في مقاله الافتتاحي في صحيفة نيويورك تايمز في 3 تشرين الأول/أكتوبر، يؤكد فالي نصر أن إيران تتعامل مع المفاوضات النووية المقرر استئنافها في 15 تشرين الأول/أكتوبر من منطلق القوة وبالتالي يجب أن تكون الطموحات الأمريكية متواضعة. ويقترح تخفيف العقوبات بشكل محدود في مقابل “خطوات ملموسة للإبطاء من البرنامج النووي الإيراني وإخضاعه للرقابة الدولية”. ومع ذلك، لن يلبي اقتراح نصر ما يريده الرئيس الأمريكي باراك أوباما أو الرئيس الإيراني حسن روحاني.
ففي حقيقة الأمر، تخضع إيران لضغوط اقتصادية وسياسية وعسكرية شديدة وهي ليست في موضع قوة على نحو قريب مما يراه نصر – عميد “كلية الدراسات الدولية المتقدمة” في جامعة جونز هوبكنز. حيث إن الضمان الذاتي المعسول الذي قدمه روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف يخفي وراءه حاجة شديدة لإبرام اتفاق مع الولايات المتحدة.
إن أمن إيران – كحال الكثير من دول الشرق الأوسط الأخرى إن لم يكن أكثر منها – يواجه تهديدات بسبب الأحداث الأخيرة في المنطقة. ويُعد النظام السوري الحليف الرئيسي لإيران والقناة التي تستعرض من خلالها قوتها؛ وربما يكون قد حصل على مهلة من الهجوم الأمريكي إلا أنه لا يشعر بالأمان على الإطلاق. وسوريا ما هي إلا طرف واحد من صراع إقليمي طائفي متزايد وواسع النطاق أضعف من المكانة المرموقة التي كانت تتمتع بها إيران ووكلاؤها سابقاً.
وعلاوة على ذلك، قد تكون مصداقية الجيش الأمريكي في مستوى منخفض إلا أن إيران لا تستطيع التقليل من خطورة تهديدات الجيشين الأمريكي والإسرائيلي. فلن يعيق هجوم أي منهما جهود إيران النووية فحسب بل سيكشف ضعف قوتها العسكرية والخداع والكذب في تصريحاتها الطنانة.
وتعاني إيران بشدة من الناحية الاقتصادية؛ فقد انخفضت عائدات النفط الإيرانية من 8 مليارات دولار شهرياً في عام 2011 إلى 3.4 مليار دولار فقط في الوقت الحالي، ولا يمكن استعادة الكثير منها بسبب العقوبات التي تتطلب من زبائن إيران الدفع بالعملة المحلية. وقد أدت العقوبات إلى عزل إيران عن النظام المالي الدولي، الأمر الذي ساهم في ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، والنمو الاقتصادي الراكد، وهبوط العملة.
وتأتي هذه العقوبات في ظل الاضطرابات السياسية واسعة النطاق التي شهدتها إيران في عام 2009، والتي تبعتها أعمال قمع وحشية ضد المعارضين وتهميش السياسيين الإصلاحيين والمحافظين وحتى البراغماتيين. لقد كان القمع الذي قام به النظام مؤثراً وتمخض عنه توحيد ائتلاف مكون من قوى سياسية متباينة في مواجهة المتشددين الذين يهيمنون على النظام.
لقد كان انتخاب روحاني في حزيران/يونيو نتيجة لهذه الديناميكيات (أو على الأقل ردْ المرشد الأعلى عليها)، ولكن ذلك لم يعتبر في حد ذاته حلاً لمشاكل إيران الداخلية. فمن خلال التصويت لروحاني، دعم الشعب الإيراني بأغلبية ساحقة برنامجه الانتخابي الذي كان يحث على التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي وعد به. ولكي يفي بوعوده، لا يحتاج روحاني إلى مجرد رفع عقوبة أو عقوبتين بل إلى التخلص من كافة العقوبات. ولذلك فهو بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة.
ويتيح المأزق الذي تمر به إيران فرصة ونفوذ لأوباما لا يجب إهدار أي منهما. ومن المؤكد أن روحاني سيسعى إلى تخفيف معاناة إيران من خلال التوصل على نتيجة تُعد أخف الأضرار على خياراتها النووية عارضاً الشفافية وبناء الثقة وليس فرض قيود مفرطة على أنشطتها النووية. وتستعد الولايات المتحدة للمشاركة في هذه المناقشات حيث لا تريد واشنطن التوصل إلى اتفاقية نووية فحسب، بل إلى تخفيف العداوة مع إيران، وينتابها القلق من أن تكون فرصة القيام بذلك فرصة عابرة.
ولكن الاتفاق النووي المحدود الذي يحافظ على القدرات الإيرانية على ما هي عليه، حتى لو تخضع لعمليات التفتيش المعززة، لن يبني الثقة أو الاستقرار. إن عمليات التفتيش ستزيد من التوترات، ولا تقللها، خاصة عندما تعترض إيران حتماً على رغبة المفتشين في الدخول إلى مواقع عسكرية حساسة أو تمنع الأنشطة التي لدى الولايات المتحدة أدلة حولها، مثل سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية. وقد أدت جهود مماثلة مع كوريا الشمالية والعراق في تسعينيات القرن الماضي، ومع إيران في بداية القرن الحالي، إلى إضعاف الثقة بدلاً من بنائها. وحتى إذا اختارت الولايات المتحدة أن تثق في إيران فلن يكون ذلك رد فعل حلفائها. بل إنهم سيحاولون ضمان حظوظهم بالحصول على نفس الإمكانيات المسموح بها لطهران.
وعلاوة على ذلك، فإن الاتفاق الذي يحافظ على قدرة إيران لتصنيع الوقود النووي وبرنامج بحوثها لتطوير أسلحة نووية، سيتيح لطهران في المستقبل – بمجرد إزالة الضغوط الاقتصادية والعسكرية بأمان – طرد المفتشين واستكمال مسيرتها تجاه الأسلحة النووية، كما فعلت كوريا الشمالية في بداية القرن الحالي.
ولتجنب مثل هذه المخاطرة وفتح الطريق أمام تحسن تدريجي في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران وتهدئة التوترات الإقليمية، سيتطلب الأمر اتفاقاً يضمن إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى وضعه السابق ولا يقتصر على توقف تقدمه فقط، كما سيتطلب الأمر إلتزام طهران بالشفافية تجاه أنشطتها النووية السابقة. وفي المقابل، يجب أن تكون واشنطن على أتم الاستعداد لتخفيض العقوبات بصورة كبيرة. وسيتطلب التفاوض على مثل هذا الاتفاق شدة وحزم من قبل إدارة أوباما؛ فقد تحتاج الولايات المتحدة إلى زيادة الضغط على إيران بشكل أكبر وتأجيل آمال التقارب مع طهران حتى يتم التوصل إلى اتفاق نووي مستديم.
ولإعادة صياغة نظرية “الحجر الدوار”، قد لا يحصل كل من أوباما وروحاني على ما يريدانه من المباحثات النووية – انفراجة دبلوماسية تاريخية لأوباما، والحفاظ على الخيارات والقدرات النووية الإيرانية لروحاني – ولكن مع بعض الجهد قد يحصل كل منهما على ما يحتاجه. فبالنسبة لروحاني، سيكون ذلك الإعفاء من العبء الثقيل للعقوبات. وبالنسبة لأوباما، سيكون ذلك تحولاً استراتيجياً، وليس مجرد تراجعاً تكتيكياً، من قبل طهران.
مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن
فورين بوليسي