إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
من (الشبه) إلى (أبى سعدة)
خصنى عدد الثلاثاء 2 فبراير 2007 من صحيفة نهضة مصر بعنوان كبير وبموضوع خبرى بالصفحة الأولى، وبتعقيب من رئيس تحرير الصحيفة بآخر صفحة. أعرض هنا ما جاء بها:
أولاً / عنوان رئيسى للصفحة الأولى يقول: “القمنى يعود إلى الأضواء بهجوم انتحارى ضد الشريعة الإسلامية ويتهمها بالتمييز ضد الأقباط وبين المسلمين”. ثم الخبر الذى جاء تحت عنوان بالبنط العريض “أبو سعدة يتحدى القمنى أن يهاجم الشريعة علناً أمام الناس”. وقد كتب الخبر الصحفى محمود بسيونى وقال فيه: “فى أول ظهور جماهيرى له بعد اختفائه لمدة عامين وامتناعه عن الكتابة أثر زعمه تهديدات بالقتل، شن الدكتور / سيد القمنى هجوماً عنيفاً على المادة الثانية بالدستور المصرى والتى تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع. وقال القمنى فى تصريحات وصفت بأنها انتحارية قد تهيج عليه الرأى العام.. أن الشريعة تنطوى على أوجه تمييز ضد الأقباط والمسلمين من غير أهل السنة، وأضاف بأن الشريعة من صنع البشر وليست منحة أو تكليف للحاكم.. ومن جانبه اعترض حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان على ما قال القمنى وأكد أنه لا يمكن الحديث بهذه الصورة عن الإسلام أمام المواطنين العاديين وتحداه أن يفعل ذلك فى الشارع قائلاً: أن الهجوم على الشريعة الإسلامية ليس مدخلاً صحيحاً للمطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور”.
ومن المفيد أن أؤكد هنا أن الخبر على صورته تلك قد جاء بسوء فهم وخلط وخبط إضافة إلى عمليات قص ولصق جعلته أبعد ما يكون عما قلت فى المائدة المستديرة بمركز حقوق الإنسان، وقد يكون مرجع ذلك ضعف ثقافة الصحفى الإسلامية والسياسية، خاصة وأن مثل تلك الندوات تكون مسجلة صوتياً والتسجيل يكون هو الفيصل فى صدق الخبر من كذبه. ولكن الواضح مع نهضة مصر أن المسألة ليست مجرد ضعف ثقافى، لأن السيد محمد الشبة رئيس التحرير ولا شك قد استمع أولاً لتسجيل الصحفى الذى نقل الخبر خاصة مع حملة التشويه تلك، فإنه قام يدعم الخبر بشن هجمة بألفاظ ونعوت تليق به، على شخصى المتواضع، أقتطع منها النماذج الآتية لبيان ما وصل إالية أدب الحواروالإختلاف فى بلادنا: يقول الشبة “لماذا أختفى ولماذا عاد هذا المشوش المدعو سيد القمنى.. وأنا عاتب بشدة على حافظ أبو سعدة وكل من دعاه للخروج من عزلته المسرحية لكى يجلس على مقاعد المفكرين يفتى وينطق كفراً بعد أن سكت دهراً.. ولن يغفر لحافظ أبو سعدة رده عليه فى الندوة بأنه يتحداه أن يطعن فى الشريعة الإسلامية علناً أمام الناس فنحن كنا فى غنى عن هذا الطيش وهذه الفجاجة.. وهذا الخرف الفكرى…. أن سيد القمنى كان قد أختفى قبل عامين بعد مسرحية مثيرة.. غير أنه عاد هذه الأيام فجأة ليهاجم بشراسة صلب العقيدة الإسلامية فى مسرحية جديدة وغريبة وكأنه قرر أن ينتحر فكرياً بدون سبب مفهوم…. إن سيد القمنى حالة عقلية شاذة لا أظن أن مكانها فى ندوة محترمة تناقش ما يتعلق بمستقبل البلد”. أ.هـ.
