هناك العديد من الأجهزة الرقابية التي تتعقب الفساد والمفسدين، ولكن لا يشعر المواطن العادي بتأثيرها. منذ أيام قدم المستشار جودت الملط تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات لمجلس الشعب، يحوي مخالفات عديدة، ولكن لم يلفت إليه سوي بعض المهتمين. لا نسمع عن أجهزة الرقابة إلا مع الإعلان عن قضية فساد جديدة. نسمع عن هيئة تسمي الرقابة الإدارية، وأخري تسمي الكسب غير المشروع،…الخ. السبب الحقيقي في غياب الوعي بالدور الرقابي لهذه الأجهزة هو أن دورها يقتصر علي إرسال تقاريرها إلي من يهمه الأمر، سواء كان رئيس الجمهورية، أو رئاسة الوزراء أو مجلس الشعب. ولكن لم يحدث أن أعلنت هذه التقارير علي الملأ بحيث تكون في متناول المواطن العادي. في حدود علمي، وقد أطلعت علي القوانين المنظمة لعمل الأجهزة الرقابية المتعددة، لا يوجد نص قانوني يلزم بالسرية، ويحظر علانية التقارير الصادرة عن هذه الأجهزة. هذا ما سارت العادة عليه. وعادة ما يجد كبار الشخصيات العامة صعوبة في الحصول علي تقارير الأجهزة الرقابية إلا ما شاءت تسريبه، وإثارة الجدل حوله. من هنا فإن المساءلة في المجتمع “عرجاء”، لأنها تقوم علي مساءلة مؤسسات حكومية لأخرى حكومية. المساءلة التي يقوم بها المواطن نفسه، سواء من خلال منظمات المجتمع المدني، أو المنابر الإعلامية، أو الكتابات النقدية للمؤسسات الحكومية “ضعيفة”، والسبب غياب المعلومة في أحيان كثيرة، وتضاءل القدرة علي تكوين وعي نقدي حقيقي.
رد الاعتبار لدور المواطن العادي في المشاركة والمساءلة لن يتسنى إلا بنشر تقارير الأجهزة الرقابية علي الملأ، بحيث يمكن للمواطن التعرف علي مواطن الخلل في الأداء الحكومي، وصور إهدار المال العام، والترهل البيروقراطي الذي يقود إلي المعاناة. المواطن ليس طرفا سلبيا، ولكنه مشارك إيجابي، ولن تتحقق المساءلة الجادة دون وجود المواطن “الواعي”، “المنتبه” و”الغيور” علي إدارة المال العام، الذي له نصيب فيه.
المشكلة أن المواطن ليس علي أجندة الاهتمام العام. لا تزال الصورة النمطية المأخوذة عنه هي الكسل، وعدم الاكتراث، وربما عدم الأهلية لممارسة الشأن العام. فهو جدير بالشكوى للحكومة، لكنه ليس أهلا لمساءلتها ومحاسبتها. هكذا تنظر دواوين الحكومة إلي “المواطن”، نظرة تكشف حالة من الاستعلاء، والتأفف، والسمو غير المبرر.
نشر تقارير الأجهزة الرقابية علي الملأ يرد الاعتبار للمواطن، ولاسيما أنه صاحب المصلحة الأساسي، وما الحكومة إلا وكيلا لإدارة أعماله. هذه هي المواطنة، التي تتصدر الدستور.
(روزاليوسف)