على خلاف عسكر دول العالم الثالث الذين إذا ما وصلوا إلى السلطة استحلوا المكوث فيها وقاوموا أية فكرة لتركها، أوفى جنرالات المؤسسة العسكرية التايلاندية بالوعد الذي قطعوه على أنفسهم في سبتمبر 2006 حينما استولوا على السلطة بقيادة الجنرال المسلم عبدالله بذريعة تخليص البلاد من الفساد السياسي. وقتها أيضا كان الانقلاب مثار استغراب، لأن قادته بدلا من إعلان حالة الطواريء وتعطيل حياة الأفراد وأعمال المؤسسات، سارعوا إلى الاعتذار للشعب عبر وسائل الإعلام عن أي إزعاج يكونوا قد تسببوا فيه وقام جنودهم بتوزيع الورود على المواطنين.
سألني رئيس تحرير يومية خليجية معروفة عما إذا كان بامكان رئيس الحكومة السابق تاكسين شيناواترا(58 عاما) الذي استهدفه الانقلابيون تحديدا ثم صادروا حقوقه السياسية هو ونحو 111 زعيما سياسيا من أتباعه بموجب قرار صدر في الثلاثين من مايو 2006، قبل أن يصادروا ثرواته ويحلوا حزبه السياسي (حزب تاي راك تاي أو التايلانديون يحبون التايلانديين) بدعوى إفساده الحياة السياسية واستخدامه المال السياسي في تكوين النفوذ وشراء الأصوات الانتخابية، ناهيك عما تردد من تجروءه على انتقاد عاهل البلاد الملك بهوميبول اودلياديج الذي يحظى بشعبية طاغية لدى التايلانديين تصل إلى درجة القداسة، فكانت إجابتي أن الأمر يتوقف على نتائج انتخابات هذا الشهر وردة فعل الجيش عليها. وبتفصيل اكبر قلت إذا فاز أتباع شيناواترا- الذين اخرجوا من الباب فعادوا من الشياك بمشاركتهم في الانتخابات بعدما أسسوا حزبا سياسيا جديدا ضم تقريبا كل أعضاء حزب شيناواترا المنحل ( أو إذا حصلوا على عدد معتبر من المقاعد البرلمانية تخولهم الحكم عبر تحالف مع أحزاب أخرى مثل الحزب الديمقراطي بقيادة ابهيسيت فبجا جيفا فان بامكان شيناواترا أن يستعيد أمجاده، فان يحكم حزبه الجديد المسمى حزب سلطة الشعب الذي اختار لقيادته شخصية يمينية محافظة لكن تربطه علاقات وروابط قديمة بالقصر الملكي هي ” ساماك ساندرافيج” (72 عاما) وأن يحكم الأخير تايلاند مباشرة أو عبر التحالف مع آخرين، فمعناه الإطاحة بكل القوانين الذي سنها العسكر خلال الأشهر الاثنى عشر الماضية ضد شيناواترا وأتباعه وأسرته وحزبه.
وعلى حين أعربت بعض المصادر المطلعة عن تفاؤلها بوجود شخصية مثل “ساماك” على رأس الحكومة المنوي تشكيلها على اعتبار أن علاقاته مع القصر الملكي ومع مجلس الملك الخاص برئاسة الجنرال المتقاعد بريم تنسولانوندا الذي تردد كثيرا انه هو الذي حرض على انقلاب العام الماضي بأمر من الملك سوف تذيب جليد العلاقات بين الملك وشيناواترا. فوالده خدم في القصر وعائلته أيضا عملت في البلاط الملكي وفق التقاليد الملكية القديمة المتشددة في الطاعة والإخلاص منذ زمن الملك راما الخامس إلى زمن الملك راما السابع، وخاله كان الطبيب الخاص للملك راما السادس وجده خدم تحت سلطة الملوك راما الخامس والسادس والسابع بل يعزى إليه تصميم العرش الملكي، أعربت مصادر أخرى عن تخوفها من صعود ساماك، الذي لم يخف برامجه في حال تسلمه رئاسة الحكومة وعلى رأسها إعادة الاعتبار إلى شيناواترا بكل السبل والوسائل، الأمر الذي قابله العسكر علانية بالإشارة إلى إمكانية إقدامهم على استلام السلطة مجددا، وهو أمر لم يعد غريبا في هذا البلد الذي تعرض لمحاولات انقلاب عسكرية عدة، بعضها اتسم بالعنف. وهذا تحديدا ما دعا احد المراسيل الأجانب إلى التعليق على التطورات الأخيرة في تايلاند بالقول أنه لئن تخلص العسكر من كابوس الديمقراطية والانتخابات، فان الطريق أمامهم لمنح البلاد نظاما مستقرا يتوافق مع شروطهم وعلى رأسها تأسيس هياكل سياسية وقانونية جديدة تحول دون إمكانية نجاح حزب أو جماعة سياسية في الصعود بالمال ثم فرض شروطها على مجتمع النخبة مثلما فعل تاكسين المتهم بأنه استخدم أمواله في القيام بتنمية المجتمعات الريفية الفقيرة ذات الغالبية السكانية بغية الحصول على ولاء وأصوات سكانها والفوز المريح في أية انتخابات تجرى، بل التجرؤ على عاهل البلاد بالادعاء بأن نفوذه لا يقل عن نفوذ الأخير ومكانته. وهذا ما لا يوافق عليه ساماك، إذ يرى في صديقه شيناواترا إنسانا ناجحا وذكيا وصاحب عقلية إدارية فذة استطاع أن يخدم بلاده بالقدر الذي لم يجاريه فيه أي من رؤساء الحكومات السابقين، قائلا أن من حقه أن يعود من المنفى معززا، ومضيفا كيف يمكن أن يعود شخص مثل الجنرال ثانوم كيتيكاتشورن من منفاه – في إشارة إلى الديكتاتور الذي عاد إلى البلاد من منفاه في عام 1976 وتسببت عودته في انتفاضة طلابية عنيفة، ولا يسمح لشخص لم يرتكب أي من جرائم المذكور من العودة إلى بلاده.
