صورة الله). لذا يجب العودة إليها مهما كره كارهوها. إنها الأولى التي رأت تلاقي (convergence) التاريخ نحو تبادلية تصادمية (réciprocité conflictuel) تحاول أن تختفي وراء تبادلية سلمية.
لا شيء يفصل بين الإخوة الأعداء وكل شيء يوحي لهم بالتوحد، إذ تتوقف حياتهم ذاتها على ذلك التوحد، فلا البداهة ولا دعاوى المعقولية ولا العقل ولا المنطق تفيد: لن يكون هناك سلام لأن الحرب تتغذى على ذلك “اللاشيء” الذي يوجد بين المتحاربين، بل على هوياتهم ذاتها. وهكذا دخلنا في عصر التصارع اللاتوقعي (unpredictable, imprévisible) الذي يجعل العنف هو “كلمتنا” النهائية.
انتصار المسيح سيحدث في الآخرة ـ التي لا يمكننا تحديد مكانها أو زمانها؛ لكن الخراب هو في ناحيتنا. نبوءات نهاية العالم (سفر الرؤيا) تتحدث عن حرب “بين الناس” وليس حربا “من الله ضد الناس”. كم يجب نزع هذا السفر من أيدي الأصوليين!
عنف البشر ينتج عنه “المقدس” (الطقسي)، ولكن القداسة (في الحياة) تقود إلى تلك “الحياة الأخرى”.
علينا إما أن نحطم، أو نحب، بعضنا البعض. لكني أخشى أن الناس يفضلون التحطيم. كل ما يمكنني عمله هو تكرار العودة إلى العهد الجديد. لكن الذي يدهشني هو المقاومة الهائلة التي تلقاها تلك الرسالة، اليوم أكثر من قبل، إذ خبا نجم الهيجلية وإذ تختبئ الهوية. لكنني أتوجه نحو ذلك الوحي الذي يعلمنا أن المصالحة ليست آتية فورا طبقا لحركة التاريخ. إنه باسكال، أكثر من هيجل، الذي يصبح معاصرا.
هل سيكون نظام المحبة هو الملجأ الأخير؟ لا بد من التحول من محاكاتية عنفية إلى محاكاتية سلمية. لكن لهذا ينبغي تكوين علاقة أخرى أساسية بين “الجسدي” و “الروحي” (بين “اليهودية” و “المسيحية”)، كما يقول باسكال. يدهشني أن هيجل لم ير ما يوحد ـ وأيضا يفصل ـ العهدين القديم والجديد. إنه يرى في إله الناموس إلها متسلطا. لكنها قراءة ستاتيكية تقطع عن النصوص مستقبلها.
الحادث الذي لا يزال العالم الغربي يرفض الاعتراف به، بينما هو الأكثر تأثيرا على تاريخه، هو أن الله قد أصبح في جانب الضحية البديلة ـ كبش الفداء.
كثيرا ما نشجب عنف الفرد ضد المجموعة باسم عنف آخر.
المسيح يحذر من “أضداد المسيح” (َAntéchrist, Antichrist)، أولئك الذين يسعون لأن يحاكيهم الآخرون. وقد أصبح ممكنا الحصول على رد شديد الوضوح للتساؤل عن الفرق بين النبوة الحقيقية والمزيفة: النبوة الحقيقية تتجذر في حقيقية كبش الفداء الذي ارتضى أن يكون ضحية بريئة، وهي تشير لتلك الحقيقة وتشهد لها وتعلنها وتتبعها.
في المجتمعات البدائية؛ تكون النظرة إلى الخارج، والتي تتطابق مع وجهة النظر الدينية (أي النظر لكل شيء عبر الدين)، هي التي تنظم، في قلب موقف “المأزق التضحوي”، استقطاب وتجميع كل الإخوة الأعداء ضد طرف ثالث يحكم عليه بكونه مسئولا عن الفوضى وكسر النظام. وعندما تفصح الطقوس (أي الفرامل التي تستعمل لكبح التبادلية) عن نفسها، نخرج من تسلسلية التبادل السلمي وندخل في دورة آنية، عنفية وبلا اكتراث: أي في المجال التضحوي.
المؤسستان الرئيسيتان للديانات العتيقة (الأركائيك) هما النواهي (prohibitions)، والتضحية. وقد لعبتا دورا رئيسيا في العبور من المجتمعات ما قبل إنسانية إلى الإنسانية، عن طريق منع الناس من تحطيم بعضهم البعض. لكن النظم العتيقة (الأركائيك) أعيد بعثها من رمادها بصفة دورية وذلك بسبب العجز عن تصريف (évacuer) التبادلية العنفية بصفة نهائية. (ص123)
الحروب الإيديولوجية
عندما يتكلم كلاوزفيتز عن “استئصال العدو” فهو يؤكد دائما على فكرة أن النصر يكمن في هزيمة الجيش الغريم وربما في سقوط دولته. لكن الحروب الإيديولوجية التي ينبئ هو بها، وهي التي تجري فيها السياسة وراء الحرب، تحدث كحروب رهيبة تنظم فيها مذابح جماعية ضد شعوب بأكملها. كارل شميت رأى هذا عندما تحدث عن تديين الحرب، حيث يصبح العدو “شرا” يجب استئصاله.
