عندما اعتقل الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، في 25/6/1959، اقتيد فوراً إلى احد المراكز العائدة للمكتب الثاني في الطلياني الذي كان يشرف عليه سامي جمعة وهو أحد الضباط المقربين جداً من عبد الحميد السراج ، يعاونه ضابط أخر يدعى عبد الوهاب الخطيب الذي قال لفرج بعد اعتقاله بقليل :“إنك لصيد ثمين” ثم انهال عليه بالأسئلة إلا أن فرج الله الحلو التزم الصمت رافضاً الإجابة، فضُرب بعصا حتى تكسرت، ثم صُعق بالكهرباء في قدميه. بعد أن قام سامي جمعة بوضع سلك الكهرباء في المآخذ، بينما أمسك عبد الوهاب الخطيب الطرف الثاني من السلك ووضعه في إبهامي قدمي فرج.. ثم نفخ بطنه بالهواء بمنفاخ سيارة، وقفز عليه، وأمر بتعليق وعاء ماء فوق رأسه، تقطر منه قطرات متقطعة من الماء..عقاباً له على صمته، وكان “رفيق رضا” أحد الخونة الذي وشى به يأتي بعد انتهاء فترة التعذيب ليناقش فرح في أفكاره السياسية والعقائدية، فما كان من “فرج” إلا أن بصق في وجهه واتهمه بالخيانة والعمالة للسراج. واستمروا في تعذيبه إلى أن فارق الحياة صباح 26/6/ 1959 فتم وضعه تحت الدرج، ثم وضع قي كيس نايلون بعد أن تم تقطيعه، ودفن في مزرعة سامي جمعة، ونتيجة لارتفاع وتيرة التهريب من لبنان كانت سيارات التهريب اللبنانية تمر بجوار المزرعة خاصة عند المساء، فظن الجلادون أن الحزب الشيوعي اللبناني ربما يكون قد اكتشف مكان دفن قائده فرج الله، فما كان منهم إلا قرروا فتح القبر وإخراج جثته، وتم تسليمها للمدعو وجيه أنطاكي الذي كان يعمل معاونا لعبد الوهاب الخطيب، ليتخلص منها بأسرع وقت خوفاً من اكتشاف الجريمة، وقد اشترى المدعو وجيه لهذه الغاية “بانيو” ووضع فيه جثة “فرج الله” ثم سكب عليها مادة الأسيد إلى أن ذابت تماماً، ثم قام بعد ذلك بإخبار معلمه عبد الوهاب الخطيب بأن الأمر قد تم ، فما كان من هذا الأخير إلا أن اتصل بشخص – يعتقد أنه كان عبد الحميد السراج نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة عن الإقليم السوري – وأخبره أنه قد ذاب واختلط في مياه نهر بردى.
مناسبة الحديث عن تذويب فرج الله الحلو بالأسيد هو الإعلان عن تكريم عبد الحميد السراج في المهرجان الخطابي الذي أعلنت عن إقامته القوي الناصرية بمصر تحت شعار”ناصريون معا” أمام ضريح جمال عبد الناصر بمناسبة مرور خمسين عاماً على إعلان الجمهورية العربية المتحدة. فعلى ماذا يكرمون هذا الشخص؟ ولماذا اليوم !؟ هل يكرمونه على نجاحه في جعل السوريين يكرهون الوحدة، من خلال سياسة البطش الأعمال الوحشية والإرهابية التي مارسها بحق السوريين طيلة أيام الوحدة؟
إن الإعلان عن تكريم عبد الحميد السراج، وهو الذي تلطخت يداها بدماء السوريين وتعذيبهم وخطفهم والبطش بهم، إنما يشكل إهانة لهؤلاء السوريين الذين ذاقوا الأمرين على يد الأجهزة التي كانت تأتمر بإمرة عبد الحميد السراج الذي فوضه عبدا الناصر بأمر سوريا أرضاً وشعباً نيابة عنه، هذا الرجل قد عاث فساداً وإفساداً وتخريباً وإرهابا ضد أبناء الشعب السوري، ولم يسلم من سطوته وبطشه أحداً حتى البعثيين الذين ضحوا بحل حزبهم ضربهم ،كما ضرب القوميين والشيوعيين وغيرهم، وفي النهاية ضرب كل من لم يأتمر بأمره، فقتل من قتل وخطف من خطف، وعذب الكثير الكثير.. حتى أنه تم اقتلاع أسنان البعض، كما اقتلعت أظافر البعض الآخر وانتزاع شعر الرأس. وما زال كثير من الأشخاص أحياء حتى الآن ممن اقتلعت أسنانهم وانتزع الشعر من رؤوسهم في أقبية عبد الحميد السراج. وهناك مئات القصص والروايات كان المواطنون السوريون يتبادلونها سراً حول ما جرى ويجري من تنكيل وبطش وإرهاب وتسريح تعسفي أو نقل إلى مناطق نائية ومن مختلف أساليب التعذيب الجسدي في سجون السراج، تلك التي لم تكن تعرفها سوريا قبل الوحدة.
وهناك قصة طريفة جرت أحداثها في بلدة مشتى الحلو المصيف السوري الجميل، في نهاية عام 1969 تعبر بوضوح عن مدى الخوف والإرهاب الذي زرعه السراج في قلوب الناس (“نوري” كان أحد عيون عبد الحميد السراج مكلفاً في ملاحقة ومراقبة أهالي بلدته كظلهم، وقد تفنن في استراق السمع والنظر من خلف النوافذ والأبواب، حتى بات الأهالي يتحاشون النظر إليه عندما كان يسير في الشارع، خوفاً منه لما تسبب به “نوري” وأمثاله من اعتقال وتعذيب عدد كبير من أفراد القرية في زنازين وأقبية عبد الحميد السراج. هذا “النوري” مات، ولم يسر وراء نعشه في الطريق إلى مقبرة القرية إلا عدد قليل من الرجال، كان من بينهم رجل ناهز عمره المائة وسبعة أعوام يدعى “جبرا الليّون” وقد بدا عليه الخوف، حيث كان يمشي متستراً بالرجال الذين يسيرون أمامه، فانتبه إليه رجلٌ يسير بمحاذاته، فسأله مستفسراً: (ليش عم تمشي هيك يا جدو جبرا.. شو خايف يشوفك حدا ؟! فأجابه جبرا الليّون: (إي يا جدو خايف يشوفني نوري ..) فاستغرب الرجل الأمر قائلاً: ( نوري مات.. وبعدك بتخاف منّو يا جدو؟) أجابه جبرا الليّون بدون تردد: (ولك هلق نسيتو مين هو “نوري” ونسيتوا شو كان يعمل فينا؟! وهلق أكيد إذا شافني رح يقلوا لالله شو أخذتني ونسيت جبرا الليون..!!).
حدثت هذه القصة بعد مضي اثني عشر عاماً على انهيار الوحدة بين سورية ومصر، ومع ذلك لم ينس جبرا الليوّن والكثير من اللذين عاشوا تلك الفترة، ما كان يفعله نوري وأمثاله من زبانية عبد الحميد السراج ونظامه الأمني الذي أرسى دعائمه جمال عبد الناصر الذي ما إن علم بسجن نائبه عبد الحميد السراج بعد انهيار الوحدة ، حتى أمر المخابرات المصرية بإنقاذ صديقه المخلص عبد الحميد السراج من سجن المزة. وفعلاً تم إنقاذ السراج من السجن من خلال عملية أطلق عليها أسم “جمال” وبمساعدة كمال جنبلاط واللواء سوكت شقير وسامي الخطيب والرئيس فؤاد شهاب وفق ما ذكرته صحفية النهار البيروتية بتاريخ 7و8 آذار 2005.
وبالرغم من كل ذلك، يأتي اليوم من يطالب ليس ببقاء هذا النظام الأمني وحسب، بل ويصرُّ على استحضار رموزه، وتكريمها خلافاً لرغبة الكثير من السوريين والمصريين والعرب وأشقاؤهم من كل الأثنيات الذين ينشدون الخلاص من هذا النظام الأمني، وإقامة نظام أمني جديد مختلف يكون قادراً ليس على تحسس آلام الناس وآمالهم فقط، بل وقادراً أيضاً على حماية حقهم في الحياة الحرة والعيش الكريم، والسهر الدائم على مصالحهم، ورد أي اعتداء يستهدفهم في حياتهم أو أموالهم. باختصار إنهم يريدون نظاماً قادراً على توفير الحماية لهم في ممارسة حقهم الطبيعي بالانخراط في تشكيل مؤسساتهم المدنية وهيئاتهم النقابية وأحزابهم السياسية في إطار من الحرية والديمقراطية والاحترام المتبادل والإقرار بحرية الأخر وتعدد الآراء وتمكين الناس بكل حرية وشفافية وبشكل متساو من اختيار ممثليهم إلى مجالس البلدات والمدن والمجالس النيابية وصولاً إلى مواقع الرئاسة الأولى، وذلك ضمن إطار من المشروعية وسيادة القانون التي يجب أن تسود على الجميع حكاماً ومحكومين.
vik9op@gmail.com
دمشق
على ماذا يكرمون السراج…؟؟
لاغريب ان البعض يكررم امثال السراج فبالامس شاهدنا انه لحد الان توجد بشرية تحب صدام بالرغم من كشف كل جرائمه القذرة ولا غريب انه بمرور السنين سوف يكرمونه!والعقول المتخللفة اشكال والوان مثل الهواية احدهم يحب الطوابع والاخر يحب امواس حلاقة ويجمعها لكن عمري ماسمعت الافي هذا الزمان ان اشخاصا يحبون الزبالة والجيف!وكما قال المتنبي(اناس عقولها قد ازبلت–فغدت في صدام والسراج من احببت)والعاقل يفهم!!!!!!!!!!!
على ماذا يكرمون السراج…؟؟
لقد طبق الله على هذه الامة الذل وافقر والخوف نتيجة عدم تطبيق العدل والديمقراطية واحترام الانسان. لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا. ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما. . جيلنا الذي عاش الثورات، بدءاً من عبد الناصر والبعث، لم يزدد إلا ضلالاً وجهالة وسخفاً وتخلفاً…وفقرا وتهجيرا ثم استعمارا
على ماذا يكرمون السراج…؟؟مفهوم الصنم -خالص جلبي – أرسل لي من الرياض الأخ عمر يسأل عن مفهوم الوثن؟ وهي المسألة الجوهرية التي ناقشها القرآن. وقصة الطالبان مع تدمير صنم بوذا تفتح النقاش حول مفهوم الصنم فما هو ؟ قد يكون الصنم حجراً أو بشراً أو (أيديولوجية)، ولكنه يتظاهر دوماً بأنه متعال ما فوق بشري، يملك صفات خارقة، ويتلّون حسب العصور، ويفرض على العقل الإنساني الانصياع والرهبة أمام (سيطرته). لذا وصف الفيلسوف (محمد إقبال) أن الصنم (مناة) تحافظ على شبابها عبر الأزمنة:(تبدل في كل حال مناة … شاب بنو الدهر وهي فتاة). ولم تهدأ معركة (الصنم) و(الفكرة) عبر التاريخ. فقد يكون… قراءة المزيد ..