(من الأرشيف) عن “أرش رحماني بور” الذي أعدم يوم الخميس: ذكرياتي في الزنزانة، أصوات موت وحنق سجّان

0
إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...

طهران- “الشفاف”

مرّت أكثر من 6 أشهر على وجودي في الزنزانة وبشكل متقطّع تصّورت فيها صوراً ضبابية وكل السجناء كانوا ينتظرون رحمة السجّان الغاضب على من هو سياسي ويرى فيه معادياً لنظام، يؤمّـن له راتباً شهرياً لا نعرف كم مبلغه. ولكن السجن والزنزانة وعتمة الاجواء التي مررنا بها على حدة، والاخبار التي تصلني كل يوم عن السجناء وظروفهم المعيشية وإعدام البعض الاخر منهم، يؤرّقني كثيراً حيث تعرفت طيلة الثلاث سنوات على عدد كبير من السجناء الذين وقف بعضهم وقفة رجولية وتحدّى الامر الواقع ولاقى مصيره وإما قضى الاخر نحبهم وقضوا أوهم خلف القضبان.

 

وهذا الامر، وسماعي بأنباء الاعدامات المتواصلة، دفعني لكتابة هذا المقال حيث أنّ بين هؤلاء الذين تعرفت عليهم، وهم كثر للغاية في الزنازين خاصة، الشاب “أرش رحماني بور” الذي أعدم يوم الخميس 28/01/2010 بتهمة الانتماء الى منظمة معادية للنظام هي “منظمة الجمعية الملكية” وتمّ إعدامه بهذا السبب. وقد دافعت السيدة “نسرين ستودة” المحامية الايرانية المتألّقة بقولها: لم يتم إبلاغي بحكم الإستئناف وهذا الحكم جائر ويتعارض مع القوانين الايرانية.” ولكن ماذا عسانا قوله! وليس “أرش” وحده الذي يُعدم بسبب الحكم الجائر، وإنّما الكثير من شباب جلدتي العرب الأهوازيين وغيرهم من القوميات والطوائف الدينية يتعرّضون ببشاعة الى مثل هذه الاحكام الجائرة وغير العادلة. لكن الفارق هو أنّ عند إعدامهم لا تسمع كلمة تنديد إلاّ ما قلّ وندر.

كان هذا الشاب نزيلاً بالقرب من زنزانتي في زنزانة رقم 3، وكان رقم زنزانتي 4 في المعتقل الامني 209 بسجن “إفين”. كان شاباً طموحاً ويتغنّى باسم الحياة ويرفع صوته أثناء الليل ليتغنّى بالاناشيد الايرانية الوطنية وكنت أجادله حول ما أدخله الى الفلك السياسي وهو شاب لايتجاوز عمره الـ 19 عاماً ويصرّ على موقفه أنّ الوطن والحب لإعلاء كلمته هو الدافع وراء نشاطه السياسي. ينشد أهزوجة “يا زميل المدرسة” (ـ بالفارسية: أي يار دبستاني من ـ) وهي أنشودة يتغنّى بها السياسيون والطلبة خاصة أثناء قيامهم بالمظاهرات السلمية. كان يعيش مع والده في طهران حيث أن والدته قد إنفصلت عن أبيه، وظلّ يعاني من فراق الأم. يحدثني عن قراءاته في الكتب الفلسفية وعلم الاجتماع كان ملمّاً بها، ويشدّ شعره بشكا ظفيرة الى الخلف ويقول الكثير عن نفسه ويؤكّد صداقته لي ويكرر إستمرارها لو تمّ إطلاق سراحه. لكن، مع الاسف، لم يسمح له القضاء الذي عوّدنا بقراراته الجائرة أن يكمل مسيرة الحياة مثله، مثل بقية الذين تم إعدامهم في العقود الثلاثة بسبب رأيهم ومعتقدتهم ونشاطهم السياسي.