وجملة القول أن عسكر تايلاند لئن أوفوا بوعودهم حول إعادة السلطة إلى المدنيين، فان أمورا كثيرة تبدو دون حل حاسم، الأمر الذي يجعلهم أصحاب أصابع في إدارة البلاد مباشرة أو من خلف الكواليس خاصة في هذا المنعطف الذي تبدو فيه مصير الملكية التايلاندية محفوفا بالمخاطر كنتيجة لتقدم عاهل البلاد في العمر ولجؤ الكثيرين في القصر إلى دسائس لحماية نفوذهم. البعض يرى في نتائج الانتخابات الثالث والعشرين من ديسمبر بداية لحقبة سياسية جديدة في تاريخ تايلاند، يقودها جيل جديد من الساسة على نحو ما حدث في عام 1997 ، ولاسيما لجهة إعادة كتابة الدستور، وهذا ما فعله العسكر خلال الأشهر الماضية حينما ادخلوا في الدستور موادا تحدد علاقة ضباط الجيش بالنواب المنتخبين. فبموجب هذه المواد التي كان اكبر الخاسرين من ورائها هم أعضاء مجلس الشيوخ الذين تقلص عددهم من 200 إلى 74 سيناتورا، ناهيك عن تطبيق مبدأ تعيينهم بدلا من انتخابهم من قبل لجنة مؤلفة من أعضاء المحكمة الدستورية والمحكمة العليا والمحكمة الإدارية واللجنة العامة للانتخابات. ومبعث القلق من هذا التغيير يكمن في انه يعطي مجالا واسعا للعسكر في التأثير على أعضاء الأجهزة المذكورة بعاليه لتعيين أشخاص محددين، خاصة وان مهام مجلس الشيوخ تشمل أشياء مهمة ذات تأثيرات حاسمة على اعتبار أن الشيوخ يملكون صلاحية الدعوة إلى استجواب الساسة المنتخبين بما فيهم رئيس الحكومة عبر حشد ثلاثة أخماس الأصوات فقط. ومن الأشياء الأخرى المثيرة للجدل التي ادخلها العسكر في الدستور الجديد النص على عدم ملاحقة أو مساءلة أي من قادة انقلاب العام الماضي أمام القضاء.
elmadani@batelco.com.bh
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
عسكر تايلاند يفون بوعودهم.. ويعيدون الحكم للمدنيين!باكستان وجذور التوتر خالص جلبي بشرّ الفيلسوف محمد إقبال بولادة باكستان، قبل أن تولد على كرسي جسداً، كما حصل مع سليمان. ونفذها محمد علي جناح عام 1947م، وولدت طرحاً بعملية قيصرية، كلفت عشرات الملايين من أرواح الناس، ونمت، وشهدت توترات كان آخرها نزف دماء “بوتو” في 27 ديسمبر 2007م نسفاً. واكتمل التوتر بقنبلة نووية مثل عِجل السامري، فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار، أفلا يرون أنه لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، اتخذوه وكانوا ظالمين. ظهر ذلك على شكل نكتة لم يضحك لها أحد، حين هجم الجيش الأميركي على أفغانستان؛ فقالت باكستان إننا على… قراءة المزيد ..
عسكر تايلاند يفون بوعودهم.. ويعيدون الحكم للمدنيين!
وايضا عسكر موريتانيا نقف لهم بكل احترام قد اوفوا بعهدهم