الطريقة التي تعاملت بها التلفزيونات والصحف العربية مع خبر إلغاء زيارة الملك سلمان لواشنطن ولـ”كامب دافيد” تبعث على.. الأسى! فقد اكتفى معظمها بإيراد نص برقية وكالة الأنباء السعودية عن ذرائع الإلغاء!
بعض روساء الدول يدفعون ملايين الدولارات لشركات “علاقات عامة” لترتيب زيارة لهم للبيت الأبيض! ولكن ملك السعودية يمتنع عن الزيارة بعد يومين من إعلان البيت الأبيض أن الرئيس أوباما “سيتشاور معه على حدة” قبل قمة كامب دافيد! هذا ليس قراراً من النوع الذي تتخذه السعودية لأسباب تتعلق بـ”تضارب جدول الأعمال”!
وما لم تُشِر إليه وسائل الإعلام العربية، وحتى الأميركية، هي أنه كان مطروحاً أن تتم دعوة وزيري خارجية مصر والأردن إلى اجتماعات باريس التمهيدية لـ”قمة كامب دافيد”، ولكن تم صرف النظر عن فكر مشاركة مصر والأردن لأسباب مجهولة!
في أي حال، بعد أزمة زيارة بنجامين نتنياهو لواشنطن وإلقائه خطاباً أمام الكونغرس بدون التشاور مع البيت الأبيض، بل في بادرة “تحدّي” و”ازدراء” للرئيس، فإن إلغاء زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لأميركا تشكّل علامة إضافية مهمة على تدهور علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين في المنطقة، وعلى تدهور “مكانة” رئيس الولايات المتحدة في نظر صانعي القرار في المنطقة!
الشفاف
*
أعلنت المملكة العربية السعودية أمس الأحد أن الملك سلمان بن عبد العزيز لن يحضر الإجتماعات المقرّرة مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض، وقمة “كامب دافيد” التي تنعقد خلال الأسبوع الحالي، في ما يمثّل، حسب الـ”نيويورك تايمز”، إشارةً ظاهرة إلى استمرار استياء السعودية من إدارة أوباما حول علاقاتها مع إيران.
وكان الناطق بلسان البيت الأبيض، إريك شولتز، قد أعلن يوم الجمعة الماضي أن الملك سلمان سيزور واشنطن ”لاستئناف المشاورات حول مجموعة واسعة من القضايا الإقليمية والثنائية”.
ولكن وكالة الأنباء السعودية أعلنت أمس الأحد أن الملك سلمان سيوفد ولي العهد الأمير وزير الداخلية محمد بن نايف، وولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان. وقالت الوكالة أن القمة تتزامن مع بدء هدنة انسانية مدتها خمسة أيام في اليمن وافتتاح مركز للاغاثة الانسانية يحمل اسم العاهل السعودي.
وقال مسؤولون عرب لـ”النيويورك تايمز” أن غياب الملك سلمان يشكل مؤشراً إلى خيبة أمل السعودية إزاء ما يمكن للبيت الأبيض أن يقترحه من تطمينات أميركية ضد إيران.
ويتوقع أن يتصل الملك سلمان بالرئيس أوباما اليوم الإثنين للبحث في قراره بعدم السفر إلى الولايات المتحدة، حسب ما قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية.
وقال هذا المسؤول أنه حينما التقى مع وزير الخارجية جون كيري في الأسبوع الماضي، فإن الملك كان قد أعرب عن تطلّعه إلى الإجتماع شخصياً مع الرئيس أوباما. ولكن، فور إعلان البيت الأبيض مساء الجمعة عن إجتماع بين الرئيس أوباما والملك في واشنطن، فقد اتصل وزير خارجية السعودية لينقل للإدارة أن الملك سلمان لن يتوجّه إلى الولايات المتحدة.
وقال المسؤول الأميركي أنه لم يرد أي ”تعبير عن خيبة الأمل” من السعوديين. وأضاف: ”إذا أراد أحد أن يعبّر عن موقف ازدراء، فإنه يفيدك بذلك بصورة أو بأخرى”.
وقال نائب رئيس “مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية”، جون إلترمان، أن غياب الملك سلمان تعبير عن ازدراء وبَرَكة في الوقت نفسه. وقال أن فيه ”فرصة ضمنية لأنه سيكون أمام المسؤولين الأميركيين فرصة غير معتادة للتعرف على الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع القوي وولي ولي العهد، الذي نادراً ما التقوا به سابقاً”.
ولكن السيد ألترمان أضاف أنه ”حينما يرسل شريك مقرّب إشارة لا غموض فيها بأنه لديه أمور أهم من الحضور إلى البيت الأبيض والإجتماع مع الرئيس، وذلك مباشرةً بعد إعلان البيت الأبيض بأن الرئيس سيجتمع على حدة مع الملك قبل مباشرة أعمال القمة، فإن ذلك كله يمثّل إشارة واضحة”!
