بلال خبيز كاتب ومحلل صحافي وسكرتير تحرير الملحق الثقافي لجريدة «النهار». لبناني خاص جدا. وكاتب خاص جدا. تخاله شيعياً عتيقاً: لشغفه وحزنه وجموحه. ولكنه ابن العرقوب، احدى القرى الجنوبية السنية السبع، والمنسية. قرى لا تقدم ولا تؤخر في الزعامة السياسية، أياً كان مذهبها؛ ولا بالتالي في تقاسم الحصص والنفوذ والجاه بين الافرقاء المتخاصمين والمتحالفين في آن. طَرَفيّ، من الاطراف. ولا يتقن فوق ذلك لغة العلاقات العامة. ولا حتى يحاول التشاطر عليها. صعلوك غير متوّج؛ غير محمول على أكتاف «حرية التعبير…» الصاخبة. وهو مع ذلك يتناول قضايا «مركزية». النقد الصريح لـ»حزب الله». ولممارساته على «ساحته» اللبنانية. وذلك من دون ان يكون منتميا لفريق 14 آذار انتماء الملتزم شبه الحزبي. كان حزبيا، يساريا، ايام شبابه الاول. قاوم اسرائيل بالسلاح هو ايضا. سُجِن في معتقل “عتليت” الاسرائيلي مدة عام واحد. وبعد خروجه منه، كانت «أمل» تلاحقه؛ تبعا لسياسة ملاحقة المقاومين اليساريين التي اتبعتها آنذاك، في ظل الوصاية السورية المتجددة. وكان بلال يناهضها بكتاباته.
فردٌ هو اذاً. كما يفترض بالافراد ان يكونوا في مجتمع حداثي. و»المفترض» هنا يقتضي وجود قانون وقضاة الخ. والحال ان قصة بلال هذه تصطدم بجبل من الفوضى الامنية والقيمية والمعلوماتية… لم تعد الحداثة إلا كومة بين حطامه.
كيف؟ هنا القصة. وخلفها مدونة اسمها «فيلكا اسرائيل». المدونة هذه تعامَل معاملة الموقع الاسرائيلي. وتشيع على الدوام انها كذلك؛ ولذلك يختلط الامر على الجمهور غير المتابع. الذي روّج لهذه المدونة وحوّلها الى «مصدر معلومات»، هو الاعلام «الممانع» وايضا السوريون، فضلا عن الايرانيين، ووكالة الانباء الايرانية «فارس». وقناة تلفزيونية ايرانية presstv.ir (من تحقيق منال نحاس. «مدونة «فيلكا اسرائيل» السورية الايرانية» موقع (nowlebanon.
والمدونة ليست اسرائيلية، كما تثبت الصحافية منال نحاس. تحقّق حولها، وتكتب عما حصدته: «لا تحمل هذه المدونة رمز المواقع الصادرة على الشبكة الالكترونية الاسرائيلية، أي «il» . ولا تذكر المواقع الاجنبية والاسرائيلية هذا الموقع، ولا تنقل اخباره واخبار باحثيه المزعومين. فمحرّك «الغوغل» يعرض اسماء نحو 1500 موقع يتداولون اخبار «فيلكا اسرائيل». وليس من بين هذه المواقع موقع اميركي او اسرائيلي الخ».
لغة هذه المدونة عبارة عن جرعة اضافية من التخوين والبذاءة والفضائحية. لغة تسود اليوم. وتتفوق على إنحطاط اللغة المتداول الآن.
آلة تلفيقات اذاً هي تلك المدوّنة. ترعى رواجها ومصداقيتها آلات الاعلام «الممانعة» وأدواتها من وكاللات انباء وصحف وفضائيات. ومن بين التلفيقات رواية جميس بوندية عن بلال خبيز. عن علاقة وثيقة بينه وبين صحافية اسرائيلية مشهورة. وصِلة الوصْل بينها وبين «مسؤولين من 14 آذار». عن كونه المراسل «الرسمي» لصحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، عبر خليوي تدفع الصحافة ثمن مخابراته. عن تقديمها لبلال على انه «من كبار الصحافيين اللبنانيين العاملين مع القوى الحليفة للغرب». أي اميركا واسرائيل… ولا حاجة الى لبيب!
