الأنين الذي يبزغ من خلف جبال الألم، الحنين المسافر بين طيات الأمل، حينما تعود الكلمات من رحلة ألم طويل، وتتآلف فيما بينها بعشق وحنين، أنين الأيام الطويلة، والكئيبة، رذاذ من الصبر على أغنية طالما أشعلت الأمل والألم في أفئدة كئيبة، كلمات أقوى من صوت الرياح، وأجمل من بريق دمعة في عين عروس، كلمات أقوى من قوس قزح في سماء ملبدة بغيوم ثملة بأنين سحيق، ذلك الألم ما برح فؤاداً رحل إلى لحد كئيب.
تراتيل الألحان ونمنمات الكلمات، الحجل والحجحجيك طارت بعيداً، وحده اللحن الكئيب وصل، لقد ماتت الأغنية هذا المساء، وعلى الجمبش أن يبدأ رحلة البحث عن صاحب آخر، قدح من المي، وأغنية، ونظرة أمل كانت تلكم مجتمعة حول الحجل ليحتفلوا برحيل أبدي، أيما احتفال، إنه احتفال على طريقة الحجل.
آرام.. القلب الذي تآكلت أوردته من الحنين والألم، تذكر دائماً مجازر بني جلده، حمل إرثاً مثقلاً بالهموم والأسى، قلب مل من الحزن فغنى للحب والفرح، وانحنى أمام ألامه مبتسماً، وقال ارحلي الأن إنني أحب الحجل، تركها وحدها وطلب من القدر أن يودعها جانباً.
آرام.. المثقل بالصبر والأحلام، الحر كفينيق يطير عالياً بين الغيوم، يغني للملاك والبشر، حنين صوته أدفئ الآلاف في الجبال، وأمددهم بيم من الصبر والأمل. آرام القادم من خلف آرارات، المقاتل كالبيشمركة والكريلا، العاشق للبيريفانة وعيشانا علي، المتيم بحب “هي لي لي واي كدي بلبلو” و “أي ديلبري” غني يا آرام اليوم أغنيتك الأجمل “تني هشتم”. حقاً رحلت وتركتنا لوحدنا.
آرام.. تغنيك الطيور أغنية تمتد من طوروس إلى آرارات، من خابور إلى سيفان، ومن جودي إلى همرين، تحزنك اليوم كل أفئدة الحجل، وتبكيك تراتيل السنونو حين عودتها، تغني لك كل الكناري، تكتب النجوم سيرتك على سحابة من الحب والأمل، السماء ترسم صوتك بأغنية لعلها تسكت قليلاً آهات الكثيرين من حولها، إن السماء تتكلل بوشاح من سواد، حقاً إنه رحيلك آرام.
آرام.. سنشعل شمعة هذا المساء، ونرفع عالياً نخبك، نغني ونبكي قليلاً، نعم نريد أن نذرف عليك عبرات قليلة، أعلم أنك تريدنا أن لا نحزن، ولكن رحيلك يستحق الكثير، سنذرف بعضاً من الدموع، لعلنا نريح أفئدتنا من جروح مل القدر من التئامها، إنها تكوي آلامنا الكثيرة، إنك أدرى بكل دمعة وهي تتساقط، الدموع التي تبحث عن حنين تجده في أغانيك وعزفك على تلك الآلة الجميلة، لقد بات الجمبش اليوم حزيناً يا آرام، إنه يتيم يبكيك.
آرام.. رحلت بجسد إلى لحد كئيب، ولكن روحك ما تزال تعانق أرواح الملايين من الكرد والأرمن، تتراقص من أفئدة بني الحجل، إن كل آري يرى في أغانيك استنهاض لماضٍ سحيق، أغانيك نفضت الغبار عن إرث ثقافي عظيم، لقد خلقت مدرسة من الإبداع والجمال، إنها مدرسة بدأها سلفك كره بيت خاجو، وأكملتها بكل أمانة، وأظنك سلمتها لمن سيحفظها ويهتم بها، لتبق تلكم الأغاني والكلمات شاهدة على تاريخ شعبين شقيقين، سيظلان في داوم ذكرك والاحتفاء بصوتك الشجي، كصوت ملاك يرتل آيات وأسفار.
آرام.. حزنى جداً عليك أزهار نوروز، النسرين، النرجس، والياسمين، وكذلك الشيلان، كل وردود الربيع، لقد غادرت البهار، سيغني الندى في كل صباح “كافا زريام نيشان كرن” وتتراقص من حوله الدوري والحجحجيك وسيطلق البلبل صوتاً ليتلو عليك تراتيل الخلود والبقاء، طالما في السماء طيور تطير، ونجوم تشع، لن تخذلك نسمات الربيع والنوروز، سيغني لك البهار “سبرا دلا ديم ز كولا”.
آرام.. افتقدك اليوم مع كلماتي التي تعجز أن تترجم ما اشعر به، أحرفي تأبى الخروج من قلبي الكئيب، الحنين إلى صوتك تحزن أناملي، إنها لا تقوى أن تكتب رثاءك، إنك أعظم من أن أرثيك بكلمات بسيطة، لكن! الجميل في رحيلك، إنك ستظل في قلوبنا، وصوتك يشدو بالجمال طالما في البسيطة كرد وأرمن، كنت ثالوثاً قل نظيره في هذه الأرض، أرمني القومية، كردي اللغة والغناء، ومسيحي الديانة، أيما بشر كنت؟ إنك تستحق أن تكون آرام تيكران، رسول الأغنية الكردية العذبة، وسفير المحبة والسلام بين الكرد والأرمن، إنك أعظم أغنية رحلت، لكن صداها سيظل باقياً على سفوح آرارات والجودي وزاغروس.. آرام.. إنك أعذب لحن لأعظم أغنية.
akkopress@yahoo.com
* كاتب من سوريا