ولأن كل أناء ينضح بما فيه فلن أهبط لهذا الدرك والمستوى فى الحوار، عملاً بقول رسول الله (ص): داروا سفهاءكم، وعملا بقوله تعالى: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، وإذا مروا باللغو مروا كراما. ومن ثم سيعفّ قلمى ولسانى عن مخاطبة نهضة مصر بمثل خطابها، بل أقول لها: سلاماً. لكن ما سأناقشه هنا هو مدى سلامة الخبر دون تعقيب على (الشبه) وبعيداً عن الإهانات المتعمدة والتشويه المقصود عن رغبة مبيتة. وسأتعامل مع الموضوع على ثلاث مستويات.
المستوى الأول: أن يكون الخبر صحيحاً تماماً وهو غير ذلك بالمرة.
المستوى الثاني: هو الرد على السيد حافظ أبو سعدة الذى لم يدعونى لهذة المائدة البحثية، وإنما من دعانى هو مركز القاهرة لحقوق الإنسان/ الأستاذ/ بهى الدين حسن، وكان حافظ ضيفاً مثلى مثله. إضافة إلى أن الخبر مصاغ فى شكل سيناريو يفيد أن أبو سعدة قد شن هجومة على شخصى الضعيف فى حضورى وهو أيضاً ما لم يحدث. فقد انصرفت عند اقتراب نهاية الندوة والتعقيبات، ولم أسمع ما قال أبو سعدة ألا عندما قرأتة منشوراً بنهضة مصر.
المستوى الثالث: هو بيان ما قلت مطابقاً لما سجلته أجهزة التسجيل بصوتى. مع تقديم الشروح اللازمة لمن لا يكادون يفقهون قولاً وأصبحوا بالصدفة أصحاب أقلام ورؤساء تحرير فى زمن أغبر.
أن قول الخبر إنى اتهمت الشريعة بالتمييز ضد المسيحيين وضد المسلمين من غير أهل السنة، فيبدو لى أن السادة الصحفيين ورئيس تحريرهم لا يعلمون أن الله هو من قال بتمييز المسلم عن غير المسلم فى آيات قرآنه وفى أحاديث رسوله (ص) وليس العبد الفقير إلى الله، وأنهم إذ رأوا فى تفرقة الشريعة بين المسلم وغير المسلم بإطلاق تهمه، فهذا إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة. فحضرات السادة لا يستمدون ثقافتهم عن دين يؤمنون به من الإسلام، ولكن من داخل أمنياتهم وتصوراتهم وليس عن معرفة به، وأن آيات القرآن تتلى على الملأ فى الإعلام كله وفى كل ميكروفونات مصر تؤكد هذا التمييز والتمايز، فهلا هاجموا تلك الأجهزة غير المشوشة قبل مهاجمة شخصى المشوش؟
وإذا كان القول بالتمييز فى الشريعة مثيراً إلى هذا الحد فلماذا لا يفعلون شيئاً إزاءه مع ميكروفونات المساجد والزوايا وشاشات وراديو وصحف الإعلام المصرى؟ تهاجم أشقاءنا فى الوطن من كل لون وملة بل وتكفرهم علناً إن لم يكونوا على ذات الفهم السلطانى والإرهابى أيضاً للإسلام. وهل يستطيعون أن ينعتوا القرآن بما نعتونى به لأنه هو من قال وهو من فرق وميز وليس العبد الفقير، أم أنهم عندما يسمعون عبر التلفاز أو الميكروفونات بعدم الاعتراف بعقائد الآخرين وتسفيههاوتكفيرها ـ وهؤلاء الآخرون من شعب مصر مثلنا يسمعونه بكره وعشياًـ لا يفقهون، وإن فقهوا لا نسمع منهم مثل تلك السخائم ليقولوا فيه قولاً، بدلاً من قولهم لى. أصبحت التغطية على الحقائق الواضحات والتلبيس على الناس مهمة إسلامية، وأصبح الكذب هو السبيل إلى الدفاع عن شريعة الإسلام.
