سجل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الخطاب الأكثر إرتبكاً له بالأمس، رداً على خطباء ذكرى 14 شباط.
المتابع للحالة العونية يدرك الاسلوب الهجومي بل الهستيري الذي يلجأ إليه جنرال الرابيه كلما شعر بتهديد أو بتعطيل لصفقاته وغنائمه في “حكومة الأمر الواقع”. حتى وصل به الأمر إلى دعوة مناصريه للتظاهر ضد وزرائه، وتحميل قوى 14 آذار مسؤولية شل البلد وتعطيل عمل الحكومة التي لا يشاركون فيها أصلاً!
المقلق بالحالة العونية أنها مُعدية. حتى أن نصرالله نفسه لم يستطع تجنّب الإصابة بها، بحيث بدا الأسلوب الهستيري نفسه جلياً في خطابه بالأمس، وإن بجرعة مخففة.
ربما يشعر حزب الله بحجم التهديد لمصالحه جراء أزمة نظام الأسد في سوريا. فقرر الأمين العام معالجة الموضوع على الطريقة العونية واستحضار أسلوب التهجم الشخصي للرد على قيادات 14 آذار الذين قدموا برأيي الخطاب الأكثر حكمةً منذ اندلاع الثورة السورية خصوصاً والثورات العربية عموماً.
هذا في شكل الخطاب، أما في المضمون فقد خلا إلا من التصعيد ومحاولات تسجيل النقاط، التضليل والهروب إلى الأمام، شد العصب واستحضار خطاب طائفي و مذهبي.
التصعيد ومحاولة تسجيل النقاط
مؤشرات الإرتباك في خطاب نصرالله كثيرة، وإن كان ابرزها لجوؤه إلى تناول خطباء “البيال” بالإسم والتهجم عليهم بشكل شخصي بعيداً عن السياسة (الأمر الذي لا ينجر إليه نصرالله غالباً).
كما وفي كل مرة يحشر فيها ويفقد الحجة يستحضر الأمين العام ملفات الحرب اللبنانية ليعيد توزيع المسؤليات على طريقته الخاصة. في حين أن ملفات حزبه و حلفائه لا تقل وزناً ولا هي أنصع بياضاً.
إضافة إلى ذلك يسعى “السيد حسن” إلى الإشارة نحو العدو الإسرائيلي وجرائمه كلما هاجم احدهم همجية وإجرام النظام السوري. إنه من حيث يدري أو لا يدري يقدم دليلا على أن إسرائيل وهذا النظام وجهان لعملة واحدة.
للأمانة فقط، ثمة نجاح في مكان ما في كلمة نصرالله. فقد نجح في اقناعي بأن حرب تموز 2006 شكلت ولا تزال الخدمة الأكبر لحزب الله. من خلالها يوزع شهادات بالوطنية لمن يشاء، وتهم بالعمالة لمن يشاء، و يستخدمها إعلامياً في محاولة لإقناع جمهوره بأنه يخوض معركة الأمة. أضف الى ذلك، هذه الحرب نفسها كانت سبب استجلاب أموال نظيفة طائلة. وطبعاً الحرب نفسها حررت أسيراً لبنانياً.. وهي نفسها كلفت أكثر من 1300 شهيد و دماراً على قدر همجية العدو، ومليارات الدولارات في الإقتصاد..
يبقى أنه بعيداً عن التشهير والتهجم الشخصي والسجلات التي افتعلها نصرالله يكفي قراءة ردود الفعل على خطابه التي اجمعت على فكرة واحدة:
منطق الميليشيا في مواجهة منطق الدولة.
الهروب إلى الأمام
اخطر ما جاء في خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله هو محاولته إرساء ثوابت ووقائع يتيمة إلا في مخيلته:
أولا من خلال تكرار إتهام قوى 14 آذار بتهريب السلاح إلى الداخل السوري واحتضان الجيش السوري الحر وتأجيج الصراع في سورية.
ثانياً من خلال تشبيه ما يجري في البحرين بأزمة النظام السوري، في محاولة منه لخلق وتكريس معادلة أزمة خليجية “مفترضة” مقابل المعادلة الأزمة السورية.
أسلوب جديد في الاستماتة للدفاع عن نظام قاتل الأطفال. أسلوب سبق لقيادات ثورة الأرز أن أسقطته بإعلانها مراراً وتكراراً عن دعمها الكامل لإرادة الشعوب في كل مكان.
إستحضار خطاب طائفي ومذهبي
لم يكن ينقص إطلالة نصرالله في “يوم القادة الشهداء” إلا التكلم بلغة طائفية مذهبية لشد عصب الحضور والجمهور، المرتبك بقدر ارتباك قيادته. وبالفعل، هذا ما لجأ إليه الأمين العام.. لا بل ذهب إلى أبعد من ذلك.. إلى حد مقارنة نفسه بالإمام الحسين(ع) وبتشبيه معركته بمعركة الحسين(ع). علماً أنها ليست المرة الأولى التي يقع فيها حزب الله في هذا المنزلق ولا تزال تداعيات سابقاتها من المرات حية في صيدا وغير صيدا..
أرى أن الحسين يُظلم مجدداً اليوم في هكذا مقارنة.
وإن كان من “حسين” في هذا العصر فهو حاضر في سورية، وقضيته كذلك.
في سورية اليوم عشرات من “كربلاء” وملايين من “الحسين” يرددون منذ عام “هيهات منّا الذلة” دون خضوع.
وهم مستمرون في ثورتهم طالما أن دماءهم تتحول في كل يوم وقودا لهذه الثورة.
m.chreyteh@gmail.com
* كاتب لبناني