عزيزي السرطان.. بداية وقبل كل شيء.. لعنة الله عليك.
ربما حضرتك لا تعرفني جيدا، فلقد التقينا منذ مدة قصيرة فقط. انا لا أحب كثرة الحكي وأكره «اللت والعجن»، فدعني أقولها لك على بلاطة: لست مستعدة للرحيل بعد.
مازال عندي الكثير من الضحكات التي سأضحكها والدموع التي سأذرفها، الكثير من الأفراح التي سأحضرها والكثير من الأتراح التي سأقاسم أهلها بها، والكثير الكثير من القبلات التي سأزرعها على وجوه من أحب. لدي الكثير من الأهل والأحباب والـ «الفولورز» الذين يعزون علي ولن أكبدهم عناء الجلوس في عزائي بعد.
عزيزي السرطان، بالرغم من تطمين الأطباء أنك «سريطن» تافه «مقدور عليك»، ولكن هل بامكانك تخيل جسامة مهمتي كي أقنع أمي بتفاهتك! ومع يقيني أنك مندحر لا محالة، أنا لست مستعدة أن أضيع وقتي معك، فسأهبه إلى العارف ما في قلبي، مالك الأرواح القادر على كل شيء الذي سيساعدني على قهرك. فهناك الكثير من أطفال اللاجئين في حملة «ليان» بانتظاري كي أسجلهم في المدارس اللبنانية، فلو سمعت توسلاتهم لتأمين تعليمهم «خالة سجليني الله يخليكي»، لأمهلتني عمرا فوق عمري كي أفرحهم بقلم وورقة ومعلم. هناك أيضا العشرات من قدور الـ «ورق عنب والشش برك» التي علي أن أعدها من أجل حملة نداء الياسمين لجمع ما يمكننا جمعه لشراء حليب لأطفال سوريا الذين يموتون جوعا.
من الجانب الأدبي، هناك الكثير من الكتب التي سأقرأها، المقالات التي سأكتبها، الأفلام التي سأراها، والكثير من الأغاني التي سأغنيها. ثم علي أن أنهي روايتي التي ما زلت أعمل عليها منذ أكثر من عام، والتي سأنشرها غصبا عنك. وبالمناسبة.. هناك كم جائزة صحفية علي أن أفوز بها: جائزة الصحافة العربية، جائزة البوكر، ان شاء الله (حتى) لو جائزة نوبل… سأفوز سأفوز.
على الجهة الأخرى «السياحية»، هناك أمور وعدت بها نفسي، وعلي أن أفي بوعودي، سوف اخذ دلع إلى اليابان في فصل الربيع لأشهد تفتح زهر الكرز على الأشجار. وهناك كرنفال ريو.. حلمي منذ الصغر، أسمعك تسخر متسائلا: ألم تكبري على الكرنفالات؟ لا يا عزيزي لم أكبر، وسأذهب للبرازيل. ثم الحلم الأكبر، فلسطين، فليكن في علمك أني لن أرحل عن هذه الدنيا قبل أن أزورها.
أما على الصعيد الشخصي، فهناك أمور لا يمكنني الرحيل دون انجازها.
عليك عزيزي السرطان أن تنتظر لأحتفل بتخرج ليال «آخر العنقود، سكر معقود»، في الجامعة وبتفوق كعادتها، وسأكون هناك لأفخر بها، وأحرجها بدموعي كما فعلت مع إخوتها من قبلها. ثم عليك أن تنتظر كي أريك كيف ستترقى أميرتي لينة بعملها الذي تسلمته منذ أسابيع قليلة فقط، بعدها لنرى على من سيقع اختيارها ليكون شريكها وأكون حماته.
ثم لا يمكنك أن تتصرف قبل أن أرى بدر وقد أصبح من أكبر رجال الأعمال ومليونيرا، كما قال لي منذ ان كان طفلا. ولن أتحرك قيد أنملة قبل أن أرى أول حفيد لي على ذراع فهد، بكري، الذي تليق به الأبوة.
في النهاية، عليك أن تمهلني المزيد من الوقت، لأنكد على هذا الرجل الذي تحمّلني عمراً بأكمله، لا لسبب إلا كي أضمن له الجنة التي يستحقها.
عزيزي السرطان، منذ عشرة أيام دخلت المستشفى بابتسامة، وخرجت منها بعد أسبوع بابتسامتين، واحدة على وجهي وواحدة على رقبتي. سأحتفظ بهما ذكرى انتصار. لن تهزمني، لن تضعفني، وستخسر حربك ضدي. فاذهب إلى الجحيم!
d.moufti@gmail.com
dalaaalmoufti@
عزيزي السرطانالاخت الكريمة الاستاذة دلع المفتي المحترمة أنا أقدر احلامك وانسانيتك وطموحك وآمالك وكل ما يعتلج في قلبك كإنسانة من مشاعر فياضة للتفاعل مع هذه الحياة . وفي قراءة مقالتك تذكرت توفيق الحكيم عندما اراد ان يترجم شعوره بنفسه بقوله ( إن أقسى مايشعر به الانسان في الحياة هو احساسه بقرب النهاية ) وربما شعرت من خلال القراءة بأن هذا الاحساس كان يداعب شعورك واحساسك وانت تكتبين ماكتبتيه ، وهذا ليس شعورك واحساسك وحدك إنما هو شعور كل الناس تقريباً ويزداد الاحساس بهذا الشعور كلما تقدم العمر . وفي النهاية لابد منه ( انه الموت ) وفي بحر الموت تنتهي… قراءة المزيد ..