أما قول الخبر أنى قلت أن الشريعة الإسلامية تميز بين المسلمين والمسيحيين وبين المسلمين السنة وغير السنة، فهو ما يحيلنا إلى صدق ما قلت، إذ كنت لا أتحدث عن الشريعة الإسلامية، إنما عن المادة الثانية من الدستور التى تجعل دين الإسلام ديناً للدولة، وهو ما ينفى رعوية الدولة عن المسيحيين المصريين لأن دينهم غير معترف به فى الدستور، وأن المادة الثانية تقوم على تقسيم طائفى لا مدنى، وأن المادة تنفى ضمناً كل المسلمين من غير أصحاب المذهب السنى مثل الشيعة وغيرهم من فرق، بدليل تعرضهم لمشاكل أمنية مستمرة وكذلك البهائيين وغيرهم. رغم أنهم جميعا مواطنون يجب أن يقفوا فى ساحة الوطن على قدم وساق وبمساواة تامة حقوقاً وواجبات. وبهذا وحده يمكن فهم ما كتب الصحفى من كلام ملخبط، لأن الشريعة الإسلامية لا تميز ضد المسلمين (كما قال أنى قلته) إنما تميز فقط ضد غير المسلمين، أما المادة الثانية بالدستور فهى من يميز هذا التمييز. فلم يكن الحديث هنا عن الشريعة الإسلامية، لكنة كان عن المادة الثانية بالدستور.
نتابع الخبر إذ يقول: “وأضاف (أى سيد القمنى) بأن الشريعة من صنع البشر وليست منحه ولا تكليفاً للحاكم”. وهذا كلامه لا أعرفه ولم أقله، لو سمعته من شخص لفهمت أنه مشوش بالفعل فهو كلام مختل وبلا قانون رابط يؤدى إلى معنى مفيد، ومثلى لا يلقى مثل ذلك القول، هذا كلام يليق بنهضة مصر لكنه لا يليق بى.
كنا نتحدث عن دستور مدنى وعن تعديل أو إلغاء المادة الثانية بالدستور، وقد قلت أنه على المستوى الدستورى وما نفهمه من الدساتير، أن الشريعة (بمعنى القانون) هى ما نضعه نحن بأيدينا من قوانين حسب ظروفنا ومصالحنا، عبر المجالس الشعبية المنتخبة لذلك تسمى مجالس تشريعية، لذلك هى ليست منحة ربانية ولا عطية ملكية. وما أبعد هذا القول عما كتبت (نهضة مصر) أو عما فهم الصحفى الهمام. وهكذا فأنا لم أهاجم الشريعة الإسلامية لأنها عندى ليست محل هجوم بل هى محل درس وفهم وتحليل، وأيضاً محل نقد إن حاولوا استدعاءها اليوم، نقد بمفاهيم اليوم، ليس للشريعة التى هى ربانية صادقة مع زمنها وظروف ذلك الزمان، والذى كان فيها العالم كله يتعاطى العقوبات البدنية والتفرقة بين الناس على أساس المعتقدات الطائفية أو العنصرية، وإنما لينصب النقد على استدعائها اليوم وليس عليها فى ذاتها، وكثيراً ما كتبت ونشرت مثل هذا الانتقادات عبر السنوات السوالف.
وربما صدق الصحفى ورئيسه لو استخرجا ذلك مما سبق وكتبت ونشرت، ولكان هو الأوفق، لأنه لم يكن مناط حديثى بالمرة فى تلك المائدة المستديرة.
بل وقلت ما لم ينشره الصحفى ربما لأنه من وجهة نظره شيئ فادح ومستفظع وقادحً فى حق الشريعة بما لايسوغ نشره، أعلنه هنا لأن الإسلام هو من علمنا أنة لا حياء فى الدين. فكان مناط كلامى عن فكرة الدولة الدينية الإسلامية،
وأن الإسلام لم يأت ليقيم لله دولة، لأن الله أن إراد ذلك لأقام أعظم دولة فى تاريخ الكون كله إلى أبد الآبدين، وإن الإسلام جاء ليهدينا إلى معرفة الله وليس لإقامة مشاريعنا السياسية، بدليل اهتمام الإسلام بكل شاردة وواردة فى حياة المسلم فقال فيها وفصل، وأحيل هنا إلى قول المرجع الإسلامى الشيخ يوسف قرضاوى إذ يقول: “إن الإسلام رسالة تشمل كل جوانب الحياة من أدب الاستنجاء إلى بناء الدولة / قناة الجزيرة فى 20/2/2005 “.