الحروب الإيديولوجية (التي تتلون بالعلم أو الدين أو العرق أو غيرها) هي التي جعلتنا نتحول من “الحرب الكلاسيكية” بين الدول إلى العنف الذي نعرفه اليوم: العنف الذي لا يمكن توقعه (unpredictable, imprévisible) والذي لا يبالي. كان لكل من لينين وستالين تصور معين للتاريخ، وحاول كلاهما تحقيق هذا التصور بوسائل حربية. وفي النهاية لم تكن النازية سوى رد فعل (محاكاتي) للبولشفية، والستالينية رد فعل للهتلرية. لكن الحروب الإيديولوجية أصبحت أقل قدرة اليوم لأنه لم يعد حتى ضروريا تبرير العنف بالإيديولوجيا! فقد كانت خطوة على طريق ظهور مبدأ عالمي للتبادلية (réciprocité). في هذه اللاتوقعية التامة للعنف نلاحظ ما يمكن تسميته نهاية الحرب (بالمعنى الكلاسيكي). كم بعدنا عن “نهاية التاريخ” التي أعلنها فوكوياما، الذي يمثل النبتة الأخيرة للتفاؤل الهيجلي!
نلاحظ وجود “توأمية” بين الإسلاميين والغرب في 11 سبتمبر (الفعل والفعل المضاد التبادلي). ويمكننا التساؤل أيضا إذا ما كانت فظائع الحروب الصليبية مجرد رد محاكاتي للجهاد، وهو الأمر الذي نعاني من توابعه اليوم في أوروبا والشرق الأوسط.
من ناحية أخرى، فالصراع القادم بين أمريكا والصين ليس صدام حضارات بل صراع رأسماليتين متشابهتين أكثر فأكثر: فالصينيون يحاولون التفوق على الأمريكيين (النموذج المحاكاتي) في كل شيء.
خطورة المذاهب “السلامية” (اللاعنفية، التي تنتشر في أوروبا اليوم pacifisme) هو تحريمها للحرب قانونيا، وهذا يؤدي بصورة مناقضة إلى انتشارها. السلامية تعيش على جمرة العدوانية.
المسيح يشكل “فضيحة” لأنه قال أن التصالح هو نقيض العنف ولأنه جاء يكشف للناس أن الملكوت يقترب في نفس الوقت الذي يتزايد فيه جنونهم. ميشيل سيريس قال لي أنني لم أكن بعيدا عما سماه بيرجسون “قانون الهياج (frénésie, frenzy) المزدوج”. فقط آدم ثان يمكنه مواجهة آدم الأول (باستخدام مصطلحات بولس).
آلام الصلب تكشف آليات التضحوية: تلتحف في ثنايا الخطيئة الأصلية وتفضحها. المسيح يفرض خيارين مرعبين: إما اتّباعه، بالتخلي عن العنف؛ وإما تسارع نهاية العالم. في الحالتين يضعنا أمام الخطيئة الأصلية ويجبرنا على التطلع إلى تلك الهاوية.
حقيقة الخطيئة الأصلية لا تتضح إلا خلال الضيق المتزايد الذي تثيره. باسكال ليس بعيدا عن هذه الحقيقة عندما يتحدث عن حرب العنف ضد الحق (انظر بداية المقال).
***
وإلى مقال آخر لنتابع رحلتنا.
adel.guindy@gmail.com
* كاتب مصري -باريس
“إيلاف”
(*) Achever Clausewitz, René Girard, 364pp, carnets-nord.
(**)
http://middleeasttransparent.com/old/texts/adel_guindy/adel_guindy_sacred_violence_2.htm
http://middleeasttransparent.com/old/texts/adel_guindy/adel_guindy_sacred_violence_1.htm
عن العنف المقدس.. مرة أخرى
تكتب مستشهدا “نبوءات نهاية العالم (سفر الرؤيا) تتحدث عن حرب “بين الناس” وليس حربا “من الله ضد الناس”. كم يجب نزع هذا السفر من أيدي الأصوليين!”
لكنك لم توضح تأويل الكاتب لما يقول. فسفر الرؤيا هو وصف دقيق لحرب بين السماء والارض حيث سيحطم الله من يحكم الأرض ويزيل الشر من الوجود. لذلك فلا أجد مجالا لتاويل الكاتب لسفر الرؤيا بأنها حرب بين البشر.