لا توجد إحصائيات حول تعداد العمال السوريون في إقليم كردستان العراق، لكن الأعداد التقديرية تشير إلى وجود الآلاف من العمال موزعين بين المئات من الشركات التركية، وهم من الأكراد السوريون الذين تركوا وطنهم بحثاً عن عمل لإعالة أسرهم مادياً نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية وخاصة في السنوات المنصرمة بسبب الجفاف الذي حول هذه المناطق الزراعية إلى بقعة أرض قاحلة وكأنها تحولت إلى شبه صحراء، بالإضافة إلى سياسات النظام السوري في هذه المناطق من خلال إصدار المرسوم الجمهوري رقم (49) الذي يمنع من شراء وبيع العقارات و غلاء الأسعار، مما أدى إلى حدوث هجرة داخلية إلى المدن السورية الكبرى، وهجرة خارجية.
العوائل التي لم تهاجر من المناطق الشمالية يعتمدون بشكل رئيسي على أبنائهم الذين هاجروا إلى دول الجوار لإعالتهم مادياَ، كلبنان وكردستان العراق ودول الخليج وتركيا والعديد من الدول الأخرى
.
في كردستان العراق، حيث أن هؤلاء العمال يدفعون تكاليف السفر الباهظة للوصول إليها، بعد أن فقدوا أمل العيش و العمل داخل الوطن للحصول على اللقمة الكريمة.
الوصول إلى إقليم كردستان العراق ليس بالأمر السهل. فالمعبر الحدودي بين سوريا والعراق مغلق منذ سنوات عديدة بسبب الأزمة السياسية بين الحكومة العراقية والنظام في سوريا، لذلك يدفعون تكاليف باهظة للسماسرة من أجل الحصول على الفيزا العراقية في تركيا وحصرا من مدينة أنطاكيا.
عند وصولهم إلى كردستان العراق يواجهون مشاكل عديدة و أهمها الإقامة والضمانات الصحية. العديد منهم لا يحصلون على الإقامة و يعملون في شركات البناء بشكل لا قانوني يتم استغلالهم ويعملون بأجور رخيصة جداً مقارنة بالعمال الأتراك، ناهيك عن اختلاس أجورهم من قبل أصحاب الشركات.
الحصول على الإقامة العراقية يحتاج لأيام. فمن لا يستطيع جلب كفيل عراقي مضطر لأن يحصل على ورقة من الأحزاب الكردية السورية. وهذا لا يتم ما لم يكن عضواً في إحدى هذه الأحزاب التي تمنح هذه الورقة لأعضائها أو لأقرباء ممثلي هذه الأحزاب في كردستان العراق أو.. حسب مزاجهم! لذلك أغلبية العمال يحرمون من حق الحصول على هذه الإقامة .
في الفترة الأخيرة كانت هناك زيارات مستمرة لممثلي الأحزاب الكردية السورية إلى مديرية الإقامات في مدينتي السليمانية وأربيل، وكان يتم إقناعهم أن النظام في سوريا يرسل جواسيسه وعملاءه إلى إقليم كردستان العراق، لهدف زعزعة الوضع هنا، بهذه الحجة استطاعوا أن يمنحوا لأنفسهم التوكيل وألا تمر الإقامة إلا عبر ماسورتهم “أي الحصول على ورقة منهم”. فأغلبية أكراد سوريا ليسوا أعضاء هذه الأحزاب باعترافات من قياديي الأحزاب الكردية السورية.
لذلك أصبحوا أمام وضع محرج و هو مراجعة مكاتب هذه الأحزاب والحصول على رضاهم. حتى العمال الذين هم أصلاً أعضاء في هذه الأحزاب لم يحصلوا على حق الإقامة بسبب هذه اللعبة السياسية ومزاج الممثل الحزبي الذي يتصرف وفقاً لمواقف شخصية أو تصفية حسابات داخلية. ليس فقط هذا، بل رفعت تقارير كيدية بحق العديد من العمال وتم توجيه اتهامات غير صحيحة بحقهم، ليعملوا فيما بعد في شركات تستغلهم بحجة أنهم لا يملكون الإقامة.
هذا السلوك قد أثر ليس فقط على وضع هؤلاء العمال حيث عبروا حدود دولتين ودفعوا كل هذه التكاليف من أجل العمل لفترة معينة لإعالة أسرهم التي هي بأمس الحاجة للمساعدة. بل أثر بشكل سلبي على حراكنا السياسي داخل سوريا. ففقدت هذه الأحزاب مصداقيتها داخل المجتمع الكردي، بالمقابل تحسنت ظروف هؤلاء الممثلين المادية، فمنهم من يملك شققا وسيارات فخمة.
لا تنتهي معاناة العمال الكرد السوريين في إقليم كردستان العراق بهذا الشكل، إذ أنهم خلال عودتهم إلى سوريا بعد قضاء فترة طويلة من العمال والتعب الشاق في الشركات التركية ينتابهم الرعب عند دخول الأراضي السورية حيث تنتظرهم جماعة المخابرات والأجهزة الأمنية السورية، الذين يهددون كل عامل كردي سوري بتوجيه تهم سياسية إليه وسجنه ما لم يدفع مبالغ مادية تصل إلى أكثر من 20-25 ألف ليرة سورية..
هذا ما سأسرده لاحقا وعبر تقرير مفصل .
biradost-83@hotmail.com
* كاتب كردي سوري يعيش في كردستان العراق