وكان وزير الخارجية جون كيري قد اجتمع يوم الجمعة، في باريس، مع وزراء خارجية الدول العربية المدعوّة إلى قمة ”كامب دافيد”- وهي السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وعُمان- لبحث ما يمكن أن تسفر عنه قمة “كامب دافيد”، ولإبلاغهم عما يمكن للولايات المتحدة أن تعرضه في القمة. ولكن مسؤولين في إدارة أوباما قالوا أن مسؤولين عرب طالبوا أثناء اجتماع باريس بمعاهدة دفاعية تلتزم أميركا بموجبها بالدفاع عنهم في حال تعرّضهم لهجوم خارجي. ولكن التوصّل إلى مثل تلك المعاهدة سيكون صعباً لأن المعاهدات- على غرار المعاهدة الدفاعية بين الولايات المتحدة واليابان- تتطلب مصادقة الكونغرس.
والواقع أن الرئيس أوباما، حسب مصادر في إدارته، مستعد لاقتراح ”بيان رئاسي”، سوى أن مثل هذا البيان لن يكون ملزماً للإدارة الأميركية مثل المعاهدة كما أن الرؤساء المقبلين قد لا يعتبرون أنفسهم ملزمين به.
من جهة أخرى، يقول مسؤولون وخبراء أميركيون أن الدول العربية ما تزال تشعر بالغضب إزاء الملاحظات التي أدلى بها الرئيس أوباما في سياق مقابلته مع فريدمان في جريدة ”نيويورك تايمز”، وجاء فيها أن على حلفاء مثل السعودية أن يشعروا بالقلق من التهديدات الداخلية- ”فئات من المجتمع تشعر بالنفور، وشبان عاطلون عن العمل، وإيديولوجية مدمرة وعَدَمية، وفي حالات معينة الشعور بأنه لا توجد وسائل سياسية مشروعة للتعبير عن الإحتجاج والتذمر”.
وفي لحظة كان يُفترض أن يقدّم فيها مسؤولون أميركيون تطمينات لهذه البلدان بأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبها، فإن تعليقات الرئيس أوباما اعتُبِرت سيئة التوقيت من جانب مسؤولين الخليج، حسب ما يقول خبراء في السياسة الخارجية.
كذلك، ترغب البلدان العربية في شراء مزيد من الأسلحة من الولايات المتحدة، ولكن تعترض تلك الرغبة عقبة كبرى تتمثل في الحفاظ على تفوّق إسرائيل العسكري. وتضع الولايات المتحدة تحفظات على أنواع الأسلحة التي يمكن للشركات الأميركية أن تبيعها للدول العربية، في ما يمثل محاولة لصيانة تفوّق إسرائيل إزاء خصومها التقليديين في المنطقة.
وذلك هو السبب، مثلاً، في أن الإدارة لم تسمح لشركة ”لوكهيد مارتين” ببيع مقاتلة ”إف-٣٥” التي تُعتَبَر ”جوهرة” الترسانة الأميركية للمستقبل. وتملك تلك الطائرة، وهي الأغلى في العالم، قدرات ”اختفاء”، وقد وافقت الإدارة على بيعها لإسرائيل.
وكان جون كيري قد أعلن في باريس، يوم الجمعة الماضي، أن الولايات المتحدة وحلفاءها العرب يقومون ”ببَلوَرة سلسلة من الإلتزامات الجديدة التي ستسفر عن تفاهم أمني جديد بين أميركا ودول مجلس التعاون الخليجي، ومجموعة جديدة من المبادرات الأمنية ستتجاوز كل ما كان قائماً في الماضي”.
علاوة على غياب الملك سلمان، فسيتغيب عن قمة “كامب دافيد” مسؤولون آخرون من مجلس التعاون الخليج. فيتوقع أن يتغيب رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان لأسباب صحية. كما سيتغيب السلطان قابوس بن سعيد لنفس الأسباب.
وقد امتنع سفير دولة الإمارات، يوسف العتيبة، أثناء مؤتمر شارك فيه في واشنطن يوم الخميس الماضي عن إعلان ما تريده بلاده من واشنطن قائلاً “آخر ما يمكن أن أقوله هو “هذا ما نطلبه”! فذلك لن يكون الطريقة المناسبة. الطريقة المناسبة هي أن نأتي ونتفق على تجديد المشاكل القائمة، ثم نتفق على كيفية العمل معاً لتأمين حاجاتنا”.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن خبير الشؤون الإيرانية في “معهد كارنيغي للسلام الدولي”، كريم ساجدبور”، أن قرار الملك سلمان لا يعني أن السعوديين يديرون ظهورهم للولايات المتحدة- فهم لا يملكون أية خيارات أخرى. وقال أنه “أياً كان استياء السعودية، فليس لديهم خيار شراكة استراتيجية بديلة مع موسكو أو بكين”.
ولكنه أضاف أنه ”هنالك تصوّر متنامٍ في البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة والسعودية صديقان وليسا حليفين، في حين أن الولايات المتحدة وإيران حليفان وليسا صديقين”!