ومن ثم كان قولى بالندوة المذكورة أن الإسلام قد أهتم بأدب الاستنجاء وبنظافة الجسم كله حتى مؤخرة المسلم فى بيئة شحيحة الماء، والدين لا يستحى من ضرب مثل بعوضة فما فوقهامن أجل التعليم لكل شأن لتهذيبه، ووصف لنا طريقة الاستنجاء بالتفصيل، بأحجار ثلاثة للنظافة لها مواصفاتها التى يتم تدريسها بمادة الفقة بثانوى أزهر، مثل أن يكون الحجر جامداً قالعاً محترماً، وسبق وناقشته مناقشات مطولة، وأنه رغم كل هذا التفصيل فى أدب الاستنجاء، فإننا لا نجد له مثيلاً واحداً ولو بالتورية عن شكل نظام الحكم فى الدولة الإسلامية ولا طريقة الوصول إلى الحكم. فهل غفل الله تعالى ونبيه عن ذلك؟ بينما تنبهت له الدولة فنصت عليه فى دستورها، وتنبه له الأخوان فقاموا يريدونها دولة إسلامية؟.
أدهشنى أن بعض الحضور أصابه الضحك من هذه المقارنة المقصود منها بيان مدى التفصيل الإسلامى فى جوانب حياة المسلم مقابل لا شئ يتعلق بالدولة وأنظمة الحكم. ولست مسئولاً أن يضحك البعض فيستفز ضحكهم الصحفى أو الأستاذ أبو سعدة، لأن ضحكهم قد انبنى على التعامل مع مسألة الخلاء والاستنجاء من مقعد البورسلين الإيطالى والرخام السويسرى فى حمامات ترتوى من اكبر نهر فى العالم. بينما يجب أن نقرأة بظروف زمانه ومكانه وعندها لا نجد فيه ما يضحك، لأنه كان تأديباً وتهذيباً ونظافة للعربى فى بيئة ندرة شحيحة بالماء.
وعندما أتحدث فى محفل علمى مدنى كهذا، فإنى أفترض فى المستمع قدراً من المعرفة والثقافة خاصة بالإسلام، وأن يتميز المتعصب من المستمعين لإسلامه بثقافة إسلامية أوسع من قرنائه. فإذا بأبى سعدة يعتبر ما قلت تهجماً على الشريعة، وإذ بصحفى نهضة مصر يلتقى معه فى المشاعر، أكثر مما التقيا على فهم أو رأى واضح يهدم الذى قلت ويرده على قائله، وإذ بهما لا يعلمان عن إسلامنا الذى يدافعان عنه شيئاً. ليأتى الأستاذ (الشابه) ليكمل ملحمة الكذب والافتراء.
هنا لا أخفى دهشتي أن يقول أبو سعدة ما قال بعد انصرافى، لأنه من أداب المحاضرة ألا تعقب على شخص غير موجود، خاصة إذا كنت ستختلف معه، أو إذا كنت ستتعرض له بكلام سلبى. ثم لا أخفى حزنى الشديد لمثل الأستاذ حافظ الذى هو فيما أعلم أمين لمنظمة ترعى حقوق الإنسان، وسبق لى أن دافعت عنه دفاعاً حاراً دون أعرفه لمجرد أنه حقوقى إنسانى وذلك فى الباب الأول من كتابى إبن لادن. وحزنى ليس لدفاعى عنه وهجومه علي بعد انصرافى فى تجاوز لآداب المحاضرة، ولكن لأن كل ما فهمه من كلامى أنه هجوم على الشريعة، ولأنه إن أحتسبه كذلك فهو لا يعلم شيئاً عن الشريعة التى يدافع عنها، أو عليه أن يرد علي ما لم يعجبه ليدينه بمنطق الشريعة ذاته. ولأنه فيما يزعم داعية حقوق إنسانية بينما هو يقول حسبما نشرته الصحيفة أنه يتحدانى أن أهاجم الشريعة علناً. فالرجل يتحدث هنا بلسان أحد الخفراء البصاصين وليس بلسان داعية حقوق مدنية، لينكر ويستنكر أن أقول رأياً (أياً كان هذا الرأى)، ويتحدانى أن أهاجم الشريعة وأنا لم أهاجم الشريعة، بل هاجمت وبالفعل المادة الثانية بالدستور وطالبت بإلغائها وهى ليست أول مرة أفعل ذلك. وأن كان ما قلت بشأن الدولة الدينية والمقارنة بين تفاصيل حياة المسلم فى الإسلام حتى نظافة المؤخرة مع عدم وجود أى إشارة للدولة ونظام الحكم قد أزعج السيد حافظ بشدة، فهو الملوم لأنه لا يعرف شريعته. أما أن أقول ما قلته علناً فى تحدى يطلبه منى، فليقرأ عدد صحيفة القاهرة الذى صدر فى 20/2/2007 ليجد كل ما قلته فى الندوة مكتوباً مدعماً بمصادره الأصلية ومراجعه المعتمدة. لكن يبدو أن السيد أبو سعدة ممن لا يقرأون، وهذا يا سيدى كلامى منشوراً فى كتبى عليك أن تحدثنى فيه وتردنى بمنطق العلم والدليل والبرهان والقرائن. ولا أعتقد أبا سعدة بأهل لهذا، لسبب بسيط هو أنه أعتبر ما رصدته من حقائق هجوم على الشريعة، فهذا وحده كفيل بمعرفة مدى ثقافة سيادته.
أضيف مرة أخرى مزيداً قلته ولم يقله الصحفى. فقد أشار بعض الحضور إلى أن من مبادئ الشريعة الإسلامية قيم كالمساواة، وهو ما قمت برده وإنكاره، لأن الشريعة الإسلامية إنما تعرف الإنسان رتباً ومنازلاً وطبقات، لكل منها حقوق وواجبات تختلف عن بعضها البعض. فهى طبقات متمايزة مشرعة بحكم قانون الشريعة، وأنه كما تقول الآيات الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، بل أن دية الحر غير دية العبد غير دية الأنثى. وأن الخليفة عمر قد قام بتقدير العطاء من الفيئ والغنائم والسبى عند توزيعه على العرب، بعد أن كلف هيئة من النسابة لوضع الناس فى منازلهم أى فى مستويات كل منهم، فكان سهم بنى هاشم غير سهم أهل بدر غيرسهم نساء النبى، ثم أسهم لقريش ثم الأنصار ثم بقية العرب ما بين المضرى والحضرى وما بين العدنانى والقحطانى. كما تم تقسيم الأمبراطورية حسب قسمة طبقية أخرى هى: الحكام وهم من قريش، والعرب المسلمين، ثم العبيد المسلمين العرب، ثم المسلمين من البلاد المفتوحة وأعطوا لقب الموالى، ثم اهل الذمة وهم أصحاب الديان الأخرى من البلاد المفتوحة. ولا تستوى مثل هذه الطبقات لا فى الحقوق ولا فى الواجبات، ومن قال بمثل هذه المساواة فقد أنكر معلوما من الدين بالضرورة.
والمقصد أنه علينا احترام شريعتنا بإبعادها عن السياسة لأنها كانت فى معظمها تخص زمناً كان له ظروفه وطرائقه فى العيش والتفكير، تختلف بالكلية عن لحظة زماننا واجتماعنا فى مقر يناقش مسألة الدولة وحقوق الإنسان بجاردن سيتى فى القرن الواحد والعشرين، وليس فى فيافى الصحارى فى القرن السابع، ولأن مفاهيم مثل المساواة المطلقة والحريات الفردانية والديمقراطية الليبرالية والانتخابات الرئاسية والتشريعية كلها بنت زماننا اليوم، ولم يسبق أن عرفها الإنسان ولا تحدث عنها دين من الأديان لأنها لم تكن فى مخزون زمانهم الثقافى.
فهل هذا مثلاً ما اعتبره أبو سعدة هجوماً على الشريعة؟ هل أن أعرض بنوداً من الشريعة يكون هذا العرض هجوماً عليها؟ أم أن حافظ لا يستسيغها بمنطق عصرنا فهاجمنى أنا بدلاً من أن يهاجمها هى، هنا الفرق: أنه فى القول العلمى لا مجال لهجوم أو تسفيه أو شتم أو قذف، أنما ما هو مجال وضع الحقائق كما هى أمام الناس. أبو سعدة زعلان منى لأن الشريعة تفرق طبقياً وطائفياً وعنصرياً، أى والله يا أبا سعدة أنها
كذلك ومن قال غير ذلك إما جاهل جهلاً مركباً وأما هو كذاب أشر على الله وعلينا وعلى الدين. فإن لم تعجبك الشريعة على حالها فإما أن تعلن ذلك على الناس دون مهاجمتى، أو أن تعمل على إصلاحها بما يتفق وذوقك وفهمك، إن أردت، وإن استطعت !!
قد اصبح قول الحق فى بلدنا محلاً للعنة والتحريض على القتل، وأن ما كتبته نهضة مصر كله قول كذوب مرذول مردود، يحكم فيه فقط ما تم تسجيله بصوتى، وأن ما كتبته هذه الصحيفة لون من البلاغ فى ظرف يعلم الجميع فيه أنى مهدد بالقتل فى أى لحظة، هو لون من الدعاية الكاذبة المتخرصة لقتل الشخص معنوياً فى نظر الناس، حتى إذا ما حدث اغتياله جسدياً لا تقلق ضمائر المؤمنين وتتقبل الحدث. وهو ما سبق ووصل إليه الدكتور فرج فودة وقاله لى ولحشد من أصدقائنا قبل مقتله بأسابيع، أن حملة التشهير التى يتعرض لها هى تمهيد لتصفيته جسدياً، وصدقت توقعات الرجل. يبدو لى أن عودتى للكتابة لم تزعج فقط أصحاب الإسلام السياسى بل أزعجت كل أصحاب المصالح الشخصية على حساب الوطن ممن يتاجرون بالقيم الليبرالية المحترمة فى سوق غير محترم. وأصبحت تصفيتى إعلامياً فيما يبدوهى المقدمة لتصفيتى جسدياً.
ومعنى أن يهاجم أبو سعدة ما قلت، فهوما يعنى أن مناخنا قد أصابة العطب والفساد حتى نخاع دعاة الحقوق المدنية. وما أبأسه وطن لا تستطيع أن تقول فيه حقائق شرعية وفقهية معلومة من الدين أصولاً وشرعاً وفقهاً، لمجرد أنها غير معلومة من أدعياء الثقافة فيه، أو أن تقول رأيك حتى لو خالف ما استوى عليه الناس.
أما أن يكرر رئيس التحرير حكاية مسرحية صنعتها بإعلان توقفى عن النشر الفترة الماضية، فهو ترداد لكلام صديقه وزميله رقيب روز اليوسف الذى أصبح رئيس التحرير. فهل ينتقم الشبه لصديقه الرقيب بعد ما كشفت دوره فى ما حدث على الملأ فى تليفزيون CNBC وفى تليفزيون المحور مع برنامج 90 دقيقة؟ وهل توجد مثل تلك النفوس فى بلادنا لتحول قضايا الوطن إلى ثارات شخصية، حتى لو أدت لقتل أحد الأطراف؟ إلى هذا القدر وصلت الشماتة مع قلة الحيلة وضعف الأسلحة المحترمة فى الرد، فى وقت نحتاج فيه إلى أوسع مساحة للقول بحرية وبصدق وبشفافية لا تجامل حتى نأخذ مكاننا بين بقية الأمم المحترمة. وهل نحن من الكثرة حتى نضحى بأحدنا يا من تزعمون الليبرالية؟ لقد أصبحت قصة ما أسموه فيلم وأحياناً مسرحية سيد القمنى حول تهديدى بالقتل، شائعة يتم الإصرار عليها وترويجها أولاً فى مجلة تصدر عن الحكومة والدولة هى روزاليوسف، ثم فى التليفزيونات حيث كانت أول ما واجهنى به المذيعون عند عودتى للكتابة والنشر.
وهنا أكرر ما قلته لهذه المحطات الفضائية، هو أن الأمر عند أمن الدولة المصرى وليس عندى، وهو من يقول إن كان فيلماً من صنعى، أم أن التهديد جاء من مصدر شديد الاحتراف عجز عن متابعته إخصائيو الكمبيوتر الذين حشدهم صديقى الدكتور محمود خيال، يتابعون معاً على الإنترنت ويتواصلون ليلة بكاملها حتى الصباح لينتهوا إلى تقرير مكتوب بشئون واصطلاحات لا أفهمها ولا علم لى بها، وأنهم قد وضعوا أيديهم على عدة مفاصل ونقلات عبر العالم عبرها هذا التهديد القاتل، وبقى المفصل الأخير وإن هذه الخطوة ليست فى استطاعتهم بقدر ما هى استطاعة الدولة. وقد سلمت تقريرهم هذا بدوره إلى ضباط أمن الدولة الذين قابلونى بمكتبهم حيث أقيم، وكانوا قادمين من لاظوغلى هذا إضافة إلى ضباط أمن دولة المكان، وتدارسوا الموقف وتيقنوا أنهم سيقبضون على مرسلى التهديد قريباً، فقط يجب عليَ إيقاف الحملة الإعلانية التى ثارت بهذا الشأن لمساعدتهم فى إنجاز عملهم على هذه الرسائل. وساعتها عجبت أن يقال ذلك لرجل قرر الصمت وعدم الكلام ولا يملك سلطة أن يمنع أو يمنح حق الكلام فى الإعلام. وقد أجبتهم بهذا المعنى ببساطة، فقد قررت السكوت بينما الكل كان يتكلم، لكن ما يعزينى أن معظم هذا الكل قد ساندنى وشد من أزرى، وما يعزينى أكثر أن هذا المعظم كان هوصاحب القلم المحترم من بين كل الأقلام. ورغم أن الأمن طالع ما أتهمتنى به روزاليوسف ورغم مطالعته العاصفة التى واجهتنى تتهمنى نفس التهم ببقية الصحف والمحطات الفضائية، حتى سألنى مذيع CNBC إذا لم يكن فيلماً والأمن يعلم ذلك فلماذا يتركك فريسة لهذا الإدعاء، وهو أيضاً ما تكرر فى برنامج 90 دقيقة بالمحور. السؤال حق وأكرره: لماذا يا أمن؟ لماذا وأنا مواطن (ولا شك وأنتم بما تملكون من أجهزة) الأعلم من بين كل الناس أننى من المواطنين الصالحين، أعطيت ما عندى وما أعلم لوطنى حباً وكرامة دون أن أكلفه شيئاً، بينما تكتب أقلام لا تذكر أحياناً ماذا كتبت طوال حياتها ويتم الإسباغ عليها بالرفاة والعز والمكانة. تعلم يا أمن أنى صرفت من ميراثى ودخلى المتواضع من كتاباتى ومن قوت أولادى على ما رايت أنه لصالح الوطن، ولم آخذ من هذا الوطن شيئاً غير ما ترى وتسمع، فلماذا تسكت يا أمن؟ المحكوم بالإرهاب كمال حبيب أول من أطلق هذه الشائعة فهل أنت يا أمن مع الإرهابى؟ لماذا أنت يا أمن ودن من طين وودن من عجين؟.
مرة أخرى أكرر لا بأس عندى بالمطلق أن تناقش كلامى لا أن تهاجم شخصاً، وأن تراجع ما أقول إن صدقاً أو كذباً لا أن تسبنى وتصفينى معنوياً، وأن ترصد مراجعى وتكشف مدى سلامتها واعتمادها من أهل الاختصاص ومدى تزويرى أو تزييفى لنص من النصوص، لا أن توجه لشخصى الشتائم البذيئة فى حلقة ردح لا تليق برئيس مجلة للفضائح. لكن أن تفترى كذباً ثم تعلن هذا الكذب للناس ثم تبنى عليه استنتاجات لتصفينى بها جماهيرياً، فهذا إن لم يكن هو الإرهاب عينه، فماذا يكون الإرهاب ؟ وإن لم تكن هذه جريمة بكل المقاييس؟ فماذا تكون الجريمة؟ وهذا بلاغ للأمن بما جاء فى صحيفة نهضة مصر التى تتخذ لنفسها شعاراً (الليبرالية طريقنا إلى المستقبل). ويا لخسارة الأسماء الجميلة من نهضة مصر إلى الليبرالية طريقنا، فى المواطن القبيحة!!! أكرر هذا بلاغ للأمن، بما قد يترتب على هذا الكذب غير المرتب والتشويه والطعن فى الإيمان فى تقدمه قربانية لرموز الإرهاب والتطرف، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
elqemany@yahoo.com