نحن في إيران بحاجة الى صرخة تقول “لا للإعدام” و”كفى للاعدام” من أجل هؤلاء الشباب والفتيات وجميع الشرائح وخاصة المعتقلين السياسيين الذين يقفون الان على أعتاب المشانق. يتصل بي السجناء السياسيون باستمرار بعد إطلاق سراحي ليؤكدوا أنّ حكم إعدامهم قد شارف على التنفيذ وتنتابني مشاعر مخيّبة ونداءات إنسانية لمساندتهم.

لنعد الى ما كنا نسمعه في الزنزانات يومياً، فما هو إلّا صوت ركل الابواب وأصوات مرور السجّانين بالقرب من الزنزانة ليلقوا نظرة بداخلها، وصوت نقل السجناء الى المرافق الصحية كانت تتكرر كل ساعة مرة واحدة أثناء اليوم. مساحة الزنزانة الواحدة والتي نقضي فيها أشهراً متتالية حوالي ثلاثة أمتار. وكان الهدوء الخانق يخيّم على جميع ردهات الزنازين وأصوات البكاء يدوّي. البعض يقرأ القرآن، والبعض الاخر ينشد الأهازيج والاناشيد، والبعض الآخر ينام، والقليل يطلب السجائر ويلحّ لكن دون جدوى، ويعمّ الصمت عندما يصرخ السجّان ليطلب من السجناء إلتزام الصمت.

السجّان هو نافذتك الوحيدة على العالم. كان البعض منهم يسيء كثيراً للسجناء ولكن البعض منهم كان يحسن معاملة السجناء فالكل تحت رحمة هذا السجّان. في الزنزانة لم يكن شئ تحت تصرف السجناء لا مذياع ولا تلفاز ولا صحيفة. وإنّ حنق السجّان هو الذي تراه ليل نهار، كذلك رحمة المحقق التي تخشاها وتخشى مؤامراته التي قد يحيكها لك ليوقع بك في الفخّ.

كان البعض من السجناء، ومن بينهم هذا الشاب الذي ذكرته، كانوا بسبب عدم تجربتهم وانقطاعهم المفاجئ عن الدنيا يعشقون المحقق ويتصوّرون أنه هو المنقذ الوحيد متناسين أنّه هو الذي يلقي حبال المشانق على رقاب المعتقلين. وكنا في الزنازين، وطبعاً بعد أن أصبحنا محنّكين في السجن، نتناقل هذه النصيحة لبعضنا الاخر لنقول: تصوّر أنّ هنالك خنجراً تحت رقبتك كلما إستمريت بقول كلمة نعم، فسوف يدخل هذا الخنجر ليحزّ رقبتك، وكلما قلت لا فإنه سوف يبتعد عن رقبتك!

ولكن الجو المظلم في الزنزانة يبعد الانسان عن صوابه ويرمي به الى غياهب الموت والمشانق فكيف يبصر الانسان الحقيقة وهو في إنقطاع تام عن العالم؛ لا زيارة للأقارب ولا زيارة لمحامٍ ولا معرفة بما يدور حولك من أحداث فتجد نفسك فريسة بين أنياب ذئب يريد أن يفترسك في كل لحظة.

أملي أن يطبّق حكم إلغاء الاعدام في إيران وفي كافة الدول العربية. ولن يتحقق ذلك إلّا بجهد متواصل من قبل الاشخاص والمنظمات المعنية بمجال حقوق الانسان، فدعوتي للجميع المساهمة دولياً وإقليمياً وقطرياً لمكافحة جميع مظاهر الاعدامات في بلداننا.

falahiya25@yahoo.com

محمد حسن فلاحية صحفي ومعتقل سياسي قضى ثلاث سنوات في سجن “إفين ” بطهران*

نُشِر هذا المقال بعد خروح محمد حسن فلاحية من السجن في Jan 30, 2010. وبمعجزة “الفساد” في سجون خامنئي، كان فلاحيه اكتشف فلاحيه “الشفاف” داخل سجن إيفين..

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading