يسير بشّار الأسد على خطى معمر القذافي. هذا، على الأقل، ما تدل عليه حقيقتان: أولاً، انشقاق قيادات عليا في الجيش، وأجهزة الأمن، والسلك الدبلوماسي. وثانياً، وجود مناطق أصبحت خارج سيطرة الدولة المركزية، ووصول الاشتباكات المسلحة إلى دمشق.
يترافق مع هاتين الحقيقتين تشخيص منظمات دولية للصراع الدائر في سورية باعتباره حرباً أهلية، وموافقة أطراف مختلفة في سورية وخارجها، في الإقليم وخارجه، على تشخيص كهذا. وهذا التشخيص يسهم في إثبات أن بشّار الأسد يسير على خطى معمر القذافي. ففي ليبيا، أيضاً، تحوّل الصراع إلى حرب أهلية.
وما هي خطى القذافي؟
أولاً، عدم الاعتراف بالمطالب الشرعية والمشروعة للمعارضة، وفي القلب منها حقيقة أن الشعب لا يريد الحاكم، ولا النظام.
ثانياً، اتهام المعارضة بخدمة أطراف خارجية، والتقليل من شأنها، ووصف الصراع الداخلي على السلطة باعتباره مؤامرة خارجية.
ثالثاً، استخدام القوّة الغاشمة والعارية لسحق المعارضين، والاعتماد على ميليشيات شبه نظامية، وإثارة النـزاعات والتمركزات المحلية على أمل تأليب قسم من الشعب ضد قسم آخر، والفوز في لعبة فرّق تسد.
وكل ما يمكن أن يُقال في الوقت الحالي يتجلى في قراءة التطورات باعتبارها علامات ومحاولة تفسيرها. فقد صمدت المؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية الأسدية على مدار عام ونصف العام، وهذا يحسب لها. بمعنى أن آل الأسد نجحوا على مدار أربعة عقود في بناء وصيانة وترسيخ بنية عسكرية وسياسية قادرة على حماية حكم العائلة والطائفة، وإنشاء تحالفات مع فئات اجتماعية تقوم مقام شبكة الأمان في وقت الأزمة.
وقعت على مدار عام ونصف العام أعمال انشقاق، قام بها جنود وضباط من رتب دنيا ومتوسطة في الغالب. الجديد، في الآونة الأخيرة، أن الانشقاق وصل إلى المراتب العسكرية والأمنية والسياسية العليا (جنرالات وسفراء) وهذا يعني أن النواة الداخلية الصلبة لم تعد قادرة على لجم إحساسها بالتعب. وعادة، ما أن تتم أولى بوادر الشرخ الداخلي حتى تتسارع وتيرته.
وقع الأمر نفسه في ليبيا، لكن إحساس النواة الداخلية هناك بالتعب لم يستغرق وقتاً طويلاً، وهذا يعود إلى طبيعة نظام العقيد، وإلى حقيقة أن التدخل الغربي كان واضحاً وحاسماً بعد اندلاع الثورة بوقت قصير. بينما تمثل شبكة الأمان الروسية في المحافل الدولية صمام الأمان، الذي يمنح أعضاء النواة الداخلية في سورية قدراً من الطمأنينة.
لذلك، يمكن النظر إلى الوحشية النادرة، التي يبديها نظام آل الأسد، وفقدان سيطرة الدولة المركزية، عسكريا وأمنياً، في مناطق مختلفة، وصعود التمركزات الطائفية والمناطقية، والوصول إلى مرحلة الحرب الأهلية المفتوحة، باعتبارها مجتمعة محفزّات تُسهم في تضييق حيّز المناورة أمام أعضاء النواة الداخلية الصلبة، وتُرغمهم على مغادرة المركب، وقد أوشك على الغرق.
لن يبقى مع بشّار الأسد، في نهاية الأمر، سوى شبكة الأمان العائلية، وبعض الأفراد الذين ارتبط مصيرهم بمصيره، وأُغلقت في وجوههم كل أبواب التراجع.
ومع ذلك، فإن السؤال العمدة في الوقت الحاضر: هل سيبقى بشّار الأسد في المركب حتى النهاية، ويغرق معه؟
يمكنه التفاوض على خروج آمن. هذا لن يحظى بقبول المعارضة السورية، لكنه سيحظى بقبول الروس والغربيين والعرب، ويمكن لهؤلاء إقناع المعارضة السورية بطرق مختلفة. ومع ذلك، لم يظهر حتى الآن ما يدل على نوايا في هذا الاتجاه.
سيذهب، على الأرجح، حتى نهاية الشوط. وسيفشل، على الأرجح، في إدراك حقيقة أن عقارب الساعة تقترب من نهاية الليل، وأن وقته على هذه الأرض، أو في سورية، أصبح محدوداً، بصرف النظر عن سيناريو النهاية.
لماذا يفشل الطغاة في قراءة الواقع؟ هذا سؤال كبير ومحيّر؟
إذا كان الرهان على المؤسسة العسكرية والأمنية، وعلى العلويين، وشرائح من طوائف أخرى، فإن تلميذاً في الثانوية يمكن أن يقول له إن البلاد قد دخلت مرحلة الحرب الأهلية، وأن الغلبة في الحرب الأهلية السورية ستكون للأغلبية المدعومة من الخارج بالمال والسلاح والإعلام. إذا وصلت الاشتباكات إلى دمشق فقل على النظام السلام.
وإذا كان الرهان على شبكة الأمان الروسية، فإن لدى الروس قدرة إفشال قرارات في مجلس الأمن، لكن قدرتهم على دحر المعارضة في الداخل السوري بلا قيمة تقريباً. كل ما هنالك أنهم يمنحون أفراد النواة الداخلية الصلبة بعض الطمـأنينة. وهؤلاء ظهرت عليهم بوادر التعب.
خيار بشّار الأسد، الذي يتكلّم كثيراً ويقول كلاماً بلا معنى، مكلف ومؤلم. ومن سوء الحظ أن السوريين أصبحوا مرغمين على دفع أثمان باهظة مقابل التخلّص منه، ومن نظامه. لا يهم كيف ستكون النهاية، ولا وقت وآليات الوصول إليها، المهم أن بشّار الأسد يسير على خطى معمّر القذافي. واللبيب بالإشارة يفهم.
khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني