عذب جداً غناء إبراهيم تاتليسيس، أشهر فنان تركي، وكذلك الفنانتان الساحرتان في الجمال سيبيل جان وهوليا أفشار. إنهما أجمل بمليون مرة من لميس ونور اللتين فتن العالم العربي بهما عبر المسلسلات المدبلجة إلى العربية على قناة كل العرب إم بي سي. فضلاً عن جمال سيبيل وهوليا، فهما تمتلكان صوتاً عذباً أشبه بزغردة البلابل. وهذا ليس مديحاً لهما، إنه الواقع وليس رأيي فقط. بل أجزم أن كل من يعرف الفنانين الأتراك الثلاثة السابق ذكرهم، سيوافقني الرأي ويقول إنهم أشهر المبدعين في تركيا، كما الشاعر ناظم حكمت، والمخرج السينمائي يلماز غوني، والروائي والقاص عزيز نيسين، والكاتب الروائي أورهان باموق.
تاتليسيس الكردي القومية والمسلم الديانة والعلوي الطائفة والتركي الجنسية، غنى لعقود بالتركية وأرفد المكتبة الغنائية التركية بمئات الأغاني وعشرات الأفلام السينمائية حيث كان بطلاً للكثير منها. غنى بالكردية مؤخراً وذلك بعدما سنحت له الفرصة بالغناء بها. فكانت أغنية الفنان الكردي الشهير بيتوجان “أكر كتيه دلي من” وتعني “دخلت النار قلبي” هي فاتحة غناء تاتليسيس بالكردية، فاشتهرت الأغنية في كل أرجاء كردستان، أغنية جميلة ولحن عذب ومؤدٍ عظيم. إنه الكمال في عالم الغناء، و”تاتليسيس” كلمة تركية مركبة تعني “الصوت العذب”.
أما هوليا أفشار صاحبة عينين براقتين زرقاوين، فقد احتفت أيما احتفاء بالفنان الكردي السوري المقيم في المهجر جوان حاجو، بالرغم من أن حاجو لم يتمالك نفسه أمام جمالها، فكانت عيونه تتملى سحرها، وأجزم أنه كان يعني تماماً في قرارة نفسه “دل كتميه دل كتميه جارا بيشي دل كتميه” وتعني بالكردية “أحببتها أحببتها، من المرة الأولى أحببتها” هذه الأغنية التي غناها في برنامجها الشهير “هوليا أفشار شو” على قناة شو تي في التركية.
بالعودة إلى العنوان أعلاه وبعيداً عن عالم الجمال التركي وعذوبة أصواته ورقة نسائه، نشرت الوكالة العربية السورية للأنباء “سانا” بتاريخ 13 أيلول 2009 خبراً جاء فيه “أطلقت الوكالة العربية السورية للأنباء سانا إلى موقعها الإلكتروني بثها الإخباري باللغة التركية أمس السبت ليضاف إلى بثها باللغات الإسبانية والإنكليزية والفرنسية وذلك تنفيذاً لخطتها بتوسيع خدماتها الإخبارية على مستوى دول المنطقة والعالم والعمل على أن تكون مصدراً رئيسياً للأخبار المحلية بالنسبة لوسائل الإعلام العربية والدولية”.
وأضاف الخبر “ويضم البث باللغة التركية حزماً إخبارية غنية في الشأن السياسي والاقتصادي والثقافي والرياضي إضافة إلى خدمة الصور والأرشيف. وكانت وكالتا سانا والأناضول التركية وقعتا برنامجاً تنفيذياً على بث نشرات إخبارية متبادلة في الوكالتين تعكس صورة الأحداث في كلا البلدين وتنشر في إرسالهما على الإنترنت إضافة إلى تبادل التقارير الإخبارية والصور”.
جميل هذا الكلام، تعاون إعلامي بين دولتين جارتين، وإيجاد فرص عمل للصحفيين السوريين أو المترجمين الذين يتقنون التركية، وزيادة رقعة القراءة عبر الإنترنيت لقراء يتقنون التركية، وكذلك سهولة تحليل ونقل الأنباء للمراقبين والمهتمين بالشأن العربي والتركي. ولكن! سورية التي تتكون من قوميات مختلفة ولغات عديدة، هذه القوميات دافعت لتكون سورية اليوم لهم، ناضلوا وقاتلوا واستشهدوا في سبيل رفع كرامتها عالياً، وتبقى سورية بلداً لكل من يعيش عليها. سورية أهملت بل قمعت ثقافات تلك الشعوب، ولغاتهم الباقية حية والصامدة في وجه التعريب المحاط بها من كل الزوايا، لم تبادر قط إلى الاعتراف بمكونات أخرى غير العرب في هذا الوطن، قوميات ولغات أخرى، عندما تمزجها تكون سورية، في حين لو بقيت العربية لوحدها، فإنها ستكون لوحة فنية بإطار ذهبي ولكن بلون واحد فقط.