بعد انتشار هذه التلفيقة جاء لبلال التهديد بالقتل. وكان محتاراً. لا يستطيع التأكد «من صحة هذا الامرمن عدمه». (من رسائل بلال الالكترونية الى اصدقائه). فيندفع نحو الاختفاء. ينتقل مرتين من شقة الى ثانية الى ثالثة، بعدما يبيع سيارته واثاث منزله. لا يجد يداً تمدّ له. يكذب الشائعة، ويفصّلها. ثم يكتب عن مآلها: «ان شائعة تطاولني وتسير في البلاد طولا وعرضاً. وليس ثمة من هو مستعد للدفاع عني». وحساسية الموقف تنبع من تفرّده الشخصي: «انني بين الذين طاولتهم الشائعات الوحيد الذي لا يمكن ان يكون محسوبا على 14 آذار». ويضيف: «حتى العمالة حين تكون عمومية كحال اتهام «حزب الله» لقوى 14 آذار يصبح غفرانه ممكنا بل وواجبا عند اية تسوية سياسية. أين موقعي انا من كل هذا؟».
فردٌ يدافع عن رأيه؟ «كيف يمكنني ان ادافع عن نفسي امام رأي عام مسيطر اليوم، وهو رأي عام «حزب الله»؟ يسلك كما لو انه على قناعة تامة بان ما ورد في مدوّنه «فيلكا اسرائيل» هو تحصيل حاصل؟». ويدافع عن نفسه من تهمة الهروب والتسرّع: «أنا لا اقدم نفسي بصفتي قائد الجبهة الوسطى. انا صحافي ومن حقي ان اخاف على حياتي». ويعاتب: «ألا يرى قادة 14 آذار الميامين ان هذه القضية يجب ان تثار؟». يتحرى بلال بنفسه ويسأل. ويحاول ان يلتقط خيطا. فيتوصّل الى ذلك. يخاف بلال. يعرض «حزب الله» عليه «الحماية». لكنه يرفضها: «بقائي في البلد مرهون بالتعاون معه»… كما حصل لعدد من الصخافيين. ويعود فيتصل به الحزب من اجل «التحقيق». لكنه يرفض ايضا: «إجراء التحقيق قد يعرّضني للقتل قبل انتهاء التحقيق». ويحمّل الحزب المسؤولية المباشرة عن تردّي امن الافراد، ترديا مزرياً.
مشهَّر به ومهدّد. كما هم مهددون كتاب وصحافيو 14 آذار؛ وكما هو مشهَّر بهم من قبل مدونة «فيلكا اسرائيل». وبترويج من آلة «الممانعة» الاعلامية. الموت في هذه الحالة العامة مسألة احتمالات. لكن احتمالات بلال تضاعفت بعد الشائعة والتهديد. وكان جديرا بقصة كهذه ان تستنفر كل المفاهيم المنبثقة من «الفرد»… مثل القانون والقضاء والمؤسسات، العزيزة على قلب 14 آذار. لكننا مشغولون. مشغولون مأخوذون بوتيرة البلاد الجهنمية. وتيرة تقطع النَفسَ وتمنع التذكّر.
بلال الآن في اميركا. هرب ومن حقه ان يهرب. قصته هذه تنتمي الى قضايا حرية التعبير في وجه وحش الفوضى السياسية والامنية العاصفة بنا. قضية جوهرية وخطيرة. وجديرة خصوصاً بإزالة أوهام سابقة حول «الفردية» العربية.
الحياة
dalal.elbizri@gmail.com