أبوظبي
عندما تستمع إلى السيد علي الأمين (52 سنة)، العالم الشيعي اللبناني، فإن صوته الرخيم، يوحي لك بالطمأنينة، وهو ما لا يعكس ما ينطوي عليه منهج المرجع الديني الذي يبدو تارة محارباً داخل مذهبه الشيعي بوقوفه في وجه ولاية الفقيه، معتبراً هذه النظرية التي جاء بها الإمام الخميني بدعة لا يقر بها معظم علماء المذهب.
سيكون السيد علي، مساء الليلة أول المتحدثين في المجلس الرمضاني للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بمحاضرة عنوانها: «زبدة التفكير برفض السب والتكفير»، حيث يقف بقوة وصلابة أمام فكرة تصدير تلك النظرية. يبرر موقفه بقوله: «إن ولاية الفقيه، ليست ولاية عابرة للحدود والشعوب والمجتمعات، التي لا علاقة للفقيه الحاكم بها؛ لأنه لو جاز لهذا الفقيه أن يتدخل في قوانين وأنظمة المجتمعات الأخرى، لجاز لفقيه آخر من تلك المجتمعات، وصل إلى السلطة فيها، أن يتدخل في سلطة هذا الفقيه، وحينئذٍ يقع الهرج والمرج، ويحصل الخلل في نظام العلاقات، وهو أمر مرفوض من الناحية الشرعية». الأمين، ذو العمامة السوداء، التي ترمز إلى انتسابه إلى سلالة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ولذا لقبت عائلته بالأمين لقب جدهم، يبدو كرجل إطفاء يحمل دلاء المياه، ويبحث عن حرائق الطائفية، فيطفئها ما استطاع، لذا فقد اختار مريدوه في موقعه على «الإنترنت» أن يلقبوه بـ»داعية تعايش كبير». ويبدو هذا واضحاً من أدبيات السيد الأمين، الذي يقول: «المشكلة في الفكر الطائفي الذي يمزق الناس بين شيعة وسنة، ناتجة عن فكر قديم وموروث، يعتمد على معارك تاريخية، مثل مسألة الخلافة في النص عند الشيعة، التي بقي منها نظرية تأريخية؛ لأن أهل البيت لم يعودوا موجودين». لم يحصل الرجل على علومه بسهولة، فقد هاجر إلى النجف في العراق في ستينات القرن العشرين تلقى علومه الشرعية على يد مراجع الحوزة العلمية في النجف الأشرف. وتتلمذ على آية الله السيد الخوئي وآية الله السيد محمد باقر الصدر وآية الله السيد المستنبط وآية الله السيد الروحاني، حتى بلغ مرحلة الاجتهاد الشرعي في سنّ مبكرة، فدرّس مادة أصول الفقه في حوزات النجف وقم ولبنان وتتلمذ عليه المئات من مختلف أنحاء العالم. ولأن منهجه يعزز الوحدة الوطنية والولاء للأوطان، فقد كان على الدوام ضد الولاءات العابرة للحدود، إذ ينتقد «حزب الله»، ويطالبه بالولاء إلى الدولة اللبنانية أولاً وآخيراً. ويطالب شيعة الكويت بأن يكونوا كويتيين قبل أن يكونوا شيعة، ويتمنى من شيعة البحرين أن ينتموا إلى دولة البحرين قبل انتمائهم إلى الطائفة ويرى أن علاقات الأديان لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان وأن إيران إذا أرادت أن تقيم علاقات مع الطائفة الشيعية، فإن ذلك يجب أن يتم عبر حكومات البلدان ولا يجوز أن تكون مباشرة. ويرى بعض المراقبين أن هذه الآراء غير التقليدية، رغم منطقيتها، جعلته يفقد منصبه كمفْتٍ للطائفة الشيعية في صور وجبل عامل. ليس هذا فحسب، بل تعرض إلى هجوم مسلح على بيته ومقره في مدينة صور في أحداث أيار 2008، لكن ذلك لم يثنه عن مواقفه الصلبة، وبقي مقاتلاً شجاعاً رغم الضغوط.
علي الأمين.. إطفائي حرائق الطائفية ومعارض الولاءات العابرة للحدود بقيت الامة في الدولة الحديثة مغيبة منذ إطلالتها في المنطقة العربية. ففي الأربعينات من القرن الماضي نسيت ـ بضم النون ـ شعوب الدول المستقلة حديثا بين الغول والعنقاء :الأمة العربية، و الأمة الإسلامية؛ أما الأمة كواقع ملموس تلك التي هي في إقليم الدولة لم يكن لها ذكر. ومع إطلالة القرن الواحد و العشرين أستمر ضياع هذه الشعوب بين: ولاية الفقيه وإسلام السلف. مثل هذه الطروحات تتلهى بها السلطة لغرض تغيب دور الأمة وحقوق أفرادها. لن نحرز أي تقدم مهما، ما بقي مفهوم ولاية الفقيه، أو أسلام السلف قضية محورية في مجتمعاتنا… قراءة المزيد ..