كان الأجدر بالقائمين على الوكالة، إيجاد أقسام لبث الأخبار بالكردية والسريانية والأشورية والأرمنية والآرامية والجركسية إضافة إلى التركية. تلك هي اللغات الوطنية أو المحلية في سورية، فالكردية وطبقاً لرأي الشخصي يتكلم بها ما يقارب ثلاثة ملايين إنسان، في حين السريانية يتكلم بها زهاء المليون إنسان والأشورية والأرمنية والجركسية هناك الكثير من يتكلمون بها، ألا يحق لهؤلاء قراءة أخبار وطنهم بلغتهم الأم؟ اكتبوا لنا عن نشاطات السيد رئيس الجمهورية بالكردية، وعن اجتماعات مجلس الوزراء بالسريانية، وعن انعقاد دورات مجلس الشعب بالأرمنية، وعن السياحة بالأشورية، وعن الاقتصاد والتجارة بالجركسية. نريد أخبار بلدنا بلغاتنا الأم.
تتوجه تركيا إلى المزيد من الانفتاح على الكرد، لحل القضية الكردية في بلادها التي تسعى لأن تكون عضواً في الاتحاد الأوربي، ففي إطار تنفيذ خطوات الانفتاح الديمقراطي للحكومة التركية بشأن إيجاد الحلول للمسألة الكردية قي تركيا، فقد صادقت هيئة التعليم العالي التركي ولأول مرة على فتح معهد للغات الحية في جامعة أرتوكلو في محافظة ماردين.
رئيس الهيئة البروفيسور يوسف ضياء قال في حديث لجريدة توداتس زمان إن المعهد سيدرس اللغة الكردية مع لغات أخرى، وسيمنح المعهد شهادات الماجستير والدكتوراه في اللغة الكردية، حيث جاء ذلك بعد اجتماع للهيئة ضم 27 من عمداء الجامعات في أنحاء تركيا واجمع المجتمعون على أنه ليس من المنطق تهميش لغة يتحدث بها أكثر من 21 مليون نسمة في تركيا.
وفي خبر نشرته جريدة راديكال التركية عن اجتماع الرئيس التركي عبد الله غول في قصر جانكايا مع ممثلين عن أربع وثمانون جمعية لأبناء محافظة يوزكات التركية المعروفة بميولهم القومية المتعصبة وعدائهم للكرد وموالاتهم لحزب الحركة القومية التركية المتطرفة، حيث حاول الممثلون أثناء اللقاء مع الرئيس التركي التعبير عن موقفهم الرافض للانفتاح الكردي والتحاور مع عبد الله أوجلان والمساس بوحدة الجمهورية التركية أرضاً وشعباً. قال غول خلال اللقاء “إن الموقف القومي لليوزكاتيين يستحق التقدير ونتفهم شعورهم، ولكن إذا لم نحل هذه المسألة ستزداد حجمها وخطورتها في المستقبل بشكل أكثر، كما ستتدخل أطراف خارجية أخرى تحت ذريعة الحل، لذا ينبغي أن نجد بأنفسنا حلاً داخلياً وصحيحاً لها. وأضاف غول “كل إنسان له لغته الخاصة به وضمن هذه القاعدة من حق الكرد أيضاً التحدث بلغتهم، ولكن ليس بمعنى اللغة الرسمية الثانية في البلد”.
تركيا التي كانت تعدم وتنفي لمجرد الحديث بالكردية، الأن يصرح رئيس الجمهورية التركية، إن للكرد الحق في التحدث بلغتهم، وستدرس في الجامعات التركية ويمكن للطلبة نيل شهادات الماجستير والدكتوراه فيها، في حين ما يزال الكرد في سورية، يعتقلون ويحاكمون لمجرد أن كردياً وجد معه ألف باء اللغة الكردية.
عندما تبث سانا أخبارها بالتركية، عليها قبل ذلك البث بالكردية، والسريانية، والأشورية، والأرمنية، والجركسية. إنها لغات حية وستظل كذلك، طالما أن هناك فرداً واحداً يتحدث بها، هذه اللغات التي كونت ثقافات سورية كلها، ما تزال أوابدها شاهدة على وجه الخارطة السورية بأسرها.
بالعودة إلى تاتليسيس وسيبيل وهوليا، نحب غنائكم ونتلذذ بأصواتكم الشجية، بالرغم من فهمنا الضئيل لكلمات أغانيكم إلا أن أصواتكم وألحانكم تترجم لنا ما تقولون. ولكن! أحب أن اسمع محمد شيخو وشفان بالكردية، وفيروز وميادة الحناوي بالعربية، وجان كارات بالسريانية، وجوليانا جندو بالأشورية والكردية، وآرام تيكران بالكردية والأرمنية. إنهم أقرب إلى قلبي من تاتليسيس وسيبيل وهوليا، حتى ولو كنتن أجمل فنانات تركيا، فلنا من الجمال ما يكفي لنصدره للكون بأسره. فيا سانا بثي أخبارك بالتركية ولكن لا تنسي البقية.
akkopress@gmail.com
* سوريا