ألح هنا على ما تعلمونه جميعا عن مدى تردى الأوضاع فى بلادنا، ولعل أظهره وأخطره هو ما نراه على شبابنا الذين تتمنى أى أمة وجود مثلهم لديها، ومع ذلك لا تعرف ماذا تعلم هؤلاء ومعظمهم لاعلم لديه بالمعارف السيارة المعتادة والقوانين العلمية التأسيسية التى كنا نعرفها فى المراحل الابتدائية،، ولا يفقه معظمهم حتى فيما تعلمه وتخصص فيه وتخرج عارفا به متمرسا كي يسستحق الدرجة، وتكتظ شوارع مصر بالعاطلين بينما الشركات والمصانع تستورد عمالة هندية وكورية وصينية ويابانية، لأن تلميذنا الذى تخرج ربما بامتياز، عندما يذهب لاختبارالتوظف فإنه لا يعرف شكل الجهاز الذى درسه، ولا كيف يتعامل معه. وانقرضت عادة القراءة أو انعدمت تقريبا، خاصة الكتب الفكرية والأدبية والفلسفية والتاريخية المحترمة، وعدا ذلك فهو يقرأ تراثه بكل تقوى ويقيم الشعائر بانتظام، ومنفلت قيميا بانتظام أيضا، عندما يصادفك فى التلفزيون برامج (توك شو) لشباب دول مختلفة فى قضية للنقاش أو لتعقيب تلفزيونى، ستجد أجهل وأتعس المتصلين وأفقرهم معرفيا وأشدهم تعصبا لأوهامه هوالشاب المصرى، حتى تتمنى لو يخرسه الله أو ينقطع الإرسال لأسباب مصرية، حتى أصبحنا مسخرة الشعوب ومحل تندرها، اليوم الهندى فى بلاده عندما يجد هنديا آخرا أهطلا وأبلها يتندر عليه بالقول :هوه إنت مصرى؟ شاهدت ذلك فى مقطع من فيلم هندى منشور على اليوتيوب!!
والشئ بالشئ يذكر، فأذكر عندما تفاقم هذا الانحدار المصرى محاولات إيقاظ وانقاذ فنية واكبت العمل العلمي المجتمعي والنقدي، خفتت وتلاشت، منها عمل الفنان نور الشريف حوالى خمسة أشهر على إخراج مسرحية عن مصر القديمة كتبها هو وأخرجها ومثلها شباب مبتدئين، وذلك فى مسرح الهناجر لتعرض لمدة أيام، وهو رجل تعد ساعاته بألوف الجنيهات .واكتفى الرجل بهذه الأيام القليلة مكافأة، وأذكر أيضا أنه اعتمد فى مسرحيته بالكلية على كتابى (أوزيريس وعقيدة الخلود فى مصر القديمة) بل وعندما كانت تذكر نصوصا قديمة كان يذكرها بترجمتى الخاصة لها، وإبان العرض كانت الجوقة تذكر أسماء المراجع العلمية لهذا العمل العظيم، ووجدت الأستاذ نور قد عرض مراجعى التى اعتمدت عليها وأسماء أصحابها دون أن يذكرنى بكلمة.
وعندما وجدنى الرجل أمامه فى طابور المهنئين تفاجأ وتلعثم فى أدب واعتذار وخجل قلق، حتى كاد ينحنى، وهو قامة ونجم كبير، لذلك يحترم القيم ويجل المفكرين، قمت ألتمس له العذر صادقا، لأن إسمى وقتذاك كان وجوده ربما كفيلا بعدم مرور المسرحية، لذلك لم أعتب على الرجل بل أنا من خفف من روعه احتراما لإخلاصه لمثل هذا العمل الغير ذى كسب ولا غرض إلا مصرنا الجميلة، كان المهم أن تصل الرسالة للناس بغض النظر عمن اوصلها.
لكن الذى ألاحظه هنا ان الفنان نور كان فيما يبدو قد فقد الثقة فى عقول المشاهدين مع انتشار ثقافة القطيع، رغم أن مسرح الهناجر هو للخاصة المثقفة، فأى حال وصل بنا حتى نتسلل وسط الصفوة ونتحايل لنقول كلمتنا بمنأى من غضب القطيع؟!
بعد هزيمة 1967 وظهور نداءً “إن الله لا يصلح ما بقوم حتى يصلحوا ما بأنفسهم”، سلمنا لأصحاب النداء مصرنا ليقيموا فيها صحوتهم الإسلامية، كبديل عن الهزيمة وتعويضا عنها، وربما أمكنهم لو أخذوا كضرورة للتقدم بعض العلم والمعرفة عن البلاد المتقدمة، أن يكونوا قاطرة للحداثة تأخذ معها شعبنا الطيب بإيمانه الفطرى والعميق ليسير مع مشايخنا نحو النور، و لكن ما حدث بعد الصحوة.والنداء واعتبار أن الإسلام هو الحل الأوحد لكل مشاكلنا، هو أننا وصلنا إلى ما ترون أمامكم من انهيار تام لكل القيم والأخلاق واختفاء الضمير، وأنزوى الإخلاص للعمل فالموظف إما مشغول بأداء الصلاة أو بالقراءة فى القرآن ليكسب ثوابا على حساب الخلق المعطلة أعمالهم، ثم يرتشى منهم ويسب ويلعن ويفعل كل الموبقات، ولم يعد أحد يذكر أن من جد وجد وأن من زرع حصد، الكل يخطف ويجرى، يحيطك علما أكيداً أنه المهندس الصالح الماهر الخبير ليدمر لك جهازاً باهظ الثمن لتكتشف من بعد أنه كان بيعمل أى حاجة كى يأخذ مالا وخلاص، والأنكى أن يطلب بعد ذلك يوميته على الأقل بعد الخراب وبكل بجاحة! أصبح الكل يمد يده إلى جيب الكل، مع خراب هائل فى الضمائر، ويقتلك من أجل أن يستولى على بضعة مئات أو ألوف من الجنيهات، أو يطلب الرشوة بشكل فصيح فى طابور ينتظر تأدية الجزية أو الرشوة لينهى عملا حكوميا سليما لا غبار عليه، لكن عدم الدفع يعنى تعطيل المعاملة حتى لو كانت سليمة، أما فى التعليم فقد أصبحت قاعدة أن يكتب المدرس حلول الامتحان على السبورة للممتحنين ويكون هو السائد، وإذا تصادف وجود مراقب عنده ضمير يمنع الغش، يتعرض للضرب والتنكيل من أولياء الأمور، وتصل صوانى العشاء للمراقبين بالمدارس فى المراكز والقرى والنجوع فى كل ليلة لينجح الكل ويفشل الكل.
أصبحت كليات الشرطة والقانون المفترض فيها أنها تخرج لنا أهل الأمانة وأهل العدل من ابناء أصحاب المحتد الأصيل و الأصول الكريمة، كى يكون القائم على حماية الناس والعدل بينهم، شبعان من بيته عفيف النفس، ليمارس عمله دون انحياز ودون أن يرتشى، أصبحت لهذه الكليات أسعار للقبول بغض النظر عن تاريخ الطالب المجتمعي والسلوكي أو الأخلاقى أو الأسرى، ومادام قد دفع فهو يريد استرداد المدفوع مع الفوائد والعوائد عند استلام عمله، فكان الخراب فى أبشع معانيه . تجدهم يلتحون ويؤدون الصلوات الجاهرة ويسرقون أراضى الدولة ويعتدون على المال العام ويهربون بقروض البنوك، وينتقبن ولا يخلصن عملا فيموت المريض وتخرب الآلة، لأنه لا يحترم العمل ولا وقته ولا الآلة، هو يحترم الشيخ أو القس فقط، لأنه لا يعرف من هو إديسون و لا من هو داروين ولا من هو ماكسويل ولا من هو نيوتن، ولا يجلهم و ينحنى احتراما أمام أسمائهم بحسبانهم العباد الصالحين حقا وصدقا، بل هو يسخر منهم وفق مبدأ العلم لا يكيل بالباذنجان، بينما هو ينحنى ليقبل يد رجل دين جاهل متخلف، طالبا بانحنائه الخاضع دعم السماء لخيبته وعاره والصفح عن جرائمه وآثامه، لذلك تغرق العبارات البحرية بالبشر لأنها تسير على بركة الله دون أى عوامل أمان، وتحترق القطارات وتضرب بعضها بعضا ويختلط لحم وعظم الناس بالعجينة الحديدة لأن منسق القطارات من جماعة سيبها لسيدك، قد ذهب ليكسب ثواب صلاة الجماعة ولم يأخذ محموله معه ليتابع أوامر التسيير والسلامة . ترى بماذا يمكن الحكم على جريمة ضد الإنسانية يرتكبها شخص كهذا؟
حتى الفن قرر الالتحاء والتنقب بالسينما النظيفة والفن الملتزم .قبل هذا التراجع النكير كان الفنانون الكبار لا يكتفون بقراءة الأعمال الكبرى لمفكرى الوطن، بل كانوا يتواصلون معهم إنسانيا طلبا لمزيد من الفهم والمعرفة، كان الفنان صلاح السعدنى ويحيى الفخرانى ومحمود الجندى وغيرهم كثير يزوروننى ببيتى المتواضع، سألت مرة صلاح السعدنى الذى هو قامة متفردة فى خصوصايتها الفنية:متى تجد وقتا لتقرأ كتبنا وتتزاور معنا؟ قال: إن هذا بدوره وقت مدفوع الثمن فأنا أشحن بطارياتى و أقوم بتزييت موتور مخى، وهذا ينعكس بالضرورة على ذاتى أولا لأنه يكسبنى ثقة و زهو بالذات العارفة، و من ثم ينعكس على فنى بدون قصد وتدبير إنما بإشعاع داخلى على الأداء .لذلك لا تجد للسعدنى فناً هزيلاً بالمرة.
هذا بينما منذ أسابيع شاهدت حلقة حوارية مع فنانة إنتاج هذه الأيام هى غادة عبد الرزاق، وعندما سألتها المذيعة عن مفكريين مصريين أعلاما، أجابت بابتسامة متعالية ساخرة أنها لا تعرف من هؤلاء وانها ليست فى حاجة لأن تعرف !!
هذا هو الفرق!! وصورة للمجتمع تعكس ما حدث للفن كآلية مجتمعية.
وعلى المستوى الدينى يحدثنا الشيخ يوسف القرضاوى عن قيمة العلم فى كتابه العريض الغليظ فى القيم الإسلامية ص 110 “قيمة الحث على طلب العلم، والسند فيها إلى آية: قرآنا عربيا لقوم يعلمون / 3 فصلت”!!
الرجل الذى لم يجد لديه ليعرفنا بأهمية العلم وقيمة العمل التى تميز الإنسان عن الحيوان سوى هذه الأسطر المقدسة، التى تحث العرب لقراءة القرآن باللغة العربية كى يعلموا ما فيه ويفهموه، ومن ثم يصبحوا من العارفين.لا مكان هنا لفيزياء ولا لكيمياء ولا لكهرباء ساكنة ولا حيوية ولا لعلم جيولوجيا ولا فضاء ولا انترنت ولا لعلوم البيولوجيا . العلم شرطه يكون بالعربى ويكون من القرآن بس، فالقرآن سيعلمه بعربيته فيصبح المسلم عالما علاما.
طبعا نحن نعلم بآيات كثيرة لحث النظر فى الوجود تبدأ بإقرأ وتكرر أنها لقوم يبصرون ويفقهون ويعقلون ولأولى الألباب، ولكن ليس لمعرفة هذا الذى تحث فيه النظر فى ذاته ولذاته، وكيف يعمل؟ ولماذا يصح بعضه ويذبل بعضه ويموت ؟، لنعرف قوانينه ونتدخل فيها لإستمرار صلاحية الصالح وتنميتها والكشف عن قوانينها وأصلح السبل لتطبيق هذه القوانين، ليس هذا مطلبنا، طلبنا حسب مشايخنا ان نحث النظر فى السماء والأرض والمخلوقات لتكتشف لنا عن عظمة الخالق، وجليل صناعته، وليس المقصود تحقيق أهداف الدرس والبحث و النظر لمعرفة كيف تعمل الطبيعة، نعم نعلم بالقول :أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ” والمقصود بدوره علوم الدين و القرآن، وحتى عندما نعثرعلى حديث ربما يشجع على طلب العلم فى علوم الدنيا مثل :أطلبوا العلم ولو فى الصين، فليس فى الصين علوم قرآن ولا حديث ولا فقه، عقب عليه محدثونا وفقهاؤنا بأنه حديث ضعيف وهو من الموضوعات وليس من الصحاح.
نقلب صفحات كتاب الشيخ قرضاوى عسانا نظفر بقول واضح فى قيمة العلم والعمل بموجب ماتعلمه الدنيا عن هذا العلم.
فى صفحة 110 يقول فى قيمة العلم “وقال تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها”. باعتبار ذلك قيمة علمية ربانية حرص معها الرب على تعليم مخلوقه لتأسيس قيمة العلم والمعرفة، دون أن يوضح لنا كيف نتعلم نحن بدورنا هذه الأسماء، ولا ما هى هذه الأسماء، وهل كان بينها اسماء كالكهرباء والفيروسات والمضادات الحيوية والتلفزيون والكمبيوتر والمرسيدس أو الهمر؟هذا هو ناتج العلم والعمل البشرى الواضح أمام عيوننا وله مدارس وجامعات لمن أراد الفلاح، أما أن يتعلم آدم الأسماء كلها أو لا يتعلمها أو يتعلم بعضها أو ينساها دون أن يؤثر ذلك فى حياتنا إيجابيا، فكله يصبح لا علاقة له بقيمة العلم الذى وضعها الشيخ عنوان لفصله بالكتاب المذكور، لا علاقة لها بمعنى العلم اليوم. ويثابر الشيخ ليؤكد ما وجده عن العلم بمعناه المعاصر فى دين الإسلام قبل ان يظهر هذا العلم نفسة بأسمائه ومصطلحاته . بقرون متطاولة، وذلك فى تكراره ما سمعناه الوف المرات ولم يصنع علماء ولم ينتج علما ، ليس أكثر من كلمات ذات إيقاع ورنين طربا للسامعين ورقة للأرواح، لكن دون أى فعل فى الواقع لأن الإسلام دين كريم فقط وليس كتابا فى علوم البشر، يقول الشيخ الآيات : “قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون /9/زمر”، وهى قاعدة منطقية سليمة، لكن ما هو العلم المقصود هنا حتى نتعلمه، وإذا كان أصحاب التفسير العلمى للقرآن يؤكدون أن كل العلوم موجودة فى القرآن والحديث، فلماذا لا يدلوننا على مكان ذلك فى مقدسنا لنكتشف ونخترع قبل الغرب الفاجر العارى ونسبقهم حضاريا، لا يقولون لك سوى كلام ابن عم كلام، يرص الشيخ قرضاوى الآيات رصا “إنما يخشى الله من عباده العلماء /28 /فاطر”، وبعدها يشرح مستنتجا فيقول :”ان القرآن هو أعظم كتاب ينشئ العقلية العلمية التى تنبذ الخرافة وتتمرد على التقليد الأعمى للأجداد والآباء.. وترفض الظنون والأهواء..ولا تقبل دعوى إلا ببرهان قاطع من المشاهد المؤكدة فى الحسيات ومن المنطق السليم فى العقليات، ومن النقل الموثق فى المرويات “وقد استنتج فضيلته هذه المعانى كلها من آيات ثلاث، هى على الترتيب”وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفنا عليه آباءنا ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون / 17 /البقرة”، “ولمالهم به من علم إن يتبعون إلا الظن/28/النجم”، “قل هاتوا برهناكم إن كنتم صادقين/111/البقرة”.والآيات الثلاث تتحدث عن علم وهدى وبرهان مقابل ظنون غير صادقة، ومن ثم يظل العلم المقصود هنا هو العلم بالدين وبالقرآن بالذات، ولا علاقة لهذا العلم بالعلوم الإنسانية والفيزيائية التى تبنى الحضارات والقيم والكرامات الإنسانية، إنما هى آيات كريمة لتعميق الإيمان بدين أكرم فقط، وليس أبعد من ذلك.
وتحت عنوان القيم الإنسانية يكتب القرضاوى عن قيمة العلم الإنسانى كقيمة إنسانية، رغم أن كل ما عرضه يتعلق بالعلم بالدين وحده، وليس العلم منشئ الحضارات، فيقول ص 113 تحت عنوان :العلم : ” وعلماء الإسلام متفقون على أن طلب العلم فريضة على أى مسلم ومسلمة، ومنه ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية، ففرض العين مما لا بد للمسلم أن يفهم دينه وعقيدته وكتاب أمته، وهو كل ما به قوام الدين والدنيا للجماعة المسلمة، لهذا قرر فقهاء المسلمين أن تعلم الطب والهندسة والصناعات وغيرها من فروع العلم التى تقوم عليها حياة الناس فهو فرض كفاية “.
وفرض الكفاية هو ما يكفى أن يقوم بعض المسلمين ليسقطوا تحصيله عن بقيتهم.
المهم ان الشيخ يعلم أنه فى قرآننا وحديثنا أى فى جوهر ديننا لا يوجد لا طب أسنان أو قلب ولا هندسة ولا صواريخ ولا مصانع، لذلك هو يترك تعلمها اختيارا لمن أراد فرض كفاية، لأن فرض العين على جميع المسلمين هو العلم الذى به قوام الدين والدنيا، هو الدين وحده.
لا زال شيخ مشايخ المسلمين يشرح ليؤكد قيمة العلم فى الإسلام فيقول ما نصه:” ولم يعرف فى هذه الحضارة ما عرف فى أمم أخرى من الصراع بين العلم والدين، أو بين الحكمة والشريعة أو بين العقل والنقل، بل كان كثير من علماء الشرع أطباء ورياضيين وكيميائيين وفلكيين مثل ابن رشد والرازى والخوارزمى وابن النفيس وابن خلدون “.
ومما يثير حيرتك ودهشتك مع مشايخنا أنهم يكنون أشد العداوة لتلك الأسماء الجليلة المذكورة من حكماء العرب القدامى، ولا يتذكرونهم ويستشهدون بهم إلا من باب القرعاء عندما تتعاجب بشعر بنت أختها، ولأن هذه الكوكبة ظهروا بسرعة واختفوا بسرعة، فى بداية الدولة العباسية عندما فصلت إلى حد بعيد الدين عن الدولة، وجعلت الخليفة مشغولا بالسياسة نهارا وتحويل قصره من بعد إلى ملهى ليلى أحيانا وناد ثقافى أحيانا، وجعلت للدين إماما دينيا لينال نصيبا من نعيم القصر، ولأن قصور الخلفاء كانت تعرف التسامح فى بعض العصور كما زمن هارون الرشيد والأمين والمأمون، ورغم ذلك فإن ابن رشد عندما عندما حاول أن يقول قول قرضاوى باتصال بين العقل والنقل أو بين الدين والعلم فى كتابه :”فصل المقال فيما بين الحكمة (أى الفلسفة والعلم البشرى) والشريعة من اتصال “، قام عالم المسلمين ولم يقعد إلا بعد حرق كتبه وتكفيره ونفيه بقيادة من الإمام أبى حامد الغزالى الذى تصدى للفلسفة والمتفلسفين اي للعلم البشري بمعناه الواسع، وكانت الفلسفة هى علوم الإنسانية الفيزيائية الكيميائية والموسيقى والطب والهندسة والفلك، يجيدها الكاهن أو الفيلسوف، وكتب لها الغزالي خصيصا كتابه تهافت الفلاسفة، ولما رد عليه ابن رشد بتهافت التهافت، تم القضاء على الرشدية ودخلنا غيبوبة تخشبية لم نصح منها إلا على حوافر خيول الاستعمار الحديث. والمعنى ان كلام قرضاوى هنا عن اتصال العلم البشرى بالعلم الإلهى لو قاله ايامها لحدث له ما حدث مع ابن رشد، وما حماه سوى أنه ألقى عبارته فى هذا الكتاب ولم يعمل بها كما عمل ابن رشد، ولم يكرس لها المؤلفات الفلسفية الكبرى وعلوم المنطق إضافة لعلوم الدين كما كرس بن رشد، الشيخ بيقول كلام وبس، مجرد كلام لا ظل له فى الواقع عندنا سوى رأى واحد هو رأى ربنا الذى يعرفه الشيخ والخليفة، وعدا ذلك لا أحد له رأى أو قول، فماذا سيقول الإنسان أمام قول الإله والنبى ووريثهم الشيخ الفقيه؟
وفى ظل هذا المناخ قطعت أيدى ابن المقفع صاحب كليلة ودمنة، وذبح الجعد بن درهم يوم الأضحى فى المسجد وجلد الإمام أحمد، ولم يسلم فقيه واحد من الأذى، والفيلسوف ابن الرواندى والرازى والمعري اعلنوا كفرهم والحادهم وكان ذلك زمن التنوير العباسى من الرشيد الى المأمون دون أن ينالهم أذى، وبعدها عاد الصلب وتقطيع الأوصال، فصلبوا الحلاج وذبحوا السهرودى والقائمة تطول.وعندما يقدم لنا شيخ المشايخ تاريخنا على غير حققيته فإنه لا يرضى لنا بالصدق والحق، وهو بذلك يعود المسلمين على اعتقاد الباطل الزاهق، والكذب على الذات لمداراة المعايب وليس نقدها، ويعلم هو وغيره من مشايخ انهم لو كانوا انصار علم حقا لأفرجوا عن الكتب الممنوعة فى بلادنا حتى اليوم وهى ليست أكثر من كتب .أى هى علم او فن روائي اوبحوث او دواوين اشعار لا تحمل سلاحا، هي كلام فقط، بل أن المسلمين هم المبدعون الحقيقيون للمصطلح المتضاد المتصارع (العقل × النقل)، وكما كفروا العقل ومنعوه من التفكير لصالح النقل، يفعلون ذات الشئ اليوم يقتلون التعددية والليبرالية العلمانية لصالح النقل وان يصبح الكل متشابهين على نفس الملة بل ونفس المذهب، أويكون خارجا على الجماعة نهبا لمن يطاله باللسان أو بالسنان، بينما العلمانية التي هي المشترك لكل ملل ونحل المواطنين عل التساوى والحامل الحقيقى للعلم والعمل والحرية والكرامة الإنسانية، باختصار هى الحضارة.
لأن مشايخنا يرون أن العلم فرض العين هو الأصل وحده، لذلك يتم رفض أى طريق آخر لحل مشاكله المجتمعيه سواه، فالثانى فرض كفاية قد تأخذ به أو لا تأخذ، ثم إن أخذت به لابد أن تمرروه أولا على ذائقة الفقهاء والوعاظ لتمنع او لتسمح وتحرم وتحلل أو تقتل لذلك يستحسن تركه، لأن القرآن والسنة والسلف الصالح لم يتركوا شيئا للخلف ليفكروا فيه بعد أن فكروا هم فى كل شئ وحسموا كل شأن وتركونا على الواضحة التمامية.
* القاهرة
عقلهم.. ونقلنا – بالامس حضرت احدى حفلات (Lady Gaga) اثناء مرورها بولايتنا , وكلفني ذلك (53$) من على المدرج , اما الساحة حول العرض فتكلفتها (178$) , فالقول ان ساعة (نور الشريف) بالآف الجنيهات ليس (مناسبا) ذكره أصلا , ليبنى عليه اي موقف , فقد سبق لي ان جلست مع الرجل لأكثر من خمس دقائق اثناء عرضه لأحد افلامه في عاصمة عربية , وجلست لمدة اطول مع (جميل راتب) و(يوسف شاهين) .. اما (احمد عدوية) فقد امضينا معا ليلة كاملة عندما اقام له صديقي القبطي صاحب محلات (افروديت) حفل عشاء اثناء تشرفنا بزيارته للولايات المتحدة الامريكية (فالتواضع سمة رفيعة لأهل… قراءة المزيد ..
عقلهم.. ونقلنا
isis abaza
انه القمنى المفكر العظيم
عقلهم.. ونقلنا
الديموقراطية السبيل الوحيد للحرية والاصلاح الاقتصادي والعدل الاجتماعي ومعاملة المواطنين على انهم بشر لهم حقوقهم الادميةان التغيير حتمي ولا يمكن ان يكون هناك نظام ينتمي الى العصور الوسطى في القرن الحادي والعشرين.
عقلهم.. ونقلنا
سوري قرفان
مقاله رائعه للسيد القمني، لكن روعتها تنحصر في الزمان والمكان، المكان هو عالمنا العربي الإسلامي المشوه ثقافيا وإنسانيا، كلمات السيد القمني البديهيه جدا للعقل البشري تجدها ثوريه وتنطق بالكفر في أذن الأغلبيه الساحقه من شعوب عقليه القطيع لدينا
عقلهم.. ونقلنا
M. Alhalabi
Thankyou for thisexelent